114- نحو أسرة مسلمة:اسمع يا مريد الزواج (2)

.

نحو أسرة مسلمة

114ـ اسمع يا مريد الزواج (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَجْلِ صَلاحِ الأُسْرَةِ التي هِيَ نَوَاةُ المُجْتَمَعِ يَجِبُ على مُرِيدِ الزَّوَاجِ أَنْ يَنْتَقِيَ المَرْأَةَ المُسْلِمَةَ ـ لا مُشْرِكَةً ولا كِتَابِيَّةً ـ الصَّالِحَةَ التي تُعِينُهُ على صَلاحِ بَيْتِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَتُحَافِظُ على ذُرِّيَّتِهِ من الضَّيَاعِ والتَّفْرِيطِ والحِرْمَانِ.

الرَّجُلُ الصَّالِحُ مَعَ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ يَبْنِيَانِ بَيْتَاً صَالِحَاً، لِأَنَّ البَيْتَ الطَّيِّبَ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدَاً.

فَيَا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ من ذُرِّيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَعْوَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ، اخْتَرْ صَاحِبَةَ الدِّينِ حَتَّى يَنْشَأَ وَلَدُكَ في طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَيَنَالَ شَرَفَ الانْدِرَاجِ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وَعَدَّ مِنْهُم: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ » رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

«فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ»:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قُولُوا لِمُرِيدِ الزَّوَاجِ، اسْمَعْ وَصِيَّةَ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، اسْمَعْ وَصِيَّةَ الذي قَالَ فِيهِ مَوْلانَا عزَّ وجلَّ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾. اسْمَعْ وَصِيَّةَ الحَرِيصِ عَلَيْكَ بِشَهَادَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾. يَقُولُ لَكَ هذا الحَبِيبُ الأَعْظَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَرْوِي الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُنْكَحُ الْـمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ، لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».

وَكَما يَرْوِي الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما،  أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْـمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الْـمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ خَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ الأَمِينِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ خَيْرٌ من شَهَادَاتِكَ الجَامِعِيَّةِ، وَهِيَ خَيْرٌ من مَحَلَّاتِكَ التِّجَارِيَّةِ، وَهِيَ خَيْرٌ من مُؤَسَّسَتِكَ التي تَأْوِي إِلَيْهَا، وَهِيَ خَيْرٌ من تِجَارَتِكَ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكَ من دِينَارِكَ وَدِرْهَمِكَ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكَ من كُرْسِيِّكَ التي أَنْتَ حَرِيصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ خَيْرٌ من حُطَامِ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الأُسْرَةُ لَنْ تَكُونَ قَوِيَّةً مُتَمَاسِكَةً إلا من خِلالِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ على أَسَاسٍ من الدِّينِ والخُلُقِ، لِأَنَّ العَلاقَةَ الزَّوْجِيَّةَ عَمِيقَةُ الجُذُورِ، بَعِيدَةُ الآمَادِ، فَهِيَ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِصِلَةِ المَرْءِ بِنَفْسِهِ، قَالَ تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾.

«وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ»:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَدَفُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ الذي هُوَ حَرِيصٌ على مُسْتَقْبَلِهِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ هُوَ اخْتِيَارُ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ التي تُعِينُهُ على أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وعلى حُسْنِ تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِ الذينَ هُمُ امْتِدَادٌ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ بِذَاتِ الدِّينِ هُوَ الزَّوَاجُ النَّاجِحُ، وإلا أَحَاطَ بالإِنْسَانِ سُوءُ النَّتِيجَةِ، وَخُسْرَانُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، كَمَنْ لا يَجِدُ في يَدَيْهِ غَيْرَ التُّرَابِ بَعْدَ السَّعْيِ الطَّوِيلِ والعَمَلِ الكَادِحِ.

مَا أَعْظَمَهَا من خَسَارَةٍ إِذَا اخْتَارَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ من أَجْلِ المَالِ والحَسَبِ والجَمَالِ دُونَ الدِّينِ، يَقُولُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْـمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: من هذا المُنْطَلَقِ حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من سُوءِ الاخْتِيَارِ أَثْنَاءَ الزَّوَاجِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا ذُلَّاً، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا فَقْرَاً، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلَّا لِيَغُضَّ بَصَرَهُ، أَو لِيُحَصِّنَ فَرْجَهُ، أَو يَصِلَ رَحِمَهُ، بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وروى الحاكم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بالمَالِ» أي أنَّ التَّزَوُّجَ سَبَبٌ لِإِدرَارِ الرِزقِ وَسَعَتِهِ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الَمَالُ والجَمَالُ والحَسَبُ وَإِنْ كَانَ من مُتَطَلَّبَاتِ الزَّوَاجِ، إلا أَنَّهُ لا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَسَاسَاً لهذهِ العَلاقَةِ المَتِينَةِ، إِذْ لا بُدَّ من شَيْءٍ أَقْوَى من شَهْوَةِ المَالِ والحَسَبِ والجَمَالِ، وإلا انْهَارَتْ تِلْكَ الصِّلَةُ.

اسْمَعْ يَا مُرِيدَ الزَّوَاجِ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قُولُوا لِمُرِيدِ الزَّوَاجِ، اسْمَعْ يَا مُرِيدَ الزَّوَاجِ وَصِيَّةَ نَبِيِّكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لا تَنْدَمَ.

روى ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ الْـمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ خَيْرَاً لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَيْسَ المُرَادُ من صَلاحِ المَرْأَةِ المُحَافَظَةُ على صَلاتِهَا وَصَوْمِهَا وَحِجَابِهَا وَأَذْكَارِهَا وَمَجَالِسِهَا الصَّالِحَةِ فَحَسْبُ، بَل المُرَادُ مَا وَضَّحَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لِتَسْمَعْ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدَّعِي الدِّينَ والصَّلاحَ والتَّقْوَى والاسْتِقَامَةَ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: «إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».

صَلاحُكِ يَا أُخْتَاهُ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عزَّ وجلَّ، وَبَتَجَمُّلِكِ لِزَوْجِكِ، وَبِبَرِّكِ يَمِينَهُ، وبالمُحَافَظَةِ على نَفْسِكِ وَمَالِهِ في حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ، بَعْدَ المُحَافَظَةِ على صَلاتِكِ وَصِيَامِكِ وَأَوْرَادِكِ وَأَذْكَارِكِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: قُولُوا لِمُرِيدِ الزَّوَاجِ من أَبْنَائِكُم وَمَنْ يَلُوذُ بِكُم: اظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ والخُلُقِ الحَسَنِ، وإلا نَدِمْتَ، لا تَكُنْ حَرِيصَاً على الجَمَالِ والمَالِ فَحَسْبُ، فَمَا قِيمَةُ الزَّوَاجِ من غَيْرِ صَاحِبَةِ الدِّينِ؟

لا تَقُلْ: إِنِّي أَحْبَبْتُ، لِأَنَّكَ قَد تُفَاجَأُ بِعَلاقَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، لِأَنَّ مَنْ رَضِيَتْ أَنْ تَتَكَلَّمَ مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا قَبْلَ زَوَاجِهَا قَد تَتَكَلَّمُ مَعَ غَيْرِ زَوْجِهَا بَعْدَ زَوَاجِهَا.

فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، فَهِيَ خَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا من أَمْرِنَا رَشَدَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 14/ ربيع الثاني /1437هـ، الموافق: 24/ كانون الثاني/ 2016م