7ـ دروس رمضانية لعام 1436: أهمية التسبيح وأثره في الشدائد

 

 7ـ دروس رمضانية لعام 1436: أهمية التسبيح وأثره في الشدائد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

لقد ضَاقَتْ صُدُورُ كَثِيرٍ من المؤمنينَ مِمَّا يَجْرِي على أَرْضِنَا المُبَارَكَةِ، وكَثُرَ السُّؤالُ: مَا هوَ العِلاجُ لِضِيقِ الصَّدْرِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ خَيْرَ عِلاجٍ يَأْخُذُهُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ هوَ من كِتَابِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، لأنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ ﴿شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾. وقد عَالَجَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ ضِيقَ صَدْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا آذاهُ قَوْمُهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾.

أَهَمِّيَّةُ التَّسْبِيحِ وَأَثَرُهُ في الشَّدَائِدِ:

أيُّها الإخوة الكرام: التَّسْبِيحُ بِحَمْدِ اللهِ عزَّ وجلَّ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ في حَيَاةِ العَبدِ، لأنَّهُ بالتَّسْبِيحِ يَنْسَجِمُ العَبدُ المُسبِّحُ مَعَ الكَوْنِ كُلِّهِ المُسبِّحِ للهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. وهذا التَّسْبِيحُ من المَوْجُودَاتِ مُسْتَمِرٌّ، كما قَالَ تعالى: ﴿يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾. فَمَا من شَيْءٍ في الوُجُودِ إلا وهوَ مُسَبِّحٌ بِحَمْدِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾. فَالكَوْنُ مُسَبِّحٌ بالقَهْرِ، وَأَرَادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أَنْ يُشَرِّفَ العَبدَ، فَكَلَّفَهُ بالتِّسْبِيحِ، قَالَ تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾. فَالعَبدُ لَهُ الاخْتِيَارُ بَيْنَ الانْسِجَامِ مَعَ الكَوْنِ كُلِّهِ المُسَبِّحِ بِحَمْدِ رَبِّهِ، وَبَيْنَ الإِعْرَاضِ عن ذلكَ، فإذا أَعْرَضَ عن التَّسْبِيحِ فَإِنَّهُ يَشُذُّ عن الكَوْنِ كُلِّهِ، ومن شَذَّ شَذَّ في النَّارِ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّ اللهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي ـ أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ».

أيُّها الإخوة الكرام: هذا التَّسْبِيحُ الذي كُلِّفَ به العَبدُ المُؤْمِنُ خَيْرُهُ عَائِدٌ عَلَيْهِ لا على رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، لأنَّ اللهَ غَنِيٌّ عن العَالَمِينَ، فَهُوَ المُنزَّهُ عن الشَّرِيكِ والمَثِيلِ والنَّظِيرِ والشَّبِيهِ سَوَاءٌ سَبَّحَ العَبدُ أم لا، فَمِن فَوَائِدِ التَّسْبِيحِ:

أولاً: تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ والخَطَايَا، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ، فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ، فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ، فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لله، وَسُبْحَانَ الله، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهَ أَكْبَرُ، لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ».

ثانياً: اِسْتِغْفَارُ الملائِكَةِ للعَبدِ المُؤْمِنِ المُسَبِّحِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن عبدِ الله بن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْتُكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الله، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ الله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَتَبَارَكَ اللهُ، قَبَضَ عَلَيْهِنَّ مَلَكٌ، فَجَعَلَهُنَّ تَحْتَ جَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهِنَّ، فَلا يَمُرُّ عَلَى جَمْعٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلا اسْتَغْفَرُوا لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يَجِيءَ بِهِنَّ وَجْهَ الرَّحْمَنِ تَعَالَى، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعْهُ﴾.

ثالثاً: التَّسْبِيحُ عَمَلٌ عَظِيمٌ ثَقِيلٌ في مِيزَانِ العَبدِ المُسَبِّحِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عَنْ عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ عَمَلاً؟».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ عَمَلاً؟

قَالَ:«كُلُّكُمْ يَسْتَطِيعُهُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا؟

قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ، أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، وَالْحَمْدُ للهِ، أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، واللهُ أَكْبَرُ، أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ».

رابعاً: التَّسْبِيحُ سَبَبٌ لِذِكْرِ العَبدِ المُسَبِّحِ حَوْلَ عَرْشِ الرَّحمَنِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللهِ مِنْ تَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ، يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرُونَ بِصَاحِبِهِنَّ، أَلَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللهِ شَيْءٌ يُذَكِّرُ بِهِ؟».

خامساً: التَّسْبِيحُ عِلاجٌ لِضِيقِ الصَّدْرِ من الإِسَاءَاتِ والشَّدَائِدِ والمِحَنِ والكُرُوبِ، وهذا مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ حَبِيبَنَا المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾.

نِعْمَ البَلْسَمُ لِجراحِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: نِعْمَ البَلْسَمُ لِجراحِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ الذي يُرْشِدُنَا إِلَيْهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾.بهذا التَّسْبِيحِ تَخْرُجُ الأُمَّةُ من ضِيقِهَا وكَرْبِهَا وشِدَّتِهَا، وهذا مَا وَعَدَ بِهِ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، بَعدَ أَنْ أَنْجَى سَيِّدَنَا يُونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ من ظُلُماتٍ ثَلاثٍ، ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وظُلْمَةِ البَحْرِ، وظُلْمَةِ بَطْنِ الحُوتِ، بِبَركةِ هذا التَّسْبِيحِ، قَالَ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبَاً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين﴾.

وهذا التَّسْبِيحُ لَيْسَ خَاصَّاً بِسَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ، وهذا الفَرَجُ الذي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهِ لَيْسَ من خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَيهِ السَّلامُ هوَ فَقَط، بَلْ هوَ عَامٌّ لِكُلِّ المُؤْمِنِينَ إذا سَبَّحُوا هذا التَّسْبِيحَ بِقَلْبٍ صَادِقٍ، وَإِقْرَارٍ واعْتِرَافٍ بِظُلْمِهِم، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنْ أَرَدْنَا الخُرُوجَ من هذا الضِّيقِ، وأَنْ نَضَعَ الدَّوَاءَ على دَائِنَا، فَعَلَيْنَا بالتَّسْبِيحِ بِحَمْدِ رَبِّنَا، ثمَّ الإِقْرَارِ بِظُلْمِنَا، وبِرَدِّ المَظَالِمِ إلى أَهْلِهَا، والاصْطِلاحِ مَعَ اللهِ تعالى، فَإِنَّ اللهَ تعالى لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 13/رمضان /1436هـ، الموافق: 30/حزيران / 2015م