456ـ خطبة عيد الأضحى: من فهم حكمة العيد بادر إلى الخير

 

 456ـ خطبة عيد الأضحى: من فهم حكمة العيد بادر إلى الخير

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ، في هذا اليَوْمِ المُبَارَكِ تَرَى المُؤْمِنِينَ مُمْتَثِلِينَ أَمْرَ رَبِّهِم عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَمُتَأَسِّينَ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الذي ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ سَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجَلَهُ على صِفَاحِهِمَا؛ كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري ومسلم.

يَا عِبَادَ اللهِ، في هذا اليَوْمِ الأَغَرِّ، يَوْمِ العَاشِرِ من ذِي الحِجَّةِ، يَوْمِ الأَضْحَى، يَوْمِ النَّحْرِ، يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ بِعِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ، وَيَنْعَمُونَ بِبَهْجَتِهِ، فَتُنْحَرُ الأَضَاحِي والقَرَابِينُ، وَتُقَدَّمُ الهَدَايَا والعَطَايَا، وَيَتَزَاوَرُ الأَهْلُ والأَرْحَامُ والجِيرَانُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

مَن فَهِمَ حِكْمَةَ العِيدِ بَادَرَ إلى الخَيْرِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، مَن أَدْرَكَ العِيدَ، وَفَهِمَ الحِكْمَةَ من تَشْرِيعِ العِيدِ، بَادَرَ إلى الخَيْرِ مَا اسْتَطَاعَ إلى ذلكَ سَبِيلاً، وَأَكْثَرَ من ذِكْرِ اللهِ تعالى بُكْرَةً وَأَصِيلاً.

الفَرْحَةُ بالعِيدِ لا تَكُونُ إلا بَعْدَ تَمَامِ الطَّاعَةِ، حَيْثُ يَسْتَبْشِرُ العَبْدُ بِعُقْبَى العِبَادَةِ، فَعِيدُ الفِطْرِ بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعِيدُ الأَضْحَى بَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

تَحْرِيمُ الدِّمَاءِ والأَمْوَالِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، مَن فَرِحَ بالعِيدِ بَادَرَ إلى الخَيْرِ، والخَيْرُ كُلُّ الخَيْرِ في سَمَاعِ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَفِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقَفَ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في تِلْكَ الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ من حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، حَيْثُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَبَيَّنَ لَهُم قَوَاعِدَ الدِّينِ، وآدَابَ المِلَّةِ، وَحَذَّرَ من عَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ من هَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:

«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ ـ قَالَ: مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ ـ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارَاً أَوْ ضُلَّالَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ».

ثُمَّ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يَا أَهْلَ هذا البَلَدِ الحَبِيبِ، يَا مَن آمَنْتُمْ باللهِ تعالى وبَاليَوْمِ الآخِرِ، يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ». فَهَلْ هَيَّأْتُمُ الجَوَابَ عَن سَفْكِ الدِّمَاءِ، والتَّعَدِّي على الأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

أَدَاءُ الأَمَانَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ، من هَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَن ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ.

أَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا، وَإِيَّاكُم وَجُحُودَ الأَمَانَاتِ، وَإِيَّاكُم وَتَضْيِيعَ الأَمَانَاتِ، فَأَهْلُ بَيْتِكَ أَمَانَةٌ عِنْدَكَ، رَبِّهِم على الخَيْرِ والكَمَالِ، وَرَعِيَّتُكَ يَا أَيُّهَا الرَّاعِي أَمَانَةٌ عِنْدَكَ، فَإِيَّاكَ والغِشَّ لِرَعِيَّتِكَ، قَالَ تعالى مُحَذِّرَاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

تَحْرِيمُ الرِّبَا:

يَا عِبَادَ اللهِ، من هَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنَّ كُلَّ رِبَاً مَوْضُوعٌ، وَلَكِنْ لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ؛ قَضَى اللهُ أَنَّهُ لَا رِبَا، وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» كذا جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

ولا تَخْفَى عَلَيْكُم حُرْمَةُ الرِّبَا، بِنُصُوصِهِ الجَلِيَّةِ التي تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الجُلُودُ، وَتَرْتَجِفُ من هَوْلِهَا قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ، فَهُوَ مُدَمِّرٌ للدِّينِ، وَمُهْلِكٌ للاقْتِصَادِ، وَقَاطِعٌ لِأَوَاصِرِ الأُخُوَّةِ، وَفِيهِ المُحَارَبَةُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ، وفِي الخِتَامِ، لَقَد حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من الشَّيْطَانِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدَاً، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ» كذا جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا مَن تَتَقَرَّبُونَ إلى اللهِ تعالى بالأَضَاحِي، حَرِّضُوا الأُمَّةَ على حَقْنِ الدِّمَاءِ، وعلى أَدَاءِ الأَمَانَاتِ، وَعَدَمِ اسْتِحْلالِ الأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ، واحْذَرُوا شَيَاطِينَ الإِنْسِ والجِنِّ، الذينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، الذينَ هَمُّهُم بَثُّ الفَسَادِ والإِفْسَادِ وسَفْكُ الدِّمَاءِ وسَلْبُ الأَمْوَال، فالحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِمَّنْ أَرَادَ تَفْرِيقَ الشَّمْلِ وَتَمْزِيقَ الكَلِمَةِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى تَفْرِيجَ الكَرْبِ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ. آمين.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الخميس: 10/ذو الحجة /1435هـ، الموافق: 24/أيلول/ 2015م