109-نحو أسرة مسلمة:الأجور المترتبة على الزواج (6)

 

نحو أسرة مسلمة

109ـ الأجور المترتبة على الزواج (6)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: شَأْنُ العُقَلاءِ الذينَ يَحْرِصُونَ كُلَّ الحِرْصِ على سَلامَةِ المُجْتَمَعِ أَنْ يَكُونُوا دَاعِينَ إلى الزَّوَاجِ الشَّرْعِيِّ، وَرَفْضِ العُنُوسَةِ للشَّبَابِ والشَّابَّاتِ، ومن مُنْطَلَقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

قَالُوا: لِمَنْ؟

قَالَ: «للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الـْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

من هذا المُنْطَلَقِ، لَنْ أَقِفَ عَن نُصْحِ كُلِّ مَن لا زَوْجَ لَهُ بالزَّوَاجِ، مَهْمَا كَانَ عُمُرُهُ بَعْدَ دُخُولِهِ سِنَّ التَّكْلِيفِ، وَلَنْ أَتَرَدَّدَ في إِنْقَاذِ مَن لا زَوْجَ لَهُم مَا اسْتَطَعْتُ إلى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَأَقُولُ للجَمِيعِ: لا تَتَأَخَّرُوا عَن الزَّوَاجِ، ولا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُم نِعْمَةَ السَّكِينَةِ والاسْتِقْرَارِ.

يَا أَيُّهَا الشَّبَابُ، لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُم من خَيْرِ مَتَاعِ الدُّنْيَا، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».

وروى الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».

يَا أَيُّهَا الشَّابَّاتُ، لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُم من خَيْرِ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا بالنِّسْبَةِ للمَرْأَةِ، الرَّجُلُ القَوِيُّ الأَمِينُ، كَمَا قَالَت ابْنَةُ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ لِأَبِيهَا: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾.

أَجْرُ طَاعَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لا تَحْرِمُوا بَنَاتِكُم بَابَاً من أَبْوَابِ الجَنَّةِ، لا تَحْرِمُوهُنَّ سَبَبَاً من أَسْبَابِ دُخُولِهِنَّ الجَنَّةِ، من أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ طَاعَةُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عزَّ جلَّ.

روى الحاكم والترمذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد حُرِمَ الكَثِيرُ من بَنَاتِنَا اليَوْمَ نِعْمَةَ الزَّوَاجِ، الذي هُوَ سَبَبٌ من أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ عِنْدَمَا تُؤَدِّي المَرْأَةَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَتَعْتَرِفُ بِحَقِّهِ.

روى البَزَّارُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، هذا الجِهَادُ كَتَبَهُ اللهُ على الرِّجَالِ، فَإِنْ يُصِيبُوا أُجِرُوا، وَإِنْ قُتِلُوا كَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ، وَنَحْنُ مَعْشَرَ النِّسَاءِ نَقُومُ عَلَيْهِم، فَمَا لَنَا من ذَلِكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْلِغِي مَن لَقِيتِ مِنَ النِّسَاءِ، أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ، وَاعْتِرَافَاً بِحَقِّهِ، يَعْدِلُ ذَلِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَن يَفْعَلُهُ».

وروى البيهقي عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدٍ الأَنْصَارِيَّةِ من بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، وَاعْـلَمْ ـ نَفْسِي لَكَ الفِدَاءُ ـ أَمَا إِنَّهُ مَا مِن امْرَأَةٍ كَائِنَةٍ في شَرْقٍ ولا غَرْبٍ سَمِعَتْ بِمَخْرَجِي هذا، أَو لَمْ تَسْمَع، إلا وَهِيَ على مِثْلِ رَأْيِي، إِنَّ اللهَ بَعَثَكَ بالحَقِّ إلى الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، فَآمَنَّا بِكَ وَبِإِلَهِكَ الذي أَرْسَلَكَ، وَإِنَّا مَـعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ، قَوَاعِدُ بُيُوتِكُم، وَمَقْضَى شَهَوَاتِكُم، وَحَامِلَاتُ أَوْلَادِكُم، وَإِنَّكُم مَعَاشِرَ الرِّجَالَ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بالجُمُعَةِ والجَمَاعَاتِ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى، وَشُهُودِ الجَنَائِزِ، والحَجِّ بَعْدَ الحَجِّ، وَأَفْضَلُ من ذَلِكَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، وَإِنَّ الرَجُّلَ مِنْكُم إِذَا أُخْرِجَ حَاجَّاً أَو مُعْتَمِرَاً وَمُرَابِطَاً حَفِظْنَا لَكُم أَمْوَالَكُم، وَغَزَلْنَا لَكُم أَثْوَابَاً، وَرَبَّيْنَا لَكُم أَوْلَادَكُم، فَمَا نُشَارِكُكُم في الأَجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ، ثمَّ قَالَ: «هَلْ سَمِعْتُم مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ من مَسْأَلَتِهَا في أَمْرِ دِينِهَا من هذهِ؟».

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا ظَنَنَّا أَنَّ امْرَأَةً تَهْتَدِي إلى مِثْلِ هذا.

فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، ثمَّ قَالَ لَهَا: «اِنْـصَرِفِي أَيَّتُهَا المَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي مَن خَلْفَكِ من النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا، وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ، تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ».

قَالَ: فَأَدْبَرَتِ المَرْأَةُ وَهِيَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ اسْتِبْشَارَاً.

طَاعَةُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا عِبَادَةٌ للهِ عزَّ جلَّ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: طَاعَةُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عزَّ جلَّ هِيَ عِبَادَةٌ للهِ عزَّ جلَّ، وَسَبَبٌ من أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ الْـمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ».

مَا أَعْظَمَ هذا الفَضْلَ؟ إِذَا أَتَتِ المَرْأَةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، فَهِيَ عَفِيفَةٌ لا تَقَعُ في الحَرَامِ، ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ بَابٍ من أَبْوَابِهَا الثَّمَانِيَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ، ولا صَلاةٌ في المَسْجِدِ في جَمَاعَةٍ، وَلَيْسَ تَكْلِيفُهَا كَتَكْلِيفِ الرِّجَالِ.

هذهِ هِيَ المَرْأَةُ التي يَنْشُدُهَا المُسْلِمُ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الرَّجُلُ المُسْلِمُ والمَرْأَةُ المُسْلِمَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَاوِنٌ مَعَ الآخَرِ لِنَيْلِ الأَجْرِ والثَّوَابِ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا، فالرَّجُلُ المُسْلِمُ يَبْحَثُ عَن المَرْأَةِ التي تُصَلِّي خَمْسَهَا، وَتَصُومُ شَهْرَهَا، وَتُحَصِّنُ فَرْجَهَا، وَتُطِيعُ زَوْجَهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ تعالى، لِأَنَّهَا مُرَبِّيَةُ الأَجْيَالِ، وَلَنْ تَكُونَ مُرَبِّيَةً للأَجْيَالِ إلا إِذَا كَانَ هذا وَصْفَهَا.

الرَّجُلُ المُسْلِمُ هُوَ الذي يَبْحَثُ عَن المَرْأَةِ التي تُؤْثِرُ ولا تَسْتَأْثِرُ، وَتَقْنَعُ ولا تَطْمَعُ، وَتُطِيعُ زَوْجَهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عزَّ جلَّ، ولا تَكُونُ تَابِعَةً لِكُلِّ نَاعِقٍ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَنَا اللهُ عزَّ جلَّ بِدِينٍ شَامِلٍ جَامِعٍ للخَيْرَاتِ كُلِّهَا، وَيَتَضَمَّنُ لِمَعَانِي الفَضِيلَةِ جَمِيعِهَا، أَمَرَ بِمَعَالِي الأُمُورِ وَكَرِيمِهَا، وَحَذَّرَ من سَفَاسِفِهَا وَحَطِيطِهَا، جَاءَ بِكُلِّ مَا يُجَمِّلُ العَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ، وَبِمَا يُبْعِدُهُ عَمَّا يَشِينُهُ وَيُدَنِّسُهُ.

ومن أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الإِسْلامِ، وَأَكْثَرِ أَهْدَافِهِ وَأَغْرَاضِهِ إِقامَةُ العَفَافِ والنَّزَاهَةِ والطَّهَارَةِ في النُّفُوسِ، وَغَرْسُ الفَضَائِلِ والمَحَاسِنِ في المُجْتَمَعَاتِ، والبُعْدُ عَن الرَّذَائِلِ والقَبَائِحِ والمُوبِقَاتِ، ومن هُنَا حَرَّضَ الإِسْلامُ على العَفَافِ من خِلالِ الزَّوَاجِ، وَرَغَّبَ فِيهِ من خِلالِ الأُجُورِ المُتَرَتِّبَةِ على الزَّوَاجِ، حَالَ الشُّكْرِ، وَحَالَ الصَّبْرِ، حَالَ العَطَاءِ، وَحَالَ المَنْعِ.

لِذلِكَ أَقُولُ: زَوِّجُوا مَن لا زَوْجَ لَهُ، وَذَلِكَ طَلَبَاً لِطَهَارَةِ المُجْتَمَعِ، وَطَهَارَةِ الأُسْرَةِ، ومن أَجْلِ سَلامَةِ الدُّنْيَا والدِّينِ؛ اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

 

الأحد: 9/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 20/ كانون الأول / 2015م