58ـ كلمات في مناسبات: سبب تمزيق الأمة

 

 58ـ كلمات في مناسبات: سبب تمزيق الأمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

هَا نَحْنُ في اليَوْمِ الثَّالِثِ من أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، من الأَيَّامِ التي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، من الأَيَّامِ التي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهَا العَمَلَ الصَّالِحَ أَكْثَرَ من غَيْرِهَا، من الأَيَّامِ التي حَرَّضَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِيهَا على كَثْرَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ.

أيُّها الإخوة الكرام: بالعَمَلِ الصَّالِحِ تَحْيَا القُلُوبُ، وتَزْدَادُ نُورَاً يُضِيءُ لِصَاحِبِهِ الطَّرِيقَ، لِيَسِيرَ بِهِ في النَّاسِ طَالِبَاً مَا عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وبِتَرْكِ العَمَلِ الصَّالِحِ قَدْ يَصِلُ القَلْبُ إلى المَوْتِ، ويُصْبِحُ صَاحِبُ هذا القَلْبِ المَيِّتِ هَمَلاً في النَّاسِ، لا غَايَةَ لَهُ ولا مَقْصِدَ إلَّا إِشْبَاعُ رَغَبَاتِهِ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، لِتَكُونَ حَيَاتُهُ كَحَيَاةِ الأَنْعَامِ بَلْ أَضَلُّ، قَالَ تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

ولهذا قَالَ تعالى في هذينِ القَلْبَيْنِ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

سَبَبُ تَمْزِيقِ الأُمَّةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ إذا كَانَت مَعَ الإِخْلاصِ كَانَ لَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ في سَلامَةِ القَلْبِ، لأَنَّ مَثَلَهَا للقَلْبِ كَمَثَلِ المَاءِ للأَرْضِ العَطْشَى، بالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الإِخْلاصِ للهِ تعالى يَكُونُ القَلْبُ قَلْبَاً نَقِيَّاً تَقِيَّاً لا إِثْمَ فِيهِ، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ».

قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

أيُّها الإخوة الكرام: مَا أَحْوَجَ الأُمَّةَ اليَوْمَ إلى الالْتِزَامِ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ؟

مَا أَحْوَجَ الأُمَّةَ إلى العَوْدَةِ إلى هَدْيِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لَقَد أَصْبَحَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ تُوصَفُ بِكَثْرَةِ الخِلافِ والنِّزَاعِ والفُرْقَةِ، وَقَد امْتَلَأَتِ القُلُوبُ حِقْدَاً وَحَسَدَاً، وَأَوْغَرَتِ الصُّدُورَ، فلا تَسْمَعُ إلا كَلِمَاتِ التَّنْقِيصِ والازْدِرَاءِ وَسُوءِ الظَّنِّ، حَتَّى حَكَمَ البَعْضُ على النِّيَّاتِ والمَقَاصِدِ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ أَنْ أَصْبَحَ المُسلِمُونَ جَمَاعَاتٍ وَأَحْزَابَاً ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد مُزِّقَتِ الأُمَّةُ، وَمُزِّقَ المُمَزَّقُ، فلا تَسْمَعُ إلا جَمَاعَاتٍ جَدِيدَةً نَشَأَتْ، وَأَحْزَابَاً تَكَتَّلَتْ، وفَرِحَ أَعْدَاءُ الأُمَّةِ بذلكَ، فَأَصْبَحُوا لهذهِ الجَمَاعَاتِ رَاعِينَ، وَصَدَقَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. فِتنَةٌ عَمَّتْ، وبَلاءٌ طَمَّ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

أَهَمُّ مُضْغَةٍ في الجَسَدِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَصْبَحنَا في هذهِ الفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ البَكْمَاءِ العَمْيَاءِ بِسَبَبِ غَفْلَتِنَا عَن أَهَمِّ مُضْغَةٍ في جَسَدِنَا، هذهِ المُضْغَةُ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رواه الشيخان عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وَقَلَّمَا أَنْ تَجِدَ مَن يَتَحَدَّثُ عَن سَلامَةِ الصَّدْرِ، وَطَهَارَةِ القَلْبِ، وَصَفَاءِ النَّفْسِ، بَلْ إِنَّ جُلَّ الحَدِيثِ غِيبَةٌ ونَمِيمَةٌ وَزَرْعُ البَغْضَاءِ في قُلُوبِ بَعْضِنَا البَعْضِ، وَلا يَلْتَمِسُ أَحَدٌ الأَعذَارَ لِإِخْوَانِهِ.

هَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى عَن عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾؟

وَهِيَ التي لا تُطَاقُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ابتَعَدْنَا عن الأَخلاقِ المَرضِيَّةِ، حَتَّى إذا سَمِعنَا بَعضَ الأَخلاقِ المَرضِيَّةِ وَجَدْنَاهَا لا تُطَاقُ، ولا نَقدِرُ عَلَيهَا، وصَعبَةً عَلَينَا، إلا أَنَّهَا يَسِيرَةٌ على من يَسَّرَهَا اللهُ تعالى عَلَيهِ.

روى الإمام أحمد عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

فَطَلَعَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى.

فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ.

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.

قَالَ عَبْدُ اللهَ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْراً، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ، ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ.

قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي.

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشَّاً وَلَا أَحْسُدُ أَحَداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

ثِمَارُ ونَتَائِجُ سَلامَةِ الصَّدْرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَلامَةَ الصَّدْرِ، ونَقَاءَ القَلبِ، وصَفَاءَ السَّرِيرَةِ، شِعَارُ الصَّالِحِينَ الأَتقِيَاءِ والأَنقِيَاءِ ذَوِي الحِلْمِ والأَنَاةِ والنَّفسِ الرَّضِيَّةِ، لأنَّ التَّنَازُلَ عن الحَقِّ نَوعٌ من أَنوَاعِ إيثَارِ الآجِلِ على العَاجِلِ.

إنَّ سَلامَةَ القَلبِ تُجَاهَ من أَسَاءَ إِلَيكَ لَيسَت من الأُمُورِ السَّهْلَةِ، إذْ لَهَا في النَّفسِ ثِقَلٌ لا يَتِمُّ التَّغَلُّبُ عَلَيهَا إلا بِمُصَارَعَةِ حُبِّ الانتِصَارِ والانتِقَامِ للنَّفسِ، ولا يَكُونُ ذلكَ إلا للأَقوِيَاءِ الذينَ استَعصَوا على حُظُوظِ النَّفسِ ورَغَبَاتِهَا، وإن كَانَ حَقَّاً يَجُوزُ إمضَاؤُهُ، لِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَلامَةَ القَلبِ والصَّدْرِ والنَّفسِ نَحْوَ من أَسَاءَ إِلَيكَ دَلِيلٌ على تَجَاوُزِ المَألُوفِ وخَرْقِ العَادَاتِ، ومن هُنَا يَأتِي التَّمَيُّزُ عن الآخَرِينَ، وهذا هوَ الشَّدِيدُ الذي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ،كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».

أيُّها الإخوة الكرام: إِنْ لَمْ يَكُنْ من آثَارِ سَلامَةِ الصَّدْرِ وتَنقِيَةِ القَلبِ إلا أَنَّهُ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ لَكَفَى، فمن ثِمَارِ سَلامَةِ الصَّدْرِ:

أولاً: دُخُولُ الجَنَّةِ:

روى الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ، يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِيَ فِي الْجَنَّةِ».

ثانياً: عِزٌّ في الدُّنيَا والآخِرَةِ:

روى الإمام أحمد والترمذي عن أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ، مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزَّاً».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلَّا عِزَّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».

ثالثاً: طُمَأنِينَةٌ في القَلبِ، ورَاحَةُ بَالٍ:

جَاءَ في نُزهَةِ الفُضَلاءِ عَن زَيْدِ بنِ أَسلَمَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ دَخَلَ على أَبِي دُجَانَةَ، وهوَ مَرِيضٌ، وكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ.

فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟

فَقَالَ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِن اثنَتَينِ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، أمَّا الأُخرَى، فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيماً. كذا في نَضْرَةِ النَّعِيمِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَلامَةَ الصَّدْرِ، وصَفَاءَ القَلبِ، من أَخلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ويَقُولُ مَولانَا عزَّ وجلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.

فَأَينَ المُشَمِّرُونَ المُقتَدُونَ؟ أينَ من يُغَالِبُ حُبَّ الانتِقَامِ والانتِصَارِ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ التي مَزَّقَت كَيَانَ الأُمَّةِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: لم يَكُنْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشَاً ولا مُتَفَحِّشَاً، ولا صَخَّابَاً في الأَسوَاقِ، ولا يُقَابِلُ السَّيِّئَةَ بالسَّيِّئَةِ، ولكن يَعفُو ويَصفَحُ، وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَفوَ والعَافِيَةَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وَنَسْأَلُكَ حُسْنَ الأَخْلاقِ، والعَوْنَ على نُفُوسِنَا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 3/ذو الحجة /1436هـ، الموافق: 17/أيلول / 2015م