52ـ مع الصحابة وآل البيت: صور من صبر الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

52ـ صور من صبر الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: قِيلَ لِسَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ في السَّبْعِينَ من عُمُرِهِ أو الثَّمَانِينَ: كَيْفَ رَأَيْتَ الحَيَاةَ؟

فَقَالَ: لَبِسْتُ كُلَّ لِبَاسٍ، فَمَا وَجَدْتُ كَلِبَاسِ التَّقْوَى، وَشَرِبْتُ كُلَّ شَرَابٍ، فَمَا وَجَدْتُ أَمَرَّ من غَلَبَةِ الرِّجَالِ، وَأَكَلْتُ كُلَّ أَكْلٍ، فَمَا رأَيْتُ أَلَذَّ من الصَّبْرِ على المَصَائِبِ، وَعَاشَرْتُ الإِخْوَانَ والخِلَّانَ، فَمَا رَأَيْتُ كَصَاحِبٍ يَخَافُ اللهَ تعالى، أَجْلِسُ مَعَهُ، يُقَابلُنِي وَأُقَابِلُهُ في مَجْلِسٍ لَيْسَ مَعَنَا إلا اللهُ تعالى. اهـ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ القَلَمُ وَأَنْتَ مَأْجُورٌ، وَإِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ القَلَمُ وَأَنْتَ مَأْزُورٌ.

وَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَلَا إِنَّ الصَّبْرَ مِن الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِن الجَسَدِ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ بَارَ الجِسْمُ، ثمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: أَلَا إِنَّهُ لا إِيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ.

سُورَةُ العَصْرِ تَكْفِي النَّاسَ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد حَكَمَ اللهُ تعالى على جَمِيعِ البَشَرِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ بالخَسَارَةِ والشَّقَاءِ، ثمَّ اسْتَثْنَى من الخَسَارَةِ والشَّقَاءِ مَن تَوَفَّرَتْ فِيهِ أَرْبَعُ خِصَالٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُـسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَو لَمْ يُنْزِلِ اللهُ حُجَّةً على خَلْقِهِ إلا هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُم.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ السُّورَةُ دُسْتُورُ حَيَاةِ المُسْلِمِينَ، ولا يُمْكِنُ لِمُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْيَا إلا بِهَذِهِ الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ، بالإِيمَانِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، والتَّوَاصِي بالحَقِّ، والتَّوَاصِي بالصَّبْرِ؛ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَانُوا إِذَا الْتَقَوْا قَرَأَ بَعْضُهُم على بَعْضٍ سُورَةَ العَصْرِ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا الصَّبْرَ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الصَّبْرُ مَطِيَّةٌ لا تَكْبُو.

صَبرُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الصَّبْرِ، حَتَّى لا نَجْمَعَ على أَنْفُسِنَا مُصِيبَتَيْنِ، مُصِيبَةَ البَلاءِ، وَمُصِيبَةَ فَقْدِ الأَجْرِ.

وَلَقَد ضَرَبَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَرْوَعَ صُوَرِ الصَّبْرِ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، حَتَّى فَازُوا بِرِضَا اللهِ تعالى.

روى ابْنُ سَعْدٍ عن الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ على عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَأَجْلَسَهُ على مُتَّكَئِهِ، فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا المَجْلِسِ مِن هَذَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ.

قَالَ لَهُ خَبَّابٌ: مَن هُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟

قَالَ: بِلَالٌ.

فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلَالَاً كَانَ لَهُ في الـمُشْرِكِينَ مَن يَمْنَعُهُ اللهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، فَلَقَد رَأَيْتُنِي يَوْمَاً أَخَذُونِي وَأَوْقَدُوا لِي نَارَاً، ثمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي، فَمَا اتَّقَيْتُ الأَرْضَ ـ أَو قَالَ: بَرْدَ الأَرضِ ـ إلا بِظَهْرِي، ثمَّ كَشَفَ عَن ظَهْرِهِ فَإِذَا هُوَ قَد بَرِصَ.

وروى الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ، يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَـضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا يَسْمَعُ أَحَدُنَا مِثْلَ هَذِهِ القِصَصِ، فَإِنَّ قَلْبَهُ يَرْتَاحُ وَيَطْمَئِنُّ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ للقُلُوبِ، بِحَيْثُ يُخَفِّفُ عَنْهَا الآلامَ والهُمُومَ والغُمُومَ.

صَبْرُ صَفِيَّةَ على مَوْتِ أَخِيهَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَخْرَجَ الحَاكِمُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: لَـمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لا تَدْرِي مَا صَنَعَ، فَلَقِيَتْ عَلِيَّاً والزُّبَيْرَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ للزُّبَيْرِ: اذْكُرْ لِأُمِّكَ.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ لِعَلِيٍّ: لا، اذْكُرْ أَنْتَ لِعَمَّتِكَ.

قَالَتْ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لا يَدْرِيَانِ.

فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا».

فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا، وَدَعَا فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ، ثمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَد مُثِّلَ بِهِ.

فَقَالَ: «لَوْلا جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْصَلَ مِنْ حَوَاصِلِ الطََّيْرِ وَبُطُونِ السِّبَاعِ».

ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى، فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، فَيَضَعُ تِسْعَةً وَحَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، ثمَّ يُؤْتُوا تِسْعَةً فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ، ثمَّ يُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، ثمَّ يُؤْتُوا تِسْعَةً فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ،حَتَّى فَرَغَ مِنْهُم.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَثْقَالَ الحَيَاةِ، وَشَوَاغِلَهَا، وَهُمُومَهَا، وَأَكْدَارَهَا، لا يُطِيقَ حَمْلَهَا ضِعَافُ الإِيمَانِ، بَلْ ذَهَبَ بِأَعْبَائِهَا الصَّابِرُونَ من أَصْحَابِ الهِمَمِ العَالِيَةِ، الذينَ يَسْتَرْجِعُونَ عِنْدَ المَصَائِبِ، لِيَنَالُوا الأَجْرَ الذي وُعِدُوا بِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾.

صَبْرُ أَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ عَلَى فَقْدِ وَلَدِهِمَا:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَخْرَجَ البَزَّارُ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنها إِلَى أَبِي أَنَسٍ فَقَالَتْ: جِئْتُ اليَوْمَ بِمَا تَكْرَهُ.

فَقَالَ: لا تَزَالِينَ تَجِيئِينَ بِمَا أَكْرَهُ مِن عِنْدِ هَذَا الأَعْرَابِيِّ.

قَالَتْ: كَانَ أَعْرَابِيَّاً اصْطَفَاهُ اللهُ وَاخْتَارَهُ وَجَعَلَهُ نَبِيَّاً.

قَالَ: مَا الذي جِئْتِ بِهِ؟

قَالَتْ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ.

قَالَ: هَذَا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكِ؛ فَمَاتَ مُشْرِكَاً.

وَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: لَمْ أَكُنْ أَتَزَوَّجُ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ.

قَالَ: لا واللهِ مَا هَذَا دَهْرُكِ.

قَالَت: فَمَا دَهْرِي؟ (هِمَّتِي وَإِرَادَتِي).

قَالَ: دَهْرُكِ في الصَّفْرَاءِ والبَيْضَاءِ (الذَّهَبُ والفِضَّةُ).

قَالَت: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ فَقَد رَضِيتُ بِالإِسْلَامِ مِنْكَ.

قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟

قَالَت: يَا أَنَسُ، قُمْ فَانْطَلِقْ مَعَ عَمِّكَ، فَقَامَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبَاً مِن نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ كَلَامَنَا.

فَقَالَ: «هَذَا أَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ عِزَّةُ الإِسْلَامِ».

فَسَلَّمَ على نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلَامِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامَاً، ثمَّ إِنَّ الغُلَامَ دَرَجَ وَأُعْجِبَ بِهِ أَبُوهُ، فَقَبَضَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى.

فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟

قَالَت: خَيْرُ مَا كَانَ.

فَقَالَت: أَلَا تَتَغَدَّى، قَد أَخَّرْتُ غَدَاكَ اليَوْمَ؟

قَالَت: فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ غَدَاءَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، عَارِيَةٌ اسْتَعَارَهَا قَوْمٌ وَكَانَتِ العَارِيَةُ عِنْدَهُم مَا قَضَى اللهُ، وَإِنَّ أَهْلَ العَارِيَةِ أَرْسَلُوا إلى عَارِيَتِهِم فَقَبَضُوهَا، أَلَهُم أَنْ يَجْزَعُوا؟

قَالَ: لا.

قَالَت: فَإِنَّ ابْنَكَ قَد فَارَقَ الدُّنْيَا.

قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟

قَالَت: هَا هُوَ ذَا في المَخْدَعِ، فَدَخَلَ فَكَشَفَ عَنْهُ وَاسْتَرْجَعَ، فَذَهَبَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِقَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ.

فَقَالَ: «والذي بَعَثَنِي بالحَقِّ، لَقَد قَذَفَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى في رَحِمِهَا ذَكَرَاً لِصَبْرِهَا على وَلَدِهَا».

قَالَ: فَوَضَعَتْهُ.

فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ يَا أَنَسُ إلى أُمِّكَ فَقُلْ لَهَا: إِذَا قَطَعْتِ سَرَرَ ابْنِكِ فلا تُذِيقِيهِ شَيْئَاً حَتَّى تُرْسِلِي بِهِ إِلَيَّ» (السَّرَرُ:جمَعُ سُرَّةٍ وَهُوَ مَا تَقطَعُهُ القَابِلَةُ مِن سُرَّةِ الصَّبِيِّ).

قَالَ: فَوَضَعْتُهُ على ذِرَاعِي حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

فَقَالَ: «ائتِنِي بِثَلَاثِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ».

قَالَ: فَجِئْتُ بِهِنَّ، فَقَذَفَ نَوَاهُنَّ، ثمَّ قَذَفَهُ فِي فِيهِ، فَلَاكَهُ، ثمَّ فَتَحَ فَاهَ الغُلَامُ فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ: «أَنْصَارِيٌّ يُحِبُّ التَّمْرَ».

فَقَالَ: «ذَاهِبٌ إلى أُمِّكَ فَقُلْ: بَارَكَ اللُه لَكِ فِيهِ وَجَعَلَهُ بَرَّاً تَقِيَّاً».

خاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَكْفِي الصَّابِرِينَ أَجْرَاً وَفَخْرَاً وَكَرَامَةً أَنَّهُم في مَعِيَّةِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وَأَنَّ أَجْرَهُم لا حُدُودَ لَهُ ولا انْتِهَاءَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. وَأَنَّ اللهَ تعالى يُلْحِقُ بالصَّابِرِينَ أُصُولَهُم وَفُرُوعَهُم وَأَزْوَاجَهُم في الجَنَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْـمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، ومن الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلاءِ، ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.

**        **      **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 25/شباط / 2016م