73ـ كلمات في مناسبات: كلمة في مناسبة ليلة النصف من شعبان

.

73ـ كلمات في مناسبات: كلمة في مناسبة ليلة النصف من شعبان

ما لنا لا نفر إلى الله تعالى؟

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: روى البيهقي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَتِمَّ أَنْ قَامَ فَلَبِسَهُمَا، فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِباتِي، فَخَرَجْتُ أَتْبَعَهُ فَأَدْرَكْتُهُ بِالْبَقِيعِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَالشُّهَدَاءِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ فِي حَاجَةِ رَبِّكَ، وَأَنَا فِي حَاجَةِ الدُّنْيَا؛ فَانْصَرَفْتُ، فَدَخَلْتُ حُجْرَتِي وَلِي نَفَسٌ عَالٍ، وَلَحِقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا النَّفَسُ يَا عَائِشَةُ؟».

فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَتَيْتَنِي فَوَضَعْتَ عَنْكَ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ لَمْ تَسْتَتِمَّ أَنْ قُمْتَ فَلَبِسْتَهُمَا، فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِباتِي، حَتَّى رَأَيْتُكَ بِالْبَقِيعِ تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ.

قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ بَلْ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: هَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَللهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ، لَا يَنْظُرُ اللهُ فِيهَا إِلَى مُشْرِكٍ، وَلَا إِلَى مُشَاحِنٍ، وَلَا إِلَى قَاطِعِ رَحِمٍ، وَلَا إِلَى مُسْبِلٍ، وَلَا إِلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ، وَلَا إِلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ».

ثُمَّ وَضْعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ؛ فَقَالَ لِي: «يَا عَائِشَةُ، تَأْذَنِينَ لِي فِي قِيَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟».

فَقُلْتُ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، فَقَامَ فَسَجَدَ لَيْلَاً طَوِيلَاً، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قُبِضَ فَقُمْتُ أَلْتَمِسْهُ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ فَتَحَرَّكَ فَفَرِحْتُ؛ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، جَلَّ وَجْهُكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».

فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرْتُهُنَّ لَهُ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَلَّمْتِهُنَّ؟».

فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: «تَعَلَّمِيهِنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَنِيهِنَّ وَأَمَرَنِي أَنْ أُرَدِّدَهُنَّ فِي السُّجُودِ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَكُونُ الفِرَارُ إلى اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَتَأَمَّلْ هَذِهِ الكَلِمَاتِ التي قَالَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهَا كَلِمَاتٌ تُشْعِرُكَ بِأَنَّكَ مُحَاطٌ بِكُلِّ مَا يُذَكِّرُكَ بِاللهِ تعالى إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَيَّاً بِالإِيمَانِ بِاللهِ تعالى.

«أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ» إِنْ خِفْتَ العُقُوبَةَ فَاطْلُبِ العَفْوَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وتعالى، فَهُوَ العَفُوُّ الكَرِيمُ.

«وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ» إِنْ خِفْتَ سَخَطَ اللهِ تعالى فَفِرَّ إلى رِضَاهُ تَبَارَكَ وتعالى.

«وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ» فَإِنَّهُ لَا مَنْجَا وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وتعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَقُولُ تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾. مَنْ ذَا الذي يَمْلِكُ لَنَا مِنَ اللهِ شَيْئَاً؟

مَنْ ذَا الذي يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَنَا شَيْئَاً لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ تعالى لَنَا؟

مَنْ ذَا الذي يَمْنَعُ عَنَّا شَيْئَاً قَدْ كَتَبَهُ اللهُ تعالى عَلَيْنَا؟

أَمَا تَذْكُرُونَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَتْ آجَالُنَا مَحْدُودَةً، وَأَرْزَاقُنَا مَقْسُومَةً، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ فِيهَا أَو أَنْ يُبَدِّلَ، فَلِمَاذَا لَا نَفِرُّ إلى اللهِ تعالى؟

وَلِمَاذَا نُعْرِضُ عَنْهُ، وَنَذْهَبُ شَرقَاً وَغَرْبَاً؟

وَلِمَاذَا نَتَخَبَّطُ في هَذِهِ الدُّنْيَا، نُرِيدُ مِنْ هَذَا مَالَاً، وَمِنْ هَذَا سَنَدَاً، وَمِنْ هَذَا حِمَايَةً؟

لِمَاذَا لَا نَتَوَجَّهُ إلى رَبِّ الأَرْبَابِ، وَمَلِكِ المُلُوكِ، وَمَالِكِ المُلُوكِ، وَجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 14/ شعبان /1437هـ، الموافق: 21/ أيار / 2016م