66- مع الصحابة وآل البيت:وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

66ـ وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ حَقِّ الأُمَّةِ بَعْضِهَا  على بَعْضٍ أَنْ تَتَرَاحَمَ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِهَا بَعْضاً، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تُنْزَعُ إلا مِنْ شَقِيٍّ، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرَّحْمَةُ خَاصَّةً مِمَّنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الاتِّبَاعَ للذي قَالَ عَنْهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَقِفْ مَعَ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وَقْفَةَ تَدَبُّرٍ، لَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً للمُؤْمِنِينَ. بَلْ قَالَ: ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾. حَتَّى إِنَّ الكَافِرَ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ.

وَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً للرِّجَالِ، لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ النِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ، بَلْ قالَ: ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾. لِيُدْخِلَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ في هَذِهِ الرَّحْمَةِ.

وَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً للنَّاسِ، لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ الحَيَوَانَ، بَلْ قَالَ: ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾. لِيُدْخِلَ الحَيَوَانَ في هَذِهِ الرَّحْمَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ للمُؤْمِنِينَ وَالكَافِرِينَ، للرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

بَلْ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالرَّحْمَةِ التي شَمَلَت حَتَّى الحَيَوَانَ، روى الإمام أحمد والحاكم وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ (أَيْ: حَمَلَنِي خَلْفَهُ) ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثَاً لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدَاً  مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفَاً، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ (يَعْنِي: حَائِطَ نَخْلٍ؛ وَالهَدَفُ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ).

فَدَخَلَ حَائِطَاً لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ (الذِّفْرَى مِنَ البَعِيرِ مُؤَخِّرُ رَأْسِهِ وَهُوَ المَوْضِعُ الذي يُعْرَفُ مِنْ قَفَاهُ) فَسَكَتَ.

فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟».

فَجَاءَ فَتَىً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

وروى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ. (تُرَفْرِفُ).

فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا».

وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟»

قُلْنَا: نَحْنُ.

قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ».

التَّرْغِيبُ في الرَّحْمَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد جَاءَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ لِيُربِّيَ الأُمَّةَ على خُلُقِ الرَّحْمَةِ.

روى الحاكم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّوا عَلَيْهِ؟».

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ تَحَابُّوا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ.

قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ، رَحْمَةُ الْعَامَّةِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ، وَمَنْ لَا يَتُبْ لَا يُتَبْ عَلَيْهِ».

وروى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيَّاً لَهَا، أَوِ ابْنَاً لَهَا فِي الْـمَوْتِ.

فَقَالَ لِلرَّسُولِ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَأَخْبِرْهَا: أَنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّىً، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ».

فَعَادَ الرَّسُولُ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا.

قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ (أَيْ: تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ) كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ (الشَّنَّةُ: القُرْبَةُ البَالِيَةُ؛ وَمَعْنَاهُ: لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ المَاءِ إِذَا أُلْقِيَ في القُرْبَةِ البَالِيَةِ) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».

وروى الإمام أحمد والحاكم والترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

كَأنَّهُ مَضَى عَهْدُ السَّلَفِ الصَّالِحِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ خُلُقِ الرَّحْمَةِ الذي تَحَلَّى بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والذي تَحَلَّى بِهِ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، كَادَ أَنْ يَكُونَ حُلُمَاً أَو خَيَالَاً، وَكَأَنَّهُ قَد مَضَى عَهْدُهُم، لِذَا صَارَتِ الحَيَاةُ سَخِيفَةً مِنْ بَعْدِهِم، وَصَارَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَكِتَابٍ قَدِ انْطَوَى على حَقَائِقِهِ، وَخُتِمَ عَلَيْهِ كَمَا وُضِعَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم هُمْ خَيْرُ مَنْ تَرْجَمُوا مَعَانِي الرَّحْمَةِ مِنْ خِلَالِ حَيَاتِهِمْ.

وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَكَانَ رَجُلَاً تَاجِرَاً، فَكَانَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ، فَيَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا كُفِيهَا فَرُعِيَتْ لَهُ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا تَحْلِبُ لَنَا مَنَائِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ.

الشِّدَّةُ قَدْ أُضْعِفَتْ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي بَلَغَ مِنَ القَسْوَةِ وَالغِلْظَةِ في جَاهِلِيَّتِهِ أَعْظَمَهَا، لَمَّا ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، وَبَاشَرَ الإِيمَانُ بَشَاشَةَ قَلْبِهِ، انْقَلَبَتْ شَخْصِيَّتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَأْسَاً على عَقِبٍ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ قَاسِيَ النَّفْسِ غَلِيظَ القَلْبِ.

لَمَّا وُلِّيَ الخِلَافَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ خَطَبَ في النَّاسِ على المِنْبَرِ، بَعْدَ أَنْ رَاعَى حَقَّ سَلَفِهِ العَظِيمَ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ في مَوْضِعٍ كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ، حَيْثُ نَزَلَ دَرَجَةً عَنْ مَكَانِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: ....... ثمَّ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ أُمُورَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَاعْلَمُوا أَنَّ تِلْكَ الشِّدَّةَ قَدْ أُضْعِفَتْ، وَلَكِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ على أَهْلِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي، وَلَسْتُ أَدَعُ أَحَدَاً يَظْلِمُ أَحَدَاً، أَو يَتَعَدَّى عَلَيْهِ حَتَّى أَضَعَ خَدَّهُ على الأَرْضِ، وَأَضَعَ قَدَمِي على الخَدِّ الآخَرِ، حَتَّى يَذْعَنَ للحَقِّ، وَإِنّي بَعْدَ شِدَّتِي تِلْكَ أَضَعُ خَدِّي لِأَهْلِ العَفَافِ وَأَهْلِ الكَفَافِ.

وَلَكُمْ عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ خِصَالٌ أَذْكُرُهَا لَكُمْ، فَخُذُونِي بِهَا؛ لَكُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجْتَبِيَ شَيْئَاً مِنْ خَرَاجِكُمْ، وَلَا مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا في وَجْهِهِ، وَلَكُمْ عَلَيَّ إِذَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنِّي إلا في حَقِّهِ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَزِيدَ في عَطَايَاكُمْ وَأَرْزَاقِكُمْ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى ـ وَأَسُدَّ ثُغُورَكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أُلْقِيَكُمْ في المَهَالِكِ، وَلَا أَجْمُرَكُمْ في ثُغُورِكُمْ (أَيْ: لَا أُبِقِيَكُم على جَبَهَاتِ القِتَالِ بَعِيدَاً عَنْ أَهْلِيكُم مُدَّةً طَوِيلَةً) وَإِذَا غِبْتُمْ في البُعُوثِ فَأَنَا أَبُو العِيَالِ، حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَيْهِم، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأَعِينُونِي عَلَى أَنفُسِكُمْ بِكَفِّهَا عنِّي، وَأَعِينُونِي عَلَى نَـفْسِي بِالْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْـمُنْكَرِ، وَإِحْضَارِ النَّصِيحَةِ فِيمَا وَلَّانِي اللهُ مِنْ أَمْرِكُمْ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ مِنْ دُعَاءِ الفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَمَا تَوَلَّى الخِلَافَةَ، اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِّي؛ وَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ تعالى هَذَا الدُّعَاءَ، وَامْتَلَأَتْ نَفْسُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِالرَّحْمَةِ وَالعَطْفِ وَاللِّينِ، وَأَصْبَحَتْ مِنْ صِفَاتِهِ بَعْدَ تَوَلِّيهِ الخِلَافَةِ.

لَقَد عَرَفَ النَّاسُ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في عَهْدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وفي عَهْدِ سَيِدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَازِمَاً شَدِيدَاً، حَتَّى تَوَلَّى الخِلَافَةَ، فَانْقَلَبَ رَخَاءً وَيُـسْرَاً وَرَحْمَةً رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرْضَاهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّرَاحُمِ مَا اسْتَطَاعَ إلى ذَلِكَ سَبِيلَاً، لِأَنَّهُ بِالتَّرَاحُمِ تَلْتَئِمُ الأُمَّةُ وَتُحَقِّقُ مَصَالِحَهَا؛ بِالتَّرَاحُمِ تَتَآلَفُ الأُمَّةُ، وَخَاصَّةً في زَمَنِ الفِتَنِ وَالأَزَمَاتِ وَالنَّوَازِلِ وَالمُلِمَّاتِ؛ بِالتَّرَاحُمِ يَنْصُرُ اللهُ تعالى الضُّعَفَاءَ؛ وَبِالتَّرَاحُمِ تَعِيشُ الأُمَّةُ بِأَهْنَأِ عَيْشٍ؛ وَبِالتَّرَاحُمِ تُعَزُّ الأُمَّةُ وَتَبْقَى، وَتَبْلُغُ ذُرَى المَجْدِ؛ بِالتَّرَاحُمِ تَعُمُّ الرَّحَمَاتُ وَتَتَدَفَّقُ؛ بِالتَّرَاحُمِ يَرْحَمُنَا اللهُ تعالى وَيَرْضَى عَنَّا؛ وَبِالتَّرَاحُمِ نَغْنَمُ وَنَنْعَمُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ لَا تَنْزَعِ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 26/ شعبان /1437هـ، الموافق: 2/حزيران / 2016م