120- نحو أسرة مسلمة :الخطبة وأحكامها

.

نحو أسرة مسلمة

120ـ الخِطبة وأحكامها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: البَصَرُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ من نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا؛ بِهِ يَسْتَطِيعُ العَبْدُ أَنْ يَتَأَمَّلَ وَيَتَفَكَّرَ في مَخْلُوقَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَبِهِ يَصِلُ إلى غَايَتِهِ، وَبِهِ يُدِيرُ شُؤُونَ حَيَاتِهِ، وَلِعِظَمِ أَهَمِّيَّتِهِ وَقِيمَتِهِ السَّامِيَةِ؛ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى ثَوَابَ مَن فَقَدَهُ الجَنَّةَ إِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ؛ روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ» يُرِيدُ عَيْنَيْهِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ النِّعْمَةُ العَظِيمَةُ وَهَبَنَا اللهُ تعالى إِيَّاهَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا للاخْتِبَارِ وَالابْتِلاءِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾. واللهُ تعالى سَائِلُنَا عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً﴾.

هَذِهِ النِّعْمَةُ العَظِيمَةُ التي سَنُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ حَفِظْنَاهَا من الآثَامِ والمُنْكَرَاتِ، أَمْ أَطْلَقْنَاهَا بِتَتَبُّعِ العَوْرَاتِ، وَمُلاحَقَةِ المَعَاصِي والمُنْكَرَاتِ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَمَّا كَانَ النَّظَرُ من أَقْرَبِ الوَسَائِلِ لارْتِكَابِ الآثَامِ وَالوُقُوعِ في المُنْكَرَاتِ، شَدَّدَتِ الشَّرِيعَةُ على أَهَمِّيَّةِ العِنَايَةِ بِهِ، وَلُزُومِ المُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، والتَّأْكِيدِ على تَوْظِيفِهِ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ.

فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهُ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.

وروى الإمام أحمد والحاكم والترمذي وأبو داود عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ؛ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ».

إِبَاحَةُ النَّظَرِ إلى المَخْطُوبَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد حَذَّرَ الإِسْلامُ الرِّجَالَ من النَّظَرِ إلى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، كَمَا حَذَّرَ المَرْأَةَ من النَّظَرِ إلى عَوْرَاتِ الرِّجَالِ، لِأَنَّ النَّظَرَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ من سِهَامِ إِبْلِيسَ، روى الحاكم عَن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ من سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا من خَوْفِ اللهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانَاً يَجِدُ حَلَاوَتَهُ في قَلْبِهِ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: حَذَّرَ الإِسْلامُ من النَّظَرِ إلى مَا لا يَحِلُّ؛ لَكِنَّهُ أَحَلَّ للرَّجُلِ الخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَ إلى مَخْطُوبَتِهِ، وَأَنْ تَنْظُرَ المَخْطُوبَةُ إلى خَاطِبِهَا، إِذَا اتَّفَقَتَ الأُسْرَتَانِ على خِطْبَةِ وَلَدَيْهِمَا، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ (يَعْنِي: أَرَادَ تَزَوُّجَهَا بِخِطْبَتِهَا).

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟».

قَالَ: لَا.

قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئَاً» (يَعْنِي: مِمَّا لا يَسْتَحْسِنُهُ الطَّبْعُ، أَو المُرَادُ بِذَلِكَ الصِّغَرُ أَو زُرْقَتُهَا).

وروى الحاكم والترمذي عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى (أَجْدَرُ وَأَوْلَى وَأَفْضَلُ وَأَقْرَبُ) أَنْ يُؤْدَمَ (يُؤَلَّفَ) بَيْنَكُمَا».

وروى الإمام أحمد والحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَلْقَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لِامْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا».

وَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ للمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَيَّنَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الخَاطِبِ لَهَا، لِأَنَّهَا من الزِّينَةِ المُحَرَّمَةِ التي لا يَجُوزُ إِبْدَاؤُهَا أَمَامَ الرِجَالِ الأَجَانِبِ؛ والخَاطِبُ مَا زَالَ رَجُلاً أَجْنَبِيَّاً عن المَخْطُوبَةِ.

مَا يُنْظَرُ من المَخْطُوبَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ مَا يُبَاحُ للخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَهُ من المَخْطُوبَةِ هُوَ الوَجْهُ والكَفَّانِ، ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا إلى كُوعَيْهِمَا، لِدَلالَةِ الوَجْهِ على الجَمَالِ، وَدَلالَةِ الكَفَّيْنِ على خِصَبِ البَدَنِ.

وَأَمَّا بالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ جَسَدِهَا مَا عَدَا العَوْرَةِ، فَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ على أَنَّ للخَاطِبِ أَنْ يُرْسِلَ امْرَأَةً لِتَنْظُرَ إلى المَخْطُوبَةِ، ثمَّ تَصِفَهَا لَهُ وَلَو بِمَا لا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهُ من غَيْرِ الوَجْهِ والكَفَّيْنِ.

روى الحاكم عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَبَعَثَ امْرَأَةً لِتَنْظُرَ إِلَيْهَا.

فَقَالَ: «شُمِّي عَوَارِضَهَا، وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبَيْهَا» (العَوَارِضُ: الأَسْنَانُ التي في عَرْضِ الفَمِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضْرَاسِ؛ والمُرَادُ اخْتِبَارُ رَائِحَةِ النَّكْهَةِ) (العُرْقُوبُ: مَجْمَعُ مِفْصَلِ السَّاقِ والقَدَمِ).

قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَيْهِم، فَقَالُوا: أَلَا نُغَدِّيكِ يَا أُمَّ فُلَانٍ؟

فَقَالَتْ: لا آكُلُ إلا من طَعَامٍ جَاءَتْ بِهِ فُلَانَةٌ.

قَالَ: فَصَعِدَتْ في رَفٍّ لَهُم فَنَظَرَتْ إلى عُرْقُوبَيْهَا، ثمَّ قَالَتْ: أَفْلِينِي يَا بُنَيَّةُ (فَلَّتْ رَأْسَهَا: أَيْ: أَخَذَتْ مِنْهُ القَمْلَ).

قَالَ: فَجَعَلَتْ تُفْلِيهَا وَهِيَ تَشُمُّ عَوَارِضَهَا.

قَالَ: فَجَاءَتْ فَأَخْبَرَتْ.

مَا يَحْرُمُ على الخَاطِبِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا الأَحْكَامَ الـشَّرْعِيَّةَ التي تَتَعَلَّقُ بالخُطُوبَةِ والنَّظَرِ بالنِّسْبَةِ إلى كُلّ مِن الخَاطِبَيْنِ.

أولاً: يَحْرُمُ على الخَاطِبِ أَنْ يَخْلُوَ بِمَخْطُوبَتِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

وروى السُّيُوطِيُّ في الدُّرِّ المَنْثُورِ، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَقِيَ إِبْلِيسُ مُوسَى فَقَالَ: يَا مُوسَى؛ أَنْتَ الذي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمَاً إِذْ تُبْتَ؟ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتُوبَ، فَاشْفَعْ لِي إلى رَبِّي أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ.

قَالَ مُوسَى: نَعَم؛ فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَقِيلَ: يَا مُوسَى، قَد قُضِيَتْ حَاجَتُكَ.

فَلَقِيَ مُوسَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: قَد أُمِرْتَ أَنْ تَسْجُدَ لِقَبْرِ آدَمَ وَيُتَابُ عَلَيْكَ.

فَاسْتَكْبَرَ وَغَضِبَ، وَقَالَ: لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيَّاً أَأَسْجُدُ لَهُ مَيْتَاً؟

ثمَّ قَالَ إِبْلِيسُ: يَا مُوسَى، إِنَّ لَكَ عَلَيَّ حَقَّاً بِمَا شَفَعْتَ لِي إِلَى رَبِّكَ؛ فَاذْكُرْنِي عِنْدَ ثَلَاثٍ لا أُهْلِكُكَ فِيهِنَّ ؛ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ، فَإِنِّي أَجْرِي مِنْكَ مَجْرَى الدَّمِ، وَاذْكُرْنِي حِينَ تَلْقَى الزَّحْفَ، فَإِنِّي آتِي ابْنَ آدَمَ حِينَ يَلْقَى الزَّحْفَ، فَأُذَكِّرُهُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ حَتَّى يُوَلِّي، إِيَّاكَ أَنْ تُجَالِسَ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ، فَإِنِّي رَسُولُهَا إِلَيْكَ، وَرَسُولُكَ إِلَيْهَا. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.

ثانياً: لا يَجُوزُ للخَاطِبِ أَنْ يُصَافِحَ مَخْطُوبَتَهُ، روى الطَّبَرَانِيُّ عَن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ».

ثالثاً: لا يَجُوزُ تَبَادُلُ الصُّوَرِ أَثْنَاءِ الخِطْبَةِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ المَخْطُوبَةُ حَاسِرَةَ الرَّأْسِ، مُبْدِيَةً بَعْضَ مَحَاسِنِهَا، لِأَنَّهُ لا يَجُوزُ النَّظَرُ إلى صُورَةِ المَرْأَةِ، إلا إِذَا كَانَتْ زَوْجَةً، أَو مَحْرَمَاً.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على الإِنْسَانِ المُسْلِمِ أَنْ يَبْدَأَ حَيَاتَهُ الزَّوْجِيَّةَ بالطَّاعَاتِ، وَيَتَجَنَّبَ المَعَاصِيَ والمُنْكَرَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

مَحْظُورَاتُ الخِطْبَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مَحْظُورَاتِ الخِطْبَةِ:

أولاً: يَحْرُمُ خِطْبَةُ المُعْتَدَّةِ تَصْرِيحَاً أَو تَعْرِيضَاً إِذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا من طَلاقٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ من وَفَاةٍ فلا حَرَجَ من التَّلْوِيحِ لَهَا دُونَ التَّصْرِيحِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرَّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلَاً مَعْرُوفَاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

ثانياً: يَحْرُمُ على المُسْلِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ من خِطْبَةِ امْرَأَةٍ مَخْطُوبَةٍ، إِذَا حَصَلَ الرُّكُونُ إلى الخَاطبِ الأَوَّلِ، لما روى الشيخان عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ.

لِأَنَّ في ذَلِكَ إِيذَاءً وَجَفَاءً وَخِيَانَةً وَإِفْسَادَاً على الخَاطِبِ الأَوَّلِ، وَإِيقَاعَاً للعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ.

ثالثاً: الخِطْبَةُ لا تُعْتَبَرُ عَقْدَاً، وَلَو قَرأَ أَهْلُ العَروسَيْنِ سُورَةَ الفَاتِحَةِ، فَالخِطْبَةُ لا تُحَرِّمُ حَلالاً، ولا تُحِلُّ حَرَامَاً، فَكُلٌّ من الخَاطِبِ والمَخْطُوبَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ سُورَةَ الفَاتِحَةِ أَجْنَبِيٌّ عَن الآخَرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: جَدِيرٌ بالإِنْسَانِ المُسْلِمِ الذي يُرِيدُ حَيَاةً زَوْجِيَّةً سَعِيدَةً مُنْضَبِطَةً بِضَوَابِطِ الـشَّرِيعَةِ، يَرَى ثِمَارَهَا في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، أَنْ يَلْتَزِمَ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 27/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 6/ آذار / 2016م