72ـ كلمات في مناسبات: كلمة في مناسبة ليلة النصف من شعبان

.

72ـ كلمات في مناسبات: كلمة في مناسبة ليلة النصف من شعبان

حَولَ حَدِيثِ صِيَامِ وَقِيَامِ لَيْلَةِ النِّصْفِ......

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ القَلْبَ مَجْرُوحٌ وَيَقْطُرُ دَمَاً على مَا وَصَلْنَا إِلَيْهِ، لَقَد أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا كُلَّمَا جَاءَتْ ذِكْرَى من ذِكْرَيَاتِ هَذِهِ الأُمَّةِ، مِثْلُ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَذِكْرَى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَذِكْرَى المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا على أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ المَرْئِيَّةِ مَنْ تَصَدَّرَ على تِلْكَ الشَّاشَاتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ وَهُدُوءٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ الاحْتِفَالَاتُ مِنَ البِدَعِ الضَّالَّةِ التي مَا جَاءَ بِهَا الإِسْلَامُ، وَمَا وَرَدَ فِيهَا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، وَيُبَثُّ هَذَا على الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ.

كُلَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الذِّكْرَيَاتُ، وَقَبْلَ حُلُولِهَا بِأَيَّامٍ أَخَذْنَا نَسْمَعُ التَّحْذِيرَ مِنَ الاجْتِمَاعِ على هَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ، وَكَأَنَّ الأُمَّةَ تَرْتَكِبُ جَرِيمَةً مِنَ الجَرَائِمِ، أَو كَأَنَّ كَارِثَةً مِنَ الكَوَارِثِ سَتَنْزِلُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ غَيُورُونَ على دِينِ اللِه عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْهُمْ على دِينِ اللِه عَزَّ وَجَلَّ.

كَثُرَتِ الأَسْئِلَةُ في هَذِهِ الأَيَّامِ: هَلْ يَجُوزُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؟ هَلْ يَجُوزُ صِيَامُ نَهَارِهَا؟ مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ الأُمَّةَ كَانَتْ مُتَلَقِّيَةً هَذَا الأَمْرَ بِقَبُولٍ تَامٍّ وَخَاصَّةً في ِبلَادِ الشَّامِ، حَيْثُ كَانَ عُلَمَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَخَاصَّةً عُلَمَاءُ الشَّامِ، عُلَمَاءُ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ يُوَجِّهُونَ الأُمَّةَ إلى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وإلى مَا يُرْضِي سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَمَا بَقِيَتْ لَنَا ثِقَةٌ بِعُلَمَائِنَا؟ أَمَا بَقِيَتْ لَنَا ثِقَةٌ بِعُلَمَاءِ الشَّامِ؟ التي هِيَ مَوْئِلُ الأُمَّةِ عِنْدَ الفِتَنِ.

نَعَم أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، رَأَيْتُ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَتَحَدَّثَ في هَذَا المَوْضُوعِ، مَعَ أَنَّنِي واللِه لَا أَرْغَبُ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْهُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَخَاصَّةً في مِثْلِ هَذِهِ اللِّقَاءَاتِ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا رَأَيْتُ بِأَنَّ الأُمَّةَ قَدِ ابْتُلِيَتْ بِطَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَعْرِفُوا مِنْ عِلْمِ الحَدِيثَ إلا اسْمَهُ، وَلَا مِنْ مُحْتَوَاهُ إلا رَسْمَهُ، وَلَمْ يَقْرَؤُوا مِنَ العِلْمِ الشَّرِيفِ إلا وُرَيْقَاتٍ، وَخَاضُوا في عِلْمٍ هُوَ مِنْ أَصْعَبِ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، وَأَخَذُوا يَبْحَثُونَ في أَدَقِّ الأُمُورِ التي لَا يَفْهَمُهَا إلا الجَهَابِذَةُ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ.

رَأَيْنَا مَنْ تَصَدَّرَ أَجْهِزَةَ الإِعْلَامِ وَكَتَبَ على الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ عُلُومِ الحَدِيثِ التي هِيَ مِنْ أَخْطَرِ عُلُومِ الـشَّرِيعَةِ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ يُصَحِّحُونَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَيُضَعِّفُونَ على حَسَبِ الأَهْوَاءِ، وَيَلْمِزُونَ وَيُجَهِّلُونَ عُلَمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ سَلَفَاً وَخَلَفَاً، وَيَطْعَنُونَ في صِحَّةِ عُلُومِهِم، بَلْ رُبَّمَا طَعَنُوا في عَقَائِدِهِمْ، بَلْ رُبَّمَا خَلَعُوا عَنْهُمْ رِبْقَةَ الإِسْلَامِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَأَخَذُوا يَنْفُونَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَيُثْبِتُونَ مَا تَرُوقُ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ، حَتَّى وَقَعُوا في كَثِيرٍ مِنَ التَّنَاقُضَاتِ، تَارَةً يَقُولُونَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَهَكَذَا.

وَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خُذُوا دِينَكُمْ عَمَّنْ تَعْرِفُونَ، خُذُوا دِينَكُمْ مِنْ أُنَاسٍ تَعْرِفُونَ سُلُوكَهُمْ، تَعْرِفُونَ أَخْلَاقَهُمْ، تَعْرِفُونَ تَقْوَاهُمْ، تَعْرِفُونَ عَمَّنْ أَخَذُوا دِينَهُمْ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ.

السُّنَّةُ مَحْفُوظَةٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ المُخَطَّطَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ كَبِيرٌ وَكَبِيرٌ جِدَّاً، وَإِنَّ مُحَاوَلَةَ إِبْعَادِ النَّاسِ عَنِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ قَائِمٌ على قَدَمٍ وَسَاقٍ، وَهَؤُلَاءِ يَظُنُّونَ بَلْ يَتَوَهَّمُونَ بِأَنَّ هَذَا الدِّينَ سَيُصْبِحُ في ضَيَاعٍ إِذَا احْتَفَلَتِ الأُمَّةُ بِمِثْلِ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ في ذَلِكَ.

أَقُولُ لَكُمْ وَلِهَؤُلَاءِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

اطْمَئِنُّوا، فَإِنَّ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ مَحْفُوظٌ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَحْفُوظَاً وَهُوَ مِنَ الوَحْيِ غَيْرِ المَتْلُوِّ، واللهُ تعالى يَقُولُ في الوَحْيِ المَتْلُوِّ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾. فَالوَحْيُ المَتْلُوُّ مَحْفُوظٌ بِنَصِّ القُرْآنِ الوَاضِحِ، وَمِمَّا جَاءَ في الوَحْيِ المَتْلُوِّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. وَهَذَا الأَمْرُ يَقْتَضِي أَنْ يُحْفَظَ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ، وإلا وَقَعْنَا في التَّنَاقُضِ.

لِذَلِكَ قَيَّضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مُنْذُ صَدْرِهَا الأَوَّلِ إلى يَوْمِنَا هَذَا مَنْ حَفِظَ الحَدِيثَ، وَبَيَّنَ لَنَا صَحِيحَهُ وَحَسَنَهُ وَضَعِيفَهُ وَمَوْضُوعَهُ، وَانْتَهَتِ القَضِيَّةُ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ.

وَلَكِنَّ الهَجْمَةَ شَرِسَةٌ على سُنَّتهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبَدَأَتْ هَذِهِ الهَجْمَةُ الشَّرِسَةُ على السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ حَيْثُ أَخَذَ هَؤُلَاءِ الذينَ يَتَصَدَّرُونَ على أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ يُسَاوُونَ بَيْنَ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالحَدِيثِ المَوْضُوعِ وَكَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ الخَطَرِ العَظِيمِ.

خُطُورَةُ مُسَاوَاةُ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ بِالمَوْضُوعِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَؤُلَاءِ الذينَ يُبَدِّعُونَ الأُمَّةَ وَيُفَسِّقُونَهَا وَيَطْعَنُونَ في سَلَفِ الأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَبَدَأُوا يُسَاوُونَ بَيْنَ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالمَوْضُوعِ، وَيُحَرِّمُونَ ذِكْرَ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالعَمَلَ بِهِ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، دُونَ تَفْرِيقٍ بَيْنَ مَا كَانَ في الأَحْكَامِ وَالعَقَائِدِ، وَبَيْنَ مَا كَانَ في الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.

لَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ هُوَ خَيْرٌ مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ.

وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ هُوَ في الأَصْلِ مَنْسُوبٌ إلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِخِلَافِ الحَدِيثِ المَوْضُوعِ، فَهُوَ مَكْذُوبٌ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ بِدُونِ خِلَافٍ، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ وَجَهَابِذَتُهَا، وَذَكَرُوا ذَلِكَ في مُصَنَّفَاتِهِم، بِخِلَافِ الحَدِيثِ المَوْضُوعِ، حَيْثُ لَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ إلا لِبَيَانِ وَضْعِهِ.

وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَمِلَ بِهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ بِالإِجْمَاعِ في الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، كَمَا عَمِلَ بِهِ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ في الأَحْكَامِ إِذَا لَمْ  يَرِدْ حَدِيثٌ مَقْبُولٌ في البَابِ، وَهَذَا بِالإِجْمَاعِ، وَالأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ على ضَلَالَةٍ، بِخِلَافِ الحَدِيثِ المَوْضُوعِ.

وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ أَصْلٍ مَعْمُولٍ بِهِ في الـشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ الحَدِيثِ المَوْضُوعِ.

وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ هُوَ بَيْنَ الرَّاجِحِ وَالمَرْجُوحِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّتُهُ فَهُوَ الخَيْرُ، وإلا فَلَا يَضُرُّ العَمَلُ بِهِ.

فَكَيْفَ يُسَوِّي هَؤُلَاءِ بَيْنَ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالمَوْضُوعِ؟

وَأَنَا أَنْقُلُ لَكُمْ هُنَا كَلَامَ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ (الأَذْكَارُ) يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

([فَصْلُ]: اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِيَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَهُ مُطْلَقَاً، بَلْ يَأْتِي بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ على صِحَّتِهِ: «فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

[فَصْلُ]: قَالَ العُلَمَاءُ مِنَ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُم: يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ العَمَلُ في الفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ بِالحَدِيثِ الضَّعِيفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعَاً).

حَدِيثُ صِيَامِ وَقِيَامِ لَيْلَةِ النِّصْفِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خِلَالِ مَا ذَكَرْنَا تَعَالَوا لِنَقِفَ أَمَامَ سُنَنِ ابْنِ مَاجَه، لِنَسْمَعِ الحَدِيثَ الـشَّرِيفَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلَىً فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ».

هَؤُلَاءِ الذينَ يَتَصَدَّرُونَ أَجْهِزَةَ الإِعْلَامِ يَقُولُونَ: لَا يُوجَدُ حَدِيثٌ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ مُطْلَقَاً، وَيَا حَبَّذَا لَو قَالُوا: يُوجَدُ حَدِيثٌ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَيَا حَبَّذَا لَو بَيَّنُوا للأُمَّةِ حُكْمَ العَمَلِ بِالحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَمَجَالَاتِ العَمَلِ فِيهِ، وَاللهِ لَو فَعَلُوا ذَلِكَ لَأَرَاحُوا وَاسْتَرَاحُوا.

نَعَم أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، هَذَا الحَدِيثُ ضَعِيفٌ؛ وَلَكِنْ:

أولاً: أَلَيْسَ هُوَ خَيْرَاً مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ؟ أَنَتْرُكُ الحَدِيثَ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ إِذَا كَانَ ضَعِيفَاً، وَنَأْخُذُ بِكَلَامِ هَؤُلَاءِ؟ يَا سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ أَنَا أَعْجَبُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ عِنْدَمَا يَتْرُكُ أَحَدُهُمُ العَمَلَ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ بِالحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَيَأْخُذُ بِآرَاءِ هَؤُلَاءِ.

ثانياً: أَلَيْسَ هَذَا الحَدِيثُ الضَّعِيفُ مُنْدَرِجَاً تَحْتَ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ مَعْمُولٍ بِهِ؟ أَلَيْسَ مُنْدَرِجَاً تَحْتَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. أَلَيْسَ قِيَامُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ مُنْدَرِجَاً تَحْتَ هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ؟ أَلَيْسَ صِيَامُ هَذَا اليَوْمِ مُنْدَرِجَاً تَحْتَ هَذَا الحَدِيثِ القُدْسِيِّ؟

أَلَيْسَ هَذَا الحَدِيثُ الضَّعِيفُ مُنْدَرِجَاً تَحْتَ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ مَعْمُولٍ بِهِ، وَهُوَ صِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَهْرَ شَعْبَانَ، كَمَا جَاءَ في سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَمُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ سَيِّدِنَا أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرَاً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟

قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

أَلَيْسَ صِيَامُهُ مُوَافِقَاً لِصِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَعْبَانَ؟ أَلَيْسَ مُوَافِقَاً لِصِيَامِ الأَيَّامِ البِيضِ؟

هَلِ اجْتِمَاعُ الأُمَّةِ يَضُرُّ في دِينِهَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا يَسْمَعُ هَؤُلَاءِ الكَلَامَ الذي قَدَّمْنَاهُ قَدْ يَسْكُتُونَ بُرْهَةً ثمَّ يَرْجِعُونَ إلى الهُجُومِ على الأُمَّةِ ثَانِيَةً فَيَقُولُونَ: إِذَاً صُومُوا فُرَادَى وَقُومُوا فُرَادَى، لِمَاذَا الاجْتِمَاعُ في هَذِهِ اللَّيَالِي؟ إِنَّ هَذَا الاجْتِمَاعَ في هَذِهِ اللَّيَالِي المَخْصُوصَةِ مِنَ البِدْعَةِ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ في النَّارِ.

وَحُجَّتُهُمْ في ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلِمَاذَا نَحْنُ نَبْتَدِعُ هَذَا وَنَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلُهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احْفَظُوا هَذِهِ القَاعِدَةَ: (التَّرْكُ لَيْسَ حُجَّةً في التَّحْرِيمِ) التَّحْرِيمُ يَحْتَاجُ إلى نَصٍّ مِنَ الكِتَابِ أَو السُّنَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾. وَقَالَ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

التَّحْرِيمُ يَحْتَاجُ إلى نَصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَو سُنَّةٍ مُطَهَّرَةٍ، فَأَيْنَ النَّصُّ في تَحْرِيمِ هَذَا الاجْتِمَاعِ؟

هَذَا الاجْتِمَاعُ هَلْ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الدِّينِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الاجْتِمَاعُ وَأَمْثَالُهُ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الكِتَابِ وَمِنَ السُّنَّةِ.

فَمِنَ الكِتَابِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. أَلَيْسَ هَذَا مَظْهَرَاً مِنْ مَظَاهِرِ التَّعَاوُنِ على البِرِّ وَهُوَ القِيَامُ؟ هَلْ في ذَلِكَ مِنْ ضَيْرٍ مَعَ الاعْتِقَادِ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ؟

أَمَّا مِنَ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا حَفَّتْهُمُ الْـمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللهَ، لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَهُ، إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورَاً لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلَاً، يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسَاً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَؤُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟

فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ.

قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟

قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ.

قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟

قَالُوا: لا أَيْ رَبِّ.

قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟

قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ.

قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟

قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ.

قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟

قَالُوا: لا.

قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟

قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ.

قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا.

قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ.

قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. أَلَيْسَ هَذَا الاجْتِمَاعُ تَجْسِيدَاً لِهَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ؟

اللهُ تعالى يَقُولُ: «وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هَذَا بِدْعَةٌ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ في النَّارِ، فَلِمَنْ نُصَدِّقُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

وفي الخِتَامِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِإِجْمَاعِ الفُقَهَاءِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ صِيَامُ يَوْمِهَا.

جَاءَ في كِتَابِ الأُمِّ للإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ: فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبَ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.

وَيَذْكُرُ القَسْطَلَانِيُّ في كِتَابِهِ: المَوَاهِبُ اللَّدُنِّيَّةُ: وَقَدْ كَانَ التَّابِعُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، كَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، وَمَكْحُولٍ يَجْتَهِدُونَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانِ في العِبَادَةِ؛ وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ تَعْظِيمَهَا.

وَقَالَ المُبَارَكْفُورِي في تُحْفَةِ الأَحْوَذِي: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ، مَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلَاً.

وَنَقَلَ الذَّهَبِيُّ عَنِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى كَانَ مُوَاظِبَاً على الجَمَاعَةِ وَالتِّلَاوَةِ، يَخْتِمُ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيَخْتِمُ في رَمَضَانَ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَعْتَكِفُ في المَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ، وَكَانَ كَثِيرَ النَّوَافِلِ وَالأَذْكَارِ، وَيُحْيِي لَيْلَةَ النِّصْفِ وَالعِيدَيْنِ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَكَانَ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ على لَحْظَةٍ تَذْهَبُ.

وَكَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، وَلُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ، وَغَيْرُهُمَا يَلْبَسُونَ فِيهَا أَحْسَنَ ثِيَابِهِم، وَيَتَبَخَّرُونَ، وَيَكْتَحِلُونَ، وَيَقُومُونَ في المَسْجِدِ لَيْلَتَهُمْ تِلْكَ، وَوَافَقَهُم إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَويه على ذَلِكَ، وَقَالَ في قِيَامِهَا في المَسَاجِدِ لَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعَةٍ، نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبُ الكَرْمَانِيُّ في مَسَائِلِهِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَقَدْ رُوِيَ في فَضْلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِنَ الأَحَادِيثِ المَرْفُوعَةِ وَالآثَارِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُفَضَّلَةٌ.

وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في مَجْمُوعِ الفَتَاوَى عَنْ صَلَاةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؟ فَأَجَابَ: إِذَا صَلَّى الإِنْسَانُ لَيْلَةَ النِّصْفِ وَحْدَهُ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ طَوَائِفُ مِنَ السَّلَفِ، فَهُوَ أَحْسَنُ.

وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ حَوْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ: مَاذَا في شَعْبَانَ؟ للشَّيْخِ مُحَمَّد عَلَوي المالكي؛ وهو مَوْجُودٌ على النِّتْ؛ وَكِتَابِ: الكَشْفُ وَالبَيَانُ عَنْ فَضَائِلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ للشَّيْخِ سَالِمٍ السَّنْهُورِيِّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ لَيْلَةُ قِيَامٍ، وَأَقَلُّ القِيَامِ فِيهَا أَنْ تُصَلِّيَ العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ، وَالفَجْرَ في جَمَاعَةٍ، ثمَّ تُصَلِّيَ صَلَاةَ الضُّحَى؛ فَقُومُوا لَيْلَهَا امْتِثَالَاً لِأَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ تعالى يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْهَا حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلَىً فَأُعَافِيَهُ؟ أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ».

فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَنَا أَرْجُوكُمُ الدُّعَاءَ لِي فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الأَوْقَاتِ؛ اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ جَمْعَنَا إِلَّا بِعَمَلٍ مَقْبُولٍ، وَذَنْبٍ مَغْفُورٍ، وَتِجَارَةٍ لَنْ تَبُورَ، بِرَحْمَةٍ مِنْكَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ، وَأَنْ تَحْقِنَ دِمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَتَحْفَظَ أَعْرَاضَهَا وَأَمْوَالَهَا، وَأَنْ تُعِيدَ إِلَيْهَا نِعْمَةَ أَمْنِهَا وَأَمَانِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا وَعِزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا. وَصَلَّى اللُه عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إلى يَوْمِ الدِّينِ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللِه وَبَرَكَاتُهُ.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 14/ شعبان /1437هـ، الموافق: 21/ أيار / 2016م