71ـ كلمات في مناسبات: ماذا نرفع إلى الله تعالى من أعمال؟

.

71ـ كلمات في مناسبات: ماذا نرفع إلى الله تعالى من أعمال؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَظَلَّ الأُمَّةَ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، لَقَد أَظَلَّ الأُمَّةَ شَهْرُ شَعْبَانَ، وَهِيَ مَكْلُومَةٌ مَجْرُوحَةٌ حَزِينَةٌ تَشْكُو أَمْرَهَا إلى اللهِ تعالى، تَشْكُو إلى اللهِ تعالى أَمْرَ هَؤُلَاءِ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، تَشْكُو إلى اللهِ تعالى أَمْرَ هَؤُلَاءِ الذينَ انْقَادُوا إلى لشَّرْقِ وَالغَرْبِ لِتَنْفِيذِ خُطَطِهِم في إِرَاقَةِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ، وَسَلْبِ خَيْرَاتِهِم، بِاسْمِ الإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، تَشْكُو الأُمَّةُ أَمْرَهَا إلى اللهِ تعالى مِنَ الجُهْدِ الذي حَلَّ بِهَا، مِنَ الفَقْرِ، وَالمَرَضِ، وَالتَّشْرِيدِ، وَالنُّزُوحِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَبَيْنَ الأَخِ وَأُخْتِهِ، وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَهِيَ لَا تَدْرِي إلى أَيْنَ يَسِيرُ بِهَا النَّاسُ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَمْسَحَ جِرَاحَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِمِنْحَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي وَلَا تَحْتَسِبُ، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَمْسَحَ آلَامَ وَهُمُومَ وَأَحْزَانَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِجُودِهِ وَفَضْلِهِ، أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَ هَذِهِ الأُمَّةَ بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا أَنْ تَرْجِعَ إلى رُشْدِهَا وَصَوَابِهَا، وَأَنْ تَمْتَثِلَ أَمْرَ رَبِّهَا القَائِلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَخْبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ تُرْفَعُ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُتَوِّجَ رَفْعَ عَمَلِهِ بِالصِّيَامِ.

روى الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟

قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الأَعْمَالُ كُلُّهَا تُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى، فَإِنْ كَانَتْ أَعْمَالَاً صَالِحَةً رُفِعَتْ إلى اللهِ تعالى مَعَ القَبُولِ، وَإلا ضُرِبَتْ في وَجْهِ صَاحِبِهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُتَوِّجُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ الذي يُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى بِالصِّيَامِ رَجَاءَ القَبُولِ، فَهَلْ نَحْنُ على سِيرَتِهِ في ذَلِكَ، أَمْ غَيَّرنَا وَبَدَّلْنَا؟

تَبْلِيغُ رِسَالَةِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَعْمَالِ التي كَانَ يَقُومُ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبْلِيغُ رِسَالَةِ اللهِ تعالى، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾. وَبِالطَّرِيقِ الذي رَسَمَهُ اللهُ تعالى لَهُ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلَاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحَاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

لَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ بِوَظِيفَةِ التَّبْلِيغِ على النَّحْوِ الذي يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُقْرِنُ ذَلِكَ بِالصِّيَامِ الخَالِصِ لِوَجْهِ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ صِيَامِهِ، طَامِعَاً بِرَحْمَةِ اللهِ تعالى إِذْ يُرْفَعُ عَمَلُهُ إلى اللهِ تعالى.

أَمَّا نَحْنُ اليَوْمَ، فَكَيْفَ نُبَلِّغُ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

يُبَلِّغُ البَعْضُ رِسَالَةَ اللهِ تعالى بِأُسْلُوبٍ فَظٍّ غَلِيظٍ يُنَفِّرُ النَّاسَ مِنْ دِينِ اللهِ تعالى، يُبَلِّغُ البَعْضُ رِسَالَةَ اللهِ تعالى بِأُسْلُوبٍ بَعِيدٍ كُلَّ البُعْدِ عَنْ أَخْلَاقِ القُرْآنِ العَظِيمِ وَأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ البُعْدِ عَنِ الصِّيَامِ، حَتَّى نَفَرَ النَّاسُ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ هَلْ نَسِيَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ، أَمْ تَنَاسَتْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ»؟

فَمَاذَا تَرْفَعُ الأُمَّةُ إلى اللهِ تعالى مِنْ أَعْمَالٍ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِهَا بَعْضَاً؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ مِنْ صَلَاحٍ وَإِصْلَاحٍ، وَمِنْ قِيَامٍ وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، وَمِنْ أَخْلَاقٍ حَمِيدَةٍ مَرْضِيَّةٍ، وَمِنْ إِحْسَانٍ إلى خَلْقِ اللهِ تعالى جَمِيعَاً، وَهِيَ مَقْرُونَةٌ بِالصِّيَامِ.

أَمَّا نَحْنُ اليَوْمَ، فَمَا هِيَ أَعْمَالُنَا التي تُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى؟

الأُمَّةُ اليَوْمَ تَرْفَعُ أَعْمَالَ القَتْلِ، وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَسَلْبِ الخَيْرَاتِ، وَتَهْدِيمِ البُنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ إلى اللهِ تعالى، تَرْفَعُ أَعْمَالَ التَشْرِيدِ وَالنُّزُوحِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، إلى اللهِ تعالى تَرْفَعُ أَعْمَالَ سُوءِ الظَّنِّ وَالحُكْمِ على بَاطِنِ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى تَرْفَعُ أَعْمَالَ تَمْزيقِ الأَشْلَاءِ أَشْلَاءِ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ وَالأَبْرِيَاءِ، إلى اللهِ تعالى، تَرْفَعُ أَعْمَالَ التَّحْرِيضِ على التَّحَاقُدِ وَالتَّحَاسُدِ وَتَمْزِيقِ المُمَزَّقِ إلى اللهِ تعالى تَرْفَعُ الأَعْمَالَ التي تُسَوِّدُ وُجُوهَ الفَاعِلِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلى اللهِ تعالى، تَرْفَعُ المُعَامِلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَأَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ بِاسْمِ الإِسْلَامِ إلى اللهِ تعالى، تَرْفَعُ النَّوَايَا الخَبِيثَةَ التي ضَمَرَهَا النَّاسُ لِبَعْضِهِمُ بَعْضَاً إلى اللهِ تعالى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِيَتَذَكَّرِ الجَمِيعُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعَاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِالاتِّبَاعِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الابْتِدَاعَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 11/ شعبان /1437هـ، الموافق: 18/ أيار / 2016م