13ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: بعد حصار الشعب

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

13ـ بعد حصار الشعب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: سُنَّةُ اللهِ تعالى في الأَيَّامِ والدُّوَلِ والأَحوَالِ أَنَّهَا لا تَقَرُّ على أَمْرٍ دَائِمٍ، بَل هيَ سَرِيعَةُ التَّقَلُّبِ والزَّوَالِ ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾. فَتِلكَ الأَيَّامُ لا تَقَرُّ على حَالٍ، بَل إِنَّهُ من المُحَالِ دَوَامُ الحَالِ، فالأَحوَالُ تَتَقَلَّبُ وتَتَغَيَّرُ، وهذهِ سُنَّةٌ من سُنَنِ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ، فالنَّاسُ لا تَسْتَمِرُّ حَالُهُم على حَالٍ وَاحِدَةٍ، بَل هيَ في مُنَاوَبَةٍ وتَعَاقُبٍ بَينَ المَصَائِبِ والمَوَاهِبِ، بَينَ المَسَارِّ والمَضَارِّ، قال تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ واللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.

هذهِ هيَ طَبِيعَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا، نَعِيمُهَا لا يَدُومُ، وعَذَابُهَا لا يَدُومُ، عِزُّهَا لا يَدُومُ، وذُلُّهَا لا يَدُومُ، غِنَاهَا لا يَدُومُ، وفَقْرُهَا لا يَدُومُ، رَفْعُهَا لا يَدُومُ، وخَفْضُهَا لا يَدُومُ، فَهِيَ مِنَحٌ بَعدَ مِحَنٍ، ومِحَنٌ بَعدَ مِنَحٍ، وهكذا يَتَرَقَّى المُؤمِنُ في سَائِرِ أَحوَالِهِ، فَفِي المِنَحِ يَشْكُرُ فَيَرقَى، وفي المِحَنِ يَصْبِرُ فَيَرقَى، حَتَّى يَقُولَ المُؤمِنُ بِإِذنِ اللهِ تعالى، مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، عِندَمَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ الأَخِيرِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ.

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام: وَا كَرْبَ أَبَاهُ.

فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ».

فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبَّاً دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ.

فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ.

إنَّ قَومَكَ يَشْكُونَكَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد فَرِحَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّنَا السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبْرَى، والسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ وأُمِّ كُلثُومَ رَضِيَ اللهُ عَنهُنَّ، ومَن مَعَهُم بِفَرَجِ اللهِ تعالى بَعدَ الحِصَارِ الشَّدِيدِ الذي دَامَ ثَلاثَ سَنَوَاتٍ، ولكنَّ فَرَحَ الدُّنيَا لا يَدُومُ، كَمَا أنَّ حُزْنَهَا لا يَدُومُ، لأنَّ اللهَ تعالى مَا خَلَقَ عِبَادَهُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا إلا للاختِبَارِ والابتِلاءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَضَتْ فَتْرَةٌ يَسِيرَةٌ من الرَّاحَةِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ بَيتِهِ والمُؤمِنِينَ بَعدَ الخُرُوجِ من الشِّعْبِ، ولكن رَجَعَتْ قُرَيشٌ مَرَّةً أُخرَى إلى أَبِي طَالِبٍ لِيَعْقِدُوا هُدْنَةً أو صُلْحَاً، لِيَكُفَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن دَعْوَتِهِ، ولِيَدَعَ دِينَهُمْ، ويَدَعُوا دِينَهُ.

روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُماقَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، ابْنُ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا، يَقُولُ وَيَقُولُ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَانْهَهُ.

قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، وَكَانَ قُرْبَ أَبِي طَالِبٍ مَوْضِعُ رَجُلٍ، فَخَشِيَ إِنْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَمِّهِ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِدْ مَجْلِسَاً إِلَّا عِنْدَ الْبَابِ، فَجَلَسَ.

فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ.

فَقَالَ: «يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ».

قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرَاً.

قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».

قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِدَاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾.

قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾.

وفي حَقِّ هؤلاءِ نَزَلَ قَولُهُ تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِدَاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾. لقد كَانَتْ مِحْنَةً جَدِيدَةً بَعدَ مِنْحَةِ فَكِّ الحِصَارِ.

وَصِيَّةُ أَبِي طَالِبٍ عِندَ مَوتِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَضَتِ الأَيَّامُ سَرِيعَةً ومُتَلاحِقَةً، ومَرِضَ أَبُو طَالِبٍ الذي كَانَ رُكْنَاً رَكِينَاً في مَنْعَةِ المُسْلِمِينَ وحِمَايَتِهِم من أَذَى الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ، وهَا هوَ أَبُو طَالِبٍ يَجْمَعُ وُجُوهَ قُرَيشٍ ويُوصِيهِم.

جَاءَ في الرَّوضِ الأُنفِ،  عَن هِشَامِ بنِ السَّائِبِ أو ابنِهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ جَمَعَ إِلَيهِ وُجُوهَ قُرَيشٍ، فَأَوْصَاهُم، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ، أَنْتُمْ صَفْوَةُ اللهِ من العَرَبِ، فِيكُمُ السَّيِّدُ المُطَاعُ، وَفِيكُمُ المُقَدَّمُ الشُّجَاعُ، والوَاسِعُ البَاعُ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُم لم تَتْرُكُوا للعَرَبِ في المَآثِرِ نَصِيبَاً إلا أَحْرَزْتُمُوهُ، ولا شَرَفَاً إلا أَدْرَكْتُمُوهُ، فَلَكُم بَذْلُكُم على النَّاسِ الفَضِيلَةَ، ولهم به إِلَيكُمُ الوَسِيلَةُ، والنَّاسُ لَكُم حِزْبٌ، وعلى حَرْبِكُم أَلَبٌ.

وَإِنِّي أُوصِيكُم بِتَعْظِيمِ هذهِ البُنْيَةِ، فَإِنَّ فِيهَا مَرْضَاةً للرَّبِّ، وَقَوَامَاً للمَعَاشِ، وَثَبَاتَاً للوَطْأَةِ، صِلُوا أَرْحَامَكُم ولا تَقْطَعُوهَا، فَإِنَّ في صِلَةِ الرَّحِمِ مَنْسَأَةً في الأَجَلِ، وَسَعَةً في العَدَدِ، واتْرُكُوا البَغْيَ والعُقُوقَ، فَفِيهِمَا هَلَكَةُ القُرُونِ قَبْلَكُم، أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَأَعْطُوا السَّائِلَ، فَإِنَّ فِيهِمَا شَرَفَ الحَيَاةِ والمَمَاتِ، عَلَيكُم بِصِدْقِ الحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، فَإِنَّ فِيهِمَا مَحَبَّةً في الخَاصِّ، وَمَكْرُمَةً في العَامِّ.

وَإِنِّي أُوصِيكُم بِمُحَمَّدٍ خَيْرَاً، فَإِنَّهُ الأَمِينُ في قُرَيشٍ، والصِّدِّيقُ في العَرَبِ، وهوَ الجَامِعُ لِكُلِّ مَا أَوْصَيْتُكُم بِهِ، وقد جَاءَ بِأَمْرٍ قَبِلَهُ الجَنَانُ، وَأَنْكَرَهُ اللِّسَانُ مَخَافَةَ الشَّنَآنِ، وايْمُ اللهِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى صَعَالِيكِ العَرَبِ، وَأَهْلِ البَرِّ في الأَطْرَافِ والمُسْتَضْعَفِينَ من النَّاسِ قَد أَجَابُوا دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَعَظَّمُوا أَمْرَهُ، فَخَاضَ بِهِم غَمَرَاتِ المَوتِ، فَصَارَت رُؤَسَاءُ قُرَيشٍ وَصَنَادِيدُهَا أَذنَابَاً، وَدُورُهَا خَرَابَاً، وَضُعَفَاؤُهَا أَربَابَاً، وإذا أَعْظَمُهُم عَلَيهِ أَحْوَجُهُم إِلَيهِ، وَأَبْعَدُهُم مِنهُ أَحظَاهُم عِنْدَهُ، قد مَحَضَتْهُ العَرَبُ وِدَادَهَا، وَأَصْفَتْ لَهُ فُؤَادَهَا، وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا، دُونَكُم يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ ابنُ أَبِيكُم، كُونُوا لَهُ وُلَاةً، وَلِحِزْبِهِ حُمَاةً، واللهِ لا يَسْلُكُ أَحَدٌ مِنكُم سَبِيلَهُ إلا رُشِدَ، ولا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِهَدْيِهِ إلا سُعِدَ، وَلَو كَانَ لِنَفْسِي مُدَّةٌ، وَلِأَجَلِي تَأخِيرٌ لَكَفَفْتُ عَنهُ الهَزَاهِزَ، وَلَدَافَعتُ عَنهُ الدَّوَاهِيَ؛ ثمَّ هَلَكَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ، لقد جَاءَ بِدِينٍ قَوِيمٍ أَقَرَّ بِهِ البَعِيدُ والقَرِيبُ، أَقَرَّ بِهِ البَعِيدُ جَنَانَاً، وأَنْكَرَهُ لِسَانَاً خَشْيَةَ الشَّنَآنِ.

السَّعِيدُ من أَجَابَ دَعْوَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والسَّعِيدُ من أَخَذَ الدُّرُوسَ والعِبَرَ من سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، فَتَعَلَّمَ كَيفَ يَكُونُ الشُّكْرُ في الرَّخَاءِ، وكَيفَ يَكُونُ الصَّبْرُ في البَلاءِ.

السَّعِيدُ من أَجَابَ دَعْوَتَهُ فَصَارَ بِهَا رَأْسَاً، والشَّقِيُّ من رَفَضَ دَعْوَتَهُ فَصَارَ بِذلكَ ذَنَبَاً.

جَاءَ في أسد الغابة، وَلَمَّا بَلَغَ أَكْثَمَ ظُهُورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَيهِ رَجُلَينِ يَسْأَلَانِهِ عَن نَسَبِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ، فَأَخْبَرَهُمَا، وَقَرَأَ عَلَيهِمَا: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

فَعَادَا إلى أَكْثَمَ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَرَءَا عَلَيهِ الآيَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَكْثَمُ ذلكَ قَالَ: يَا قَومِ، أُرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخلَاقِ، وَيَنْهَى عن مَلائِمِهَا، فَكُونُوا في هذا الأَمْرِ رُؤُوسَاً، ولا تَكُونُوا أَذْنَابَاً، وَكُونُوا فِيهِ أَوَلاً، ولا تَكُونُوا فِيهِ آخِرَاً، فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ.

أَسأَلُ اللهَ تعالى الثَّبَاتَ في الحَيَاةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 28/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 19/آذار / 2015م