9ـ أسماء الله تعالى الحسنى: اسم الله تعالى المتكبر

 

 أسماء الله تعالى الحسنى وأثرها في المؤمن

9ـ اسم الله تعالى المتكبر

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى المُتَكَبِّرُ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

قَالَ: «يَقُولُ اللهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمُتَعَالِي، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ».

قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ.

اللهُ تعالى المُتَكَبِّرُ ذُو الكِبْرِيَاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى المُتَكَبِّرُ، وهوَ من أَسْمَاءِ الكَمَالِ في حَقِّهِ تَبَارَكَ وتعالى، وهوَ صِفَةُ نَقْصٍ في الإِنسَانِ.

المُتَكَبِّرُ هوَ العَظِيمُ المُتَعَالِي القَاهِرُ لِعُتَاةِ خَلْقِهِ، إذا نَازَعُوهُ العَظَمَةَ قَصَمَهُم، المُتَكَبِّرُ هوَ الذي تَكَبَّرَ عَن كُلِّ سُوءٍ، وتَكَبَّرَ عَن ظُلْمِ عِبَادِهِ، وتَكَبَّرَ عَن قَبُولِ الشِّرْكِ في العِبَادَةِ، المُتَكَبِّرُ هوَ ذُو الكِبْرِيَاءِ، وهوَ أَغْنَى الأَغْنِيَاء عَن الشُّرَكَاءِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلَاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».

أيُّها الإخوة الكرام: صِفَةُ الكِبْرِيَاءِ للهِ تعالى مَدْحٌ وكَمَالٌ، وفي صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ ذَمٌّ ونَقْصٌ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى المُتَفَرِّدُ بالعَظَمَةِ والكِبْرِيَاءِ، وهذهِ الصِّفَةُ لا تَكُونُ إلا للهِ تعالى، ولا تَلِيقُ هذهِ الصِّفَةُ بِأَحَدٍ من الخَلْقِ، وإِنَّمَا صِفَةُ العَبدِ وسِمَتُهُ الخُضُوعُ والتَّذَلُّلُ، قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوَىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾.

وقَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَن سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾.

مَصِيرُ المُتَكَبِّرِ من الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ صِفَةَ الكِبْرِيَاءِ في الإِنسَانِ صِفَةُ نَقْصٍ، ومَآلُ المُتَكَبِّرِ من النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَارُ جَهَنَّمَ، كَمَا قَالَ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ في الآيَاتِ السَّابِقَةِ.

وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في أَحَادِيثِهِ الشَّرِيفَةِ.

روى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ، طِينَةَ الْخَبَالِ».

وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ».

قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنَاً، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً.

قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».

وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدَاً مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ».

أيُّها الإخوة الكرام: مَا أَقْبَحَ العَبْدَ الذي يَتَكَبَّرُ على خَلْقِ اللهِ تعالى، ويَنْسَى قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾.

يَقُولُ الأَحْنَفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: عَجِبْتُ لِمَنْ جَرَى في مَجْرَى البَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ؟!

الدُّعَاءُ بِاسْمِ اللهِ تعالى المُتَكَبِّرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تعالى بِصِفَةِ اللهِ تعالى التي تَضَمَّنَتِ اسْمَ المُتَكَبِّرِ.

روى الإمام مسلم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامَاً أَقُولُهُ.

قَالَ: «قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرَاً، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرَاً، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ».

قَالَ: فَهَؤُلَاءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟

قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي».

وروى الديلمي عَن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ باللهِ وَرَسُولِهِ إلا خَصَصْتَنِي بِأَعْظَمِ ما خَصَّكَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ واخْتَصَّهُ به جِبْرِيلُ وَأَرْسَلَهُ به الرَّحْمَنُ.

فَضَحِكَ ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا بَرَاءُ، إذا أَرَدْتَ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ عزَّ وجلَّ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، فَاقْرَأْ من أَوَّلِ سُورَةِ الحَدِيدِ إلى آخِرِ سِتِّ آياتٍ مِنهَا إلى: ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. وآخِرَ سُورَةِ الحَشْرِ، يَعْنِي أَرْبَعَ آيَاتٍ، ثمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ فَقُلْ: يَا مَن هوَ هكذا أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذهِ الأَسْمَاءِ أنْ تٌصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأنْ تَفْعَلَ بِي كذا وكذا مِمَّا تُرِيدُ، فَوَالذي لا إِلَهَ غَيْرُهُ لَتُقْبَلَنَّ بِحَاجَتِكَ إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: وهذا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ يَسْتَجِيرُ باللهِ تعالى من كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَن دُعَائِهِ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى المُتَكَبِّرَ، فَإِنَّهُ لا يَجْتَرِئُ على الإِتِّصَافِ بهذهِ الصِّفَةِ وبهذا الاسْمِ المُبَارَكِ، بَل يَسْعَى لِنَفْيِ الكِبْرِ عَن نَفْسِهِ، ويَسْعَى لِخَلْعِ أَوْصَافِ الرُّبُوبِيَّةِ عَن نَفْسِهِ، فلا يَتَعَالَى، ولا يَتَكَبَّرُ، ولا يَتَمَظْهَرُ، ولا يَتَبَخْتَرُ، بَل يَتَوَاضَعُ.

روى الشيخان عَن حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ».

وَوَرَدَ في الأَثَرِ: أنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: أُحِبُّ ثَلاثَاً، وحُبِّي لِثَلَاثٍ أشَدُّ، أُحِبُّ الطَّائِعِينَ، وحُبِّيَ لِلشَّابِّ الطَّائِعِ أَشَدُّ، وأُحِبُّ الكُرَمَاءَ، وحُبِّيَ للفَقِيرِ الكَرِيمِ أَشَدُّ، وأُحِبُّ المُتَوَاضِعِينَ، وحُبِّيَ لِلغَنِيِّ المُتَواضِعِ أَشَدُّ، وأَكرَهُ ثَلاثَاً، وكُرهِي لِثَلاثٍ أَشَدُّ، أَكرَهُ العُصَاةَ، وكُرهِي للشَّيخِ العَاصِي أَشَدُّ، وأَكرَهُ المُتَكَبِّرِينَ، وكُرهِي للفَقِيرِ المُتَكَبِّرِ أَشَدُّ، وأَكرَهُ البُخَلَاءَ، وكُرهِي للغَنِيِّ البَخِيلِ أَشَدُّ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 9/رمضان /1435هـ، الموافق: 26/حزيران / 2015م