32ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: لا نورث, ما تركناه صدقة

 

مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

32ـ لا نورث، ما تركناه صدقة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من الدُّنْيَا وتَرَكَ بُيُوتَاً لِنِسَائِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُنَّ، لا يَتَجَاوَزُ طُولُ البَيْتِ ثَلاثَةَ أَمْتَارٍ، يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: دَخَلْتُ غُرْفَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَدَدْتُ يَدِي فَوَصَلَت يَدِي سَقْفَ الغُرْفَةِ، سَقْفُهَا جَرِيدُ النَّخْلِ.

وتَرَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِرَاشَاً حَشْوُهُ من لِيَفٍ، وَوِسَادَةً من أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيَفٌ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من الدُّنْيَا ومَا خَلَّفَ دِينَارَاً ولا دِرْهَمَاً، ولا عَقَارَاً ولا قُصُورَاً، ذَهَبَ إلى رَبِّهِ سَلِيمَ اليَدِ، أَبْيَضَ الوَجْهِ، طَاهِرَ السَّرِيرَةِ، خَلَّفَ دِينَاً خَالِدَاً، وخَلَّفَ رِسَالَةً عَامَّةً، خَرَجَ من الدُّنْيَا ومَا خَرَجَتْ رِسَالَتُهُ ودَعْوَتُهُ، خَرَجَ البَشِيرُ النَّذِيرُ من الدُّنْيَا، ولَمْ تَخْرُجِ البِشَارَةُ والنِّذَارَةُ، خَرَجَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وتَرَكَ مِيرَاثَاً أَيَّمَا مِيرَاثٍ، تَرَكَ لَنَا قُرْآنَاً عَظِيمَاً حَكِيمَاً عَزِيزَاً ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾. وتَرَكَ لَنَا سُنَّةً مُطَهَّرَةً فِيهَا صَلاحُ العِبَادِ والبِلادِ.

لَقَد خَرَجَ الحَبِيبُ الأَعْظَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الهِلالُ ثمَّ الهِلالُ ثمَّ الهِلالُ، ولا يُوقَدُ في بَيْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ نَارٌ، وكَانَ يَعْصِبُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَطْنَهُ بالحَجَرِ والحَجَرَيْنِ من شِدَّةِ الجُوعِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد مَضَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ومَا أَبْقَاهُ من دُرَيْهِمَاتٍ صَدَقَةٌ تُنْفَقُ في سَبِيلِ اللهِ، ومَا تَرَكَ إلا هذا الدِّينَ، واجْتِمَاعُنَا هذا حَسَنَةٌ من حَسَنَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وهذهِ المَسَاجِدُ حَسَنَةٌ من حَسَنَاتِهِ، وهذهِ الدَّعْوَةُ والرِّسَالَةُ القَائِمَةُ فَضْلٌ من فَضْلِ اللهِ تعالى، ثمَّ من فَضْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»:

أيُّها الإخوة الكرام: جَاءَ في السيِّرَةِ النَّبَوِيَّةِ، كما روى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ في ذلكَ اليَوْمِ، فَلَمَّا كَانَ من الغَدِ جَاءَتْ فَاطِمَةُ لِأَبِي بَكْرٍ مَعَهَا عَلِيٌّ فَقَالَتْ: مِيرَاثِي من رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَمِنَ الرِّثَّةِ أو من العِقْدِ؟

قَالَتْ: فَدَكٌ ـ مَديِنَة بَينَهَا وَبَينَ المَدِينَةِ يَومَانِ ـ وَخَيْبَرُ وَصَدَقَاتُهُ بالمَدِينَةِ، أَرِثُهَا كَمَا يَرِثُكَ بَنَاتُكَ إذا مِتَّ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبُوكِ واللِه خَيْرٌ مِنِّي، وَأَنْتِ واللهِ خَيْرٌ من بَنَاتِي، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ».

يَعْنِي هذهِ الأَمْوَالُ القَائِمَةُ، فَتَعْلَمِينَ أَنَّ أَبَاكِ أَعْطَاكِهَا فَوَاللهِ لَئِنْ قُلْتِ: نَعَمْ لَأَقْبَلَنَّ قَوْلَكِ، وَلَأُصَدِّقَنَّكِ.

قَالَتْ: جَاءَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهُ أَعْطَانِي فَدَكَ.

قَالَ عُمَرُ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هِيَ لَكِ، فَإِذَا قُلْتِ قَد سَمِعْتُهُ فَهِيَ لَكِ، فَأَنَا أُصَدِّقُكِ، وَأَقْبَلُ قَوْلَكِ.

قَالَتْ: قَد أَخْبَرْتُكَ مَا عِنْدِي.

وروى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ».

إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ ـ يَعْنِي مَالَ اللهِ ـ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ، وَإِنِّي واللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئَاً مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَحَقَّهُمْ.

فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.

مَيرَاثُكَ وحَظُّكَ من تَرِكَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَا مَنْ أَرَادَ العِبْرَةَ من وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَأَعْظَمُ عِبْرَةٍ أَنْ نَتَوَجَّهَ إلى اللهِ تعالى، وإلى شَرْعِهِ الحَنِيفِ، وأَعْظَمُ مَوْعِظَةٍ أَنْ نَأْخُذَ مِيرَاثَنَا وحَظَّنَا من تَرِكَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَمَا كَانَتْ تَرِكَتُهُ أَمْوَالاً، ولا سَيَّارَاتٍ، ولا قُصُورَاً، ولَكِنْ قُرْآنَاً وسُنَّةً.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ!

قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟

قَالَ:ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ!

قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟

قَالَ:فِي الْمَسْجِدِ.

فَخَرَجُوا سِرَاعَاً إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ:مَا لَكُمْ؟

قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئَاً يُقْسَمُ.

فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدَاً؟

قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمَاً يُصَلُّونَ، وَقَوْمَاً يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمَاً يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ.

فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الحَيَاةُ الدُّنْيَا تَافِهَةٌ حَقِيرَةٌ، فَعَجَبَاً لِعُبَّادِهَا، وعَجَبَاً للسَّاجِدِينَ لَهَا، وعَجَبَاً لِمَنْ يَرْكَعُ عِنْدَ أَبْوَابِهَا، أَمَا اتَّعَظَ هؤلاءِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟

لَقَد عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِكُنُوزِهَا، فَاخْتَارَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ نَبِيَّاً عَبْدَاً، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لا نَقُولُ للنَّاسِ: اُتْرُكُوا الأَمْوَالَ، واخْرُجُوا من القُصُورِ، ولا تَرْكَبُوا السَّيَّارَاتِ، ولَكِنْ نَقُولُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

نَقُولُ: لا تَنْسَوْا نَصِيبَكُم من الحِيِّ القَيُّومِ، ولا تَنْسَوُا الحُفْرَةَ الضَّيِّقَةَ التي تَنْتَظِرُنَا جَمِيعَاً، ولا تَنْسَوُا اللِّقَاءَ عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ يَوْمَ نَأْتِي جَمِيعَاً حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بُهْمَاً، ولا تَنْسَوُا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾. وقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدَاً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدَاً﴾.

لا نَقُولُ للنَّاسِ: اُتْرُكُوا الدُّنْيَا وزَينَتَهَا، لا، هِيَ خُلِقَتْ من أَجْلِنَا، ولَكِنْ نَقُولُ: اِجْعَلُوهَا مَطِيَّةً للآخِرَةِ، اِجْعَلُوهَا سَبَبَاً لِنَيْلِ مَرْضَاةِ اللهِ تعالى، ولا تَجْعَلُوهَا سَبَبَاً لِسَخَطِ اللهِ تعالى، اِجْعَلُوهَا سَبَبَاً لِدُخُولِ الجَنَّةِ، ولا تَجْعَلُوهَا سَبَبَاً لِدُخُولِ النَّارِ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَن كَانَ عَبْدَاً للدُّنْيَا، وجَعَلَ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَسَوْفَ يَبْكِي عِنْدَ مَوْتِهِ، وأَمَّا مَن كَانَ عِبْدَاً للهِ تعالى، وجَعَلَ الدُّنْيَا مَطِيَّةً للآخِرَةِ، وسَبَبَاً لِنَيْلِ رِضَا اللهِ تعالى عَنْهُ، بِأَنْ عَرَفَ للهِ فِيهَا حَقَّاً، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزْمَةِ، حَيْثُ بَذَلَهَا لأَصْحَابِ الحَاجَاتِ، لأَصْحَابِ العَاهَاتِ، للمَرْضَى لِلأَرَامِلِ لليَتَامَى الفُقَرَاءِ المَسَاكِينِ، وجَعَلَهَا هَمْزَةَ وَصْلٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَرَابَتِهِ، فهذا سَوْفَ يَضْحَكُ فَرِحَاً مَسْرُورَاً عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، ورَحِمَ اللهُ تعالى مَن قَالَ:

وَلَـدَتْـكَ أُمُّـكَ يَا ابْـنَ آدَمَ بَـاكِيَاً   ***   والنَّاسُ حَوْلَكَ يَضْحَكُونَ سُرُورَاً

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ إذا بَكَوْا   ***   في يَـوْمِ مَـوْتِكَ ضَـاحِكَاً مَسْرُورَاً

اللَّهُمَّ أَخْرِجْ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 28/شوال /1435هـ، الموافق: 13/آب / 2015م