11ـ أسماء الله تعالى الحسنى: اسم الله تعالى القهار

 

 أسماء الله تعالى الحسنى وأثرها في المؤمن

11ـ اسم الله تعالى القهار

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى القَهَّارُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾. وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾.

وقَد وَرَدَ هذا الاسْمُ الطَّاهِرُ المُبَارَكُ في السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، روى الإمام أحمد عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا بُدِّلَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا اللهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ».

القَاهِرُ القَهَّارُ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى القَاهِرُ القَهَّارُ، فَهُوَ جَلَّ جَلالُهُ القَاهِرُ الذي لَهُ عُلُوُّ القَهْرِ على جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ بِاخْتِلافِ تَنَوُّعِهِم، فلا يَقْوَى مَلِكٌ من المُلُوكِ أَنْ يُنَازِعَهُ في عُلُوِّهِ مَهمَا تَمَادَى في سُلْطَانِهِ وظُلْمِهِ.

قَالَ تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ تعالى القَهَّارُ القَاهِرُ هوَ الذي قَهَرَ الجَبَابِرَةَ، فَهُوَ تعالى قَهَرَ قَوْمَ هُودٍ وصَالِحٍ ونُوحٍ عَلَيهِمُ السَّلامُ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادَاً الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾.

وقَهَرَ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ وأَهْلَكَهُم، قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

وقَهَرَ جَيْشَ أَبْرَهَةَ الحَبَشِيِّ الذي جَاءَ لِهَدْمِ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ، قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرَاً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾.

الدُّعَاءُ بِمَا يُنَاسِبُ اسْمَ اللهِ تعالى القَهَّارِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الدُّعَاءِ الذي يُنَاسِبُ اسْمَ اللهِ تعالى القَاهِرِ القَهَّارِ، ما رواه الإمام أحمد عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ».

وروى الإمام البخاري عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». فلا مَلْجَأَ ولا مَنْجَا من اللهِ إلا إِلَيهِ، لأَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى هوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ.

وروى النسائي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِذَا تَضَوَّرَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ».

أيُّها الإخوة الكرام: من الدُّعَاءِ بِاسْمِ اللهِ تعالى القَهَّارِ، أَنْ تَسْتَعِيذَ باللهِ تعالى القَهَّارِ من كُلِّ ظَالِمٍ جَبَّارٍ، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَن سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ مَعَ فِرْعَوْنَ: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا باللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

فَمَن خَافَ من ظَالِمٍ أو جَبَّارٍ من المَخْلُوقَاتِ، فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ تعالى القَهَّارِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يَكْفِيهِ شَرَّ الأَشْرَارِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوسَطِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في غَزَاةٍ، فَلَقِيَ العَدُوَّ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ أَعْبُدُ، وَإِيَّاكَ أَسْتَعِينُ».

قَالَ: فَلَقَد رَأَيْتُ الرِّجَالَ تُصْرَعُ، تَضْرِبُهَا المَلَائِكَةُ من بَيْنِ يَدَيْهَا، ومن خَلْفِهَا.

أَثَرُ اسْمِ اللهِ تعالى القَهَّارِ على العَبْدِ المُؤْمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا آمَنَ العَبْدُ بِاسْمِ اللهِ تعالى القَهَّارِ، فَإِنَّهُ يَلِينُ قَلْبُهُ على الفُقَرَاءِ والمُسْتَضْعَفِينَ، ويَعْفُو عِنْدَ القُدْرَةِ على المُسِيئِينَ.

قَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

وروى الإمام أحمد عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:  إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنْ كُنْتُ لَحَالِفَاً عَلَيْهِنَّ، لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، فَتَصَدَّقُوا، وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا ـ و قَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ: إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا عِزَّاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُؤْمِنُ إذا عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى القَهَّارِ، عَرَفَ حَجْمَ نَفْسَهُ، وعَرَفَ ذُلَّ عُبُودِيَّتِهِ للهِ تعالى، ومَتَى عَرَفَ ذلكَ ابْتَعَدَ عَن جَمِيعِ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ التي تُغْضِبُ اللهَ تعالى القَهَّارَ، وأَقْبَلَ على نَفْسِهِ فَقَهَرَهَا، ومَالَ بِهَا عَن طَرِيقِ الانْحِرَافِ لِكَيْ يَسْلَمَ من غَضَبِ اللهِ تعالى، ويَفُوزَ بِوَعْدِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: العَجِيبُ في هذا العَبْدِ الذي آمَنَ باللهِ تعالى الوَاحِدِ القَهَّارِ، ثمَّ يَجْتَرِئُ على مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وخَاصَّةً في ظُلْمِ الآخَرِينَ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ عَمِيَتْ أَبْصَارُ الظَّالِمِينَ؟ وهَلْ طُمِسَتْ بَصَائِرُ المُجْرِمِينَ عَن رُؤْيَةِ مَا فَعَلَهُ اللهُ تعالى بالأُمَمِ السَّالِفِينَ؟

لا تَـظْـلِمَنَّ إِذَا مَـا كُنْتَ مُقْتَدِرَاً   ***   فَـالظُّلْمُ مَصْدَرُهُ يُفْضِي إلى النَّـدَمِ

وَاحْذَرْ أُخَيَّ من المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ    ***   لا تَـأْخُذَنْكَ سِهَامُ اللَّيْلِ في الظُّلَمِ

تَـنَـامُ عَـيْـنَاكَ والمَظْـلُومُ مُـنْتَبِهٌ    ***   يَدْعُـو عَـلَـيْكَ وَعَـيْنُ اللهِ لَمْ تَـنَـمِ

لا شَكَّ دَعْوَةُ مَـظْلُـومٍ يَحِلُّ بِهَا     ***   دَارُ الـهَـوَانِ وَدَارُ الـذُّلِّ والنِّـقَـمِ

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعَرِّفَنَا على حَقِيقَةِ أَنْفُسِنَا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 11/رمضان /1435هـ، الموافق: 28/حزيران / 2015م