478ـ خطبة الجمعة: كَيفَ نَعرِفُكَ حَقَّ الَمعرِفَةِ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ؟

.

478ـ خطبة الجمعة: كَيفَ نَعرِفُكَ حَقَّ الَمعرِفَةِ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله: إِذَا كَانَ هَمُّ أَهْلِ الدُّنْيَا تَحْصِيلَ شَهَوَاتِهِمْ من النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ فَإِنَّ هَمَّ أَهْلِ الإِيمَانِ والصَّلاحِ الاسْتِقَامَةُ على طَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ في المَنْشَطِ والمَكْرَهِ؛ وفي الغِنَى والفَقْرِ؛ وفي الأَمْنِ والخَوْفِ؛ هَمُّهُم أَنْ يَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى؛ وَأَنْ يَمُوتُوا مُسْلِمِينَ؛ لِذَا تَرَاهُم حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على زِيَادَةِ إِيمَانِهِم باللهِ تعالى وباليَوْمِ الآخِرِ؛ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على زِيَادَةِ إِيمَانِهِم بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا الإِيمَانُ يَتَحَقَّقُ بِزِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِم بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قال تعالى:﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ التي شَتَّتَتْ شَمْلَ المُسْلِمِينَ، وَفَرَّقَتْ جَمَاعَتَهُم، وَجَعَلَتْهُم شِيَعَاً وَأَحْزَابَاً، أَنْ نَتَعَرَّفَ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ قُدْوَتُنَا وَأُسْوَتُنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد عَرَّفَنَا اللهُ تعالى على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ على سَبِيلِ المِثَالِ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. وَيُؤَكِّدُ هذا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ»(مُشِيرَاً إِلى فَمِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ، حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».

كَيفَ نَعرِفُكَ حَقَّ الَمعرِفَةِ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ ؟:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَالَوْا لِنَسْأَلِ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ، الذي شَهِدَ اللهُ تعالى بِصِدْقِهِ، وَأَنَّهُ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، لِنَقُولَ لَهُ: كَيفَ نَعرِفُكَ حَقَّ الَمعرِفَةِ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ ؟ لِأَنَّ خَيْرَ مَنْ يُعَرِّفُ الأمَّةَ عَنْكَ مِن البَشَرِ، هُوَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيفَ نَعرِفُكَ حَقَّ الَمعرِفَةِ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَنَا فِدَاكَ؟

أولاً: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتَاً، وَخَيْرُكُمْ نَفْسَاً»:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعِ الجَوَابَ من الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، روى الإمام أحمد عَنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَلَغَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.

قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟».

قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ.

فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الـمُطَّلِبِ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتَاً، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتَاً، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتَاً، وَخَيْرُكُمْ نَفْسَاً».

ثانياً: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى بِالـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعِ الحَدِيثَ الثَّانِي الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالَاً فَلِوَرَثَتِهِ».

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالَاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَاً أَوْ ضَيَاعَاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ».

جَعَلَ اللهُ تعالى أَروَاحَنَا فِدَاكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنَا مِن فَضلِكَ.

ثالثاً: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجَاً إِذَا بُعِثُوا»:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعِ الحَدِيثَ الثَّالِثَ الذي رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجَاً إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ».

بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الشَّخْصِيَّةُ العَظيمَةُ، واللهِ مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ المَعْرِفَةِ ، وَلَو عَرَفْنَاكَ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَأَعْطَيْنَا للبَشَرِيَّةِ أَجْمَلَ صُورَةٍ عَنْكَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَعْرِفَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَبَلَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ من المَحَاسِنِ والفَضَائِلِ، وَمَا نَزَّهَهُ اللهُ عَنْهُ من القُصُورِ والنَّقَائِصِ، مِمَّا يَزِيدُ إِيمَانَنَا بِصِدْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا يَدْفَعُنَا إلى مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإلى حُسْنِ الاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصٌ على المُؤْمِنِينَ أَكْثَرَ من حِرْصِهِم على أَنْفُسِهِم، فَمَا هُوَ حَظُّنَا من هذا الحِرْصِ، وَهَلْ كُلٌّ مِنَّا حَرِيصٌ على الآخَرِينَ كَحِرْصِهِ على نَفْسِهِ؟

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرٌ للنَّاسِ إِذَا يَئِسُوا، هُوَ مُبَشِّرٌ في أَزَمَاتِ الدُّنْيَا، وَأَزَمَاتِ الآخِرَةِ، فَهَلْ نَحْنُ نُبَشِّرُ أَمْ نُيَئِّسُ، تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.

اللَّهُمَّ زِدْنَا مَعْرِفَةً بِجَنَابِهِ الشَّرِيفِ، وَاجعَلْهُ يَا رَبَّنَا أَحَبَّ إلى قُلُوبِنَا من كُلِّ شَيْءٍ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 **      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 11/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 19/شباط/ 2016م