21ـ أشراط الساعة: تداعي الأمم على هذه الأمة

 

 أشراط الساعة

21ـ تداعي الأمم على هذه الأمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخبَرَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي ظَهَرَتْ، ومَا زَالَتْ مُسْتَمِرَّةً، وخَاصَّةً في هذا الزَّمَانِ، تَدَاعِي الأُمَمِ الكَافِرَةِ على هذهِ الأُمَّةِ، لِمُحَاوَلَةِ الاسْتِيلاءِ عَلَيهَا، والنَّيْلِ مِنهَا، والقَضَاءِ عَلَيهَا، وعلى دِينِهَا.

روى الإمام أحمد عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا».

قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ».

قَالَ :قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟

قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

وفي رِوَايَةٍ أُخرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِثَوْبَانَ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا ثَوْبَانُ إِذْ تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ، كَتَدَاعِيكُمْ عَلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ يُصِيبُونَ مِنْهُ؟».

قَالَ ثَوْبَانُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا؟

قَالَ: «لَا، أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ يُلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ».

قَالُوا: وَمَا الْوَهَنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «حُبُّكُمُ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَتُكُمُ الْقِتَالَ».

أيُّها الإخوة الكرام: وهذا الأَمْرُ لا يَضِيرُ الأُمَّةَ، لأنَّ اللهَ تعالى أَعطَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانَاً، أنْ لا يُسَلِّطَ على هذهِ الأُمَّةِ عَدُوَّاً من سِوَى نَفْسِهَا، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهَا.

التَّمْكِينُ للأُمَّةِ والبَقَاءُ لا مَحَالَةَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَتَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ لهذهِ الأُمَّةِ البَقَاءَ والخُلُودَ والتَّمْكِينَ لا مَحَالَةَ، لأنَّهَا خَيْرُ الأُمَمِ، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. لأنَّ اللهَ تعالى اصْطَفَاهَا لِتَكُونَ لَهَا القِيَادَةُ والسِّيَادَةُ لهذهِ الدُّنيَا، غَيرَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى رَبَطَ ذلكَ بِشُرُوطٍ إنْ أَتَتْ بِهَا كَتَبَ لَهَا النَّصْرَ والتَّمْكِينَ والعِزَّ والمَجْدَ إلى يَومِ الدِّينِ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَهمَا سَعَتِ الأُمَمُ وتَآمَرَتْ فَلَنْ تُفْلِحَ في النَّيْلِ من هذهِ الأُمَّةِ، لأَنَّهَا مَا وُجِدَتْ إلا لِتَبْقَى، لأَنَّهَا آخِرُ الأُمَمِ، وسَيَأتِي اليَومُ الذي تَخْضَعُ جَمِيعُ الأُمَمِ لهذهِ الأُمَّةِ، لأنَّ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ أَخبَرَ بذلكَ.

روى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى ـ جَمَعَ ـ لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ ـ جُمِعَ ـ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ ـ  الذَّهَبَ والفِضَّةَ ـ  وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ـ بِقَحْطٍ عَامٍّ ـ  وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّاً مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ         ـ أَيْ: يَجْعَلَ مُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ مُبَاحَاً ـ

وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّاً مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَو اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا ـ أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا ـ  ـ أي: نَوَاحِي الْأَرْضِ ـ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضَاً، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضَاً».

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد اسْتَجَابَ اللهُ لِدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَنْ يُسَلِّطَ اللهُ عزَّ وجلَّ على هذهِ الأُمَّةِ عدُوَّاً من سِوَى أَنفُسِهِم فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُم، ولو اجْتَمَعَ عَلَيهَا مَن بَينَ أَقْطَارِهَا، فَلَنْ يُقْضَى على هذهِ الأُمَّةِ، ولَنْ يَسْتَوْلُوا على سُلْطَانِهَا ويُبَدِّدُوا دَعْوَتَهَا، فإنَّ هذا الأَمْرَ لا يُمْكِنُ أن يَحْصُلَ أَبَدَاً، كَمَا أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ولكنْ، هذا لا يُنَافِي أن يَتَسَلَّطَ الكُفَّارُ وأَعدَاءُ هذا الدِّينِ على بَلَدٍ من بِلادِ المُسلِمِينَ، أو على مِنطَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ، ولا يَمْنَعُ كذلكَ من أنْ يَتَمَكَّنَ الكُفَّارُ من تَقْتِيلِ وتَشْرِيدِ المُسلِمِينَ، وانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِم في بُقْعَةٍ من البِقَاعِ، أمَّا أن يَحْصُلَ هذا على عُمُومِ الأُمَّةِ، ويَتَمَكَّنَ الكُفَّارُ من التَّسَلُّطِ والتَّغَلُّبِ على جَمِيعِ الأُمَّةِ حَتَّى يَسْتَبِيحُوا بَيْضَتَهَا، فهذا لا يَحْصُلُ أَبَدَاً، لأنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الإِسلامُ لا بُدَّ أن يَكُونَ قَائِمَاً في جِهَةٍ من الأَرضِ، ولا بُدَّ أن تَكُونَ رَايَةُ الإِسلامِ مَرْفُوعَةً، لأنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى قَالَ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَكُنْ على ثِقَةٍ ويَقِينٍ باللهِ تعالى بِأَنَّ اللهَ تعالى جَاعِلٌ فَرَجَاً ومَخْرَجَاً قَرِيبَاً لهذهِ الأُمَّةِ، مَهمَا تَكَالَبَ عَلَيهَا أَعدَاؤُهَا، فهذهِ الأَزمَةُ فَتْرَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، وهيَ امْتِحَانٌ للأُمَّةِ، وإنَّ المُسْتَقبَلَ لهذا الدِّينِ الحَقِّ، وخَاصَّةً في بِلادِ الشَّامِ، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ ـ أي: المُدَنَ والقُرَى والبَوَادِيَ ـ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزَّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلَّاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

نَسأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ على الحَقِّ حَتَّى نَلقَاهُ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 20/جمادى الأولى/1436هـ، الموافق: 11/آذار/ 2015م