480ـ خطبة الجمعة: «قُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»

.

480ـ خطبة الجمعة: «قُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: من خِلالِ قَوْلِ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾. تَوَجَّهَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للأُمَّةِ، مُتَحَدِّثَاً لَهُم عَن نِعْمَةِ رَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَمُعَرِّفَاً لَهُم عَلى عَظِيمِ قَدْرِهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» رواه الإمام مسلم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ؛ فَأَنْظُرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيَّ، فَأَعْرِفَ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ».

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟

قَالَ: «هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ».

وروى أَبُو يَعْلَى وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَن يَفْتَحُ بَابَ الجَنَّةِ، إِلَّا أَنِّي أَرَى امْرَأَةً تُبَادِرُنِي، فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ، وَمَنْ أَنْتِ؟».

فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ على أَيْتَامٍ لِي.

وروى البَزَّارُ عَن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَكَاً أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الخَلَائِقِ، فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ أَحَدٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا أَبْلَغَنِي بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَد صَلَّى عَلَيْكَ».

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ سَمِعْنَا كَلامَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾؟

وَهَلْ عَرَفْنَا قَدْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العَظِيمَ، وَعُلُوَّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ لَقَد صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قِمَّةً في التَّوَاضُعِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد كَانَ فَضْلُ اللهِ تعالى عَظِيمَاً على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا آتَاهُ اللهُ تعالى إِيَّاهُ لَمْ يُؤْتِهِ أَحَدَاً من خَلْقِهِ قَبْلَهُ ولا بَعدَهُ على الإِطْلاقِ؛ وَمَعَ هَذَا الفَضْلِ العَظِيمِ الذي أَسْبَغَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ؛ فَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قِمَّةً في التَّوَاضُعِ؛ وَكَانَ لا يَرَى لِنَفْسِهِ فَضْلاً إلا بالوَحْيِ؛ بَلْ كَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» رواه الإمام البخاري عَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يٌصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي؛ أَمْ كَانَ مِمَّن اسْتَثْنَى اللهُ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَلَّمَهُ رَجُلٌ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ من هَيْبَتِهِ الـشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ».

روى ابن ماجه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ.

فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ».

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، وَجَزَاكَ اللهُ عَنِّي وَعَن الأُمَّةِ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً وَرَسُولاً عَن أُمَّتِهِ.

وَمِمَّـــا زَادَنِي شَـرَفَـاً وَتِـيـهَـاً   ***   وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي   ***   وَأَنْ صَــيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَخْصِيَّةً فَرِيدَةً، جَعَلَتْ سَادَةَ قَوْمِهِ يُسَارِعُونَ إلى الاسْتِجَابَةِ لِدَعْوَتِهِ، وَجَعَلَتْ ضُعَفَاءَ قَوْمِهِ يَلُوذُونَ بِحِمَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَهْرَعُونَ إلى أَعْتَابِهِ الشَّرِيفَةِ، لَقَد مَلَكَ القُلُوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ القَوْمَ عَرَفُوهُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ رِسَالَةٍ سَامِيَةٍ، صَاحِبُ رِسَالَةٍ إنْسَانِيَّةٍ عَامَّةٍ، لَمْ يَسْعَ إلى جَاهٍ، ولا إلى مَالٍ، ولا إلى سِيَادَةٍ.

لَقَد كَانُوا يَرَوْنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَاً للمُتَوَاضِعِينَ، وَإِمَامَاً للعَافِينَ عَن النَّاسِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَلَيْسَ هذا هُوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يَا أَيُّهَا العُلَمَاءُ، يَا طُلَّابَ العِلْمِ، يَا مَنْ حَمَلْتُم رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ سِيرَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَيْنَ نَحْنُ من حَبِيبِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبِ النِّعْمَةِ العُظْمَى؟

أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نُعْطيَ الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَن انْتِمَائِنَا إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، أَنْتَ المُقَدمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 4/آذار / 2016م