471ـ خطبة الجمعة: فقد الأحبة خطب مؤلم

.

471ـ خطبة الجمعة: فقد الأحبة خطب مؤلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله: لَقَد جَعَلَ اللهُ تعالى المَوْتَ حَتْمَاً على جَمِيعِ العِبَادِ من عَالَمِ الإِنْسِ والجِنِّ، بَلْ حَتَّى شَمَلَ جَمِيعَ الحَيَوَانَاتِ، فلا مَفَرَّ لِأَحَدٍ ولا أَمَانَ مِنْهُ ﴿قُلْ إِنَّ الْـمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾.

لَقَد سَاوَى اللهُ تعالى في المَوْتِ بَيْنَ الحُرِّ والعَبْدِ، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ، والحَاكِمِ والمَحْكُومِ، والصَّالِحِ والطَّالِحِ، والغَنِيِّ والفَقِيرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ العَزِيزِ العَلِيمِ ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، والحَازِمُ مَنْ بَادَرَ بالعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ، والمُسْلِمُ مَن اسْتَسْلَمَ للقَضَاءِ والقَدَرِ، والمُؤْمِنُ مَنْ تَيَقَّنَ بِصَبْرِهِ الثَّوَابَ على المُصِيبَةِ والضَّرَرِ.

فَقْدُ الأَحِبَّةِ خَطْبٌ مُؤْلِمٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ فَقْدَ الأَحِبَّةِ خَطْبٌ مُؤْلِمٌ للعَبْدِ، وَحَدَثٌ مُوجِعٌ، وَأَمْرٌ مَهُولٌ وَمُزْعِجٌ، بَلْ هُوَ من أَثْقَلِ الأَنْكَادِ والأَكْدَارِ التي تَمُرُّ على الإِنْسَانِ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا.

إِنَّ فَقْدَ الأَحِبَّةِ نَارٌ تَسْتَعِرُ، تَحْرِقُ الكَبِدَ، وَتَفُتُّ العَضُدَ، وهذا مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنْ مَعَ كُلِّ هذا، المُؤْمِنُ مُتَفَائِلٌ وَلَيْسَ مُتَشَائِمَاً، لِأَنَّ العَبْدَ لا يَدْرِي مَا هِيَ النَّتَائِجُ.

فَلَرُبَّ أَمْرٍ مُحْزِنٍ لَكَ في عَوَاقِبِهِ الرِّضَا   ***   وَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ، وَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ من عَبْدٍ مَسْرُورٍ بِنِعْمَةٍ وَهِيَ دَاؤُهُ وهُوَ لا يَدْرِي.

وَكَمْ من عَبْدٍ مَحْزُونٍ بِمُصِيبَةٍ وَهِيَ شِفَاؤُهُ وهُوَ لا يَدْرِي.

وَكَمْ من خَيْرٍ تَظُنُّهُ خَيْرَاً، وَلَكِنَّهُ في الحَقِيقَةِ حَامِلٌ شَرَّاً.

وَكَمْ من مَحْبُوبٍ فِيهِ المَكْرُوهُ، وَكَمْ من مَكْرُوهٍ فِيهِ المَحْبُوبُ؟ وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

تَعَزَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ مَن فَقَدَ حَبِيبَاً من أَحِبَّتِهِ: لا تَحْزَنْ على مَنْ فَقَدْتَ، لِأَنَّكَ فَقَدْتَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ عِنْدَكَ مِنْهُ، لَقَد فَقَدْتَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَعَزَّ بِفَقْدِهِ، فَهُوَ سُلْوَانٌ وَرَاحَةٌ لَكَ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْـمَصَائِبِ عِنْدَهُ».

يَا مَنْ فَقَدْتَ الأَحِبَّةَ، تَذَكَّرِ المُصِيبَةَ العُظْمَى بِفَقْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ مُصِيبَةٍ دُونَ مُصِيبَتِنَا بِفَقْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَهُونُ، لِأَنَّهُ بِفَقْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِنْقَطَعَ وَحْيُ السَّمَاءِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَبِفَقْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِنْقَطَعَتِ النُّبُوَّةُ والرِّسَالَةُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: عِنْدَمَا فَقَدْنَا حَبِيبَاً لَنَا وعَزِيزَاً، وَذَاقَتْ قُلُوبُنَا لَوْعَةَ الفِرَاقِ، وَحُرْقَةَ الوَدَاعِ، هَلْ شَعَرْنَا بِذَلِكَ عِنْدَ فِرَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اِسْمَعْ يَا مَنْ فَقَدْتَ الحَبِيبَ العَزِيزَ الغَالِي، إلى مَا يَقُولُهُ لَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

روى ابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُا قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَابَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، أَوْ كَشَفَ سِتْرَاً، فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ، رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللهُ فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ.

فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّمَا أَحَدٍ مِن النَّاسِ أَوْ مِن الْـمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ الْـمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدَاً مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله: كُلُّ مُصِيبَةٍ تَهُونُ إلا مُصِيبَةَ الدِّينِ، كُلُّ مُصِيبَةٍ تَهُونُ إلا مُصِيبَةَ تَخَلِّي اللهِ تعالى عَنَّا لا قَدَّرَ اللهُ تعالى، كُلُّ مُصِيبَةٍ تَهُونُ إلا مُصِيبَةَ الفِتْنَةِ في دِينِنَا، وَأَنْ نَكُونَ مِمَّنْ عَبَدَ اللهَ على حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْـمُبِينُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا فَقَدْنَا الأَجْرَ على مُصِيبَتِنَا، المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا كَانَ قَبْرُنَا حُفْرَةً من حُفَرِ النَّارِ، المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا أَدْخَلَنَا اللهُ تعالى النَّارَ، المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا حَرَمَنَا اللهُ تعالى الجَنَّةَ، المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا طُرِدْنَا عَن حَوْضِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، المُصِيبَةُ العُظْمَى إذا انْقَلَبْنَا إلى اللهِ تعالى وَقَدْ حَمَلْنَا ظُلْمَاً.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلَكُمْ حُسْنَ الخِتَامِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 21/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 1/كانون الثاني / 2016م