463ـ خطبة الجمعة: حتى تنجو الأمة من غضب الله ومقته

 

 463ـ خطبة الجمعة: حتى تنجو الأمة من غضب الله ومقته

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

سَادَاتُنَا الأَنْبِيَاءُ، وعلى رَأْسِهِم سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَن سَارَ على دَرْبِهِم بِصِدْقٍ هُمُ الصَّالِحُونَ المُصْلِحُونَ الحَقِيقِيُّونَ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.

وَأَدْعِيَاءُ الصَّلاحِ والإِصْلاحِ كَثِيرُونَ، لأَنَّ الكَلامَ يُتْقِنُهُ الصَّادِقُ كَمَا يُتْقِنُهُ الكَاذِبُ، حَتَّى رَأَيْنَا المُفْسِدِينَ لا يَتَحَرَّجُونَ من وَصْفِ فَسَادِهِم وَإِفْسَادِهِم بالصَّلاحِ والإِصْلاحِ، بِلا حَيَاءٍ ولا خَجَلٍ، قَالَ تعالى عَنْهُم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

وقَالَ:﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.

ظُهُورُ الفَسَادِ في المُجْتَمَعِ:

يا عباد الله: لَقَد ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ والبَحْرِ، وَلَمْ يَبْقَ مُنْكَرٌ من المُنْكَرَاتِ إلا وَقَد ظَهَرَ في المُجْتَمَعِ، من مَظَاهِرِ الفَسَادِ:

أولاً: الكُفْرُ الصَّرِيحُ جِهَارَاً نَهَارَاً، من سَبِّ اللهِ تعالى، وَسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ  وهذا من أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ التي تَسْتَحِقُّ المَسْخَ والخَسْفَ بِمُقْتَرِفِهَا، والطَّرْدَ من رَحْمَةِ اللهِ تعالى، إلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً.

ثانياً: إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَلَوْ سَأَلْتَ القَاتِلَ: لِمَ قَتَلْتَ؟ لَقَالَ : لا أَدْرِي؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ».

فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟

قَالَ: «الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ».

ثالثاً: اِنْتِشَارُ الفَوَاحِشِ، وَخَاصَّةً جَرِيمَةُ الزِّنَا وَمُقَدِّمَاتُهَا بِدُونِ حَيَاءٍ، وَانْطَبَقَ حَدِيثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَتَسَافَدُوا في الطُّرُقِ تَسَافُدَ الحَمِيرِ» رواه البزار عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما. والتَّسَافُدُ: هُوَ إِتْيَانُ الفَاحِشَةِ وَمُقَدِّمَاتِهَا ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ.

رابعاً: فِقْدَانُ الأَمَانَةِ بَيْنَ النَّاسِ في بُيُوعِهِم وَشِرَائِهِم وَمُعَامَلاتِهِم، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ، قَالَ: «فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلَاً أَمِينَاً، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ».

خامساً: اِنْتِشَارُ العُقُوقِ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الترمذي ـ كَمَا في التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ ـ عَن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا البَلَاءُ ـ وَعَدَّ مِنْهَا ـ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وَجَفَا أَبَاهُ».

حَتَّى تَنْجُوَ الأُمَّةُ من غَضَبِ اللهِ تعالى وَمَقْتِهِ:

يا عباد الله: حَتَّى تَنْجُوَ الأُمَّةُ من غَضَبِ اللهِ تعالى وَمَقْتِهِ، لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ صِلَتُهَا مَعَ اللهِ تعالى قَوِيَّةً، وَلَنْ تَكُونَ صِلَتُهَا مَعَ اللهِ قَوِيَّةً إلا إِذَا أَمَرَتْ بالمَعْرُوفِ، وَنَهَتْ عَن المُنْكَرِ، وَأُمَّةٌ لا تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ، ولا تَنْهَى عَن المُنْكَرِ أُمَّةٌ تَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ والعِيَاذُ باللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

يا عباد الله: إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم، فَإِذَا بَدَّلُوا في إِيمَانِهِم وَأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ بَدَّلَ اللهُ عَلَيْهِم أَحْوَالَهُم، فَأَبْدَلَهُم بَدَلَ الأَمْنِ خَوْفَاً، وَبَدَلَ الرِّزْقِ جُوعَاً، وَبَدَلَ الجَمْعِ تَفَرُّقَاً، وَبَدَلَ العِزِّ ذُلَّاً.

يا عباد الله: حَتَّى تَنْجُوَ الأُمَّةُ من غَضَبِ اللهِ تعالى وَمَقْتِهِ، لا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ صَالِحَةً مُصْلِحَةً؛ جَرَى زِلْزَالٌ في المَدِينَةِ زَمَنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَجَمَعَ النَّاسَ وَقَالَ لَهُم: مَا كَانَ هَذَا لِيَحْدُثَ إلا بِذَنْبٍ، واللِه لَئِنْ عَادَتْ لا أُسَاكِنُكُم فِيهَا أَبَدَاً؛ قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله، هَلُمَّوا إلى الصَّلاحِ والإِصْلاحِ، هَلُمَّوا إلى الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ، هَلُمَّوا إلى تَجْدِيدِ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، هَلُمَّوا إلى الارْتِبَاطِ باللهِ تعالى، هَلُمَّوا إلى مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى القَائِلِ:﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. والقَائلِ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. والقَائلِ: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. والقَائلِ: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.

يا عباد الله: نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى في أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ، هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ

قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا.

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ.

فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ؟

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا وَاللهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: فَأَيْنَ اللهُ؟

فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ، فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ.

عِنْدَ كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ رَاقِبِ اللهِ تعالى، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُخْرِجَنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 24/ محرم /1437هـ، الموافق: 6/تشرين الثاني / 2015م