5-دروس رمضانية 1437هـ:من استجاب لله تعالى استجاب له

.

دروس رمضانية 1437هـ

من استجاب لله تعالى استجاب له

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ فَوَائِدِ شَهْرِ رَمَضَانَ العَاجِلَةِ أَنَّ دُعَاءَ العَبْدِ الصَّائِمِ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، وَلَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في وَسَطِ آيَاتِ الصِّيَامِ آيَةَ الأَمْرِ بِدُعَائِهِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا بَعْدَ الأَمْرِ بِالصِّيَامِ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ مِنْ آيَاتِ الصِّيَامِ بِأَنَّ الذي يَسْتَجِيبُ لِنِدَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَجِيبُ اللهُ تعالى نِدَاءَهُ، وَمَنِ اسْتَجَابَ لِنِدَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِأَمْرِهِ صَارَ مَرْضِيَّاً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنْعَمَاً عَلَيْهِ، وَصَارَ دُعَاؤُهُ مُسْتَجَابَاً، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وفي رِوَايَةٍ: «وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ».

فَدُعَاؤُكَ يَا مَنِ اسْتَجَبْتَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ مُسْتَجَابٌ مَا دُمْتَ صَائِمَاً، وَلَكَ فِيهِ قَبُولٌ وَإِجَابَةٌ عِنْدَ الفِطْرِ، فَأَنْتَ على مَائِدَةِ الكَرِيمِ، فَاغْتَنِمْ سُؤَالَهُ بِمَا تُرِيدُ، وَخَيْرُ مَا تَطْلُبُهُ مِنْهُ مَا هُوَ طَالِبُهُ مِنْكَ، فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ، وَوَفِّقْنِي لِأَنْ أَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ أَذْكُرَ المَوْتَ وَالبِلَى.

دُعَاءُ الصَّائِمِ مُسْتَجَابٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنِ اسْتَجَابَ للهِ تعالى اسْتَجَابَ اللهُ تعالى لَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ نِدَاءِ اللهِ تعالى أَعْرَضَ اللهُ تعالى عَنْ نِدَائِهِ، لِأَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ مَنْ صَامَ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَصَامَتْ جَوَارِحُهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، فَمَنْ صَامَ هَذَا الصَّوْمَ كَانَتْ دَعْوَتُهُ مُسْتَجَابَةً بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَذَلِكَ بِبِشَارَةِ الصَّادِقِ الأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي ﴿مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ أَثْنَاءَ صَوْمِكُمْ وَعِنْدَ فِطْرِكُمْ، وَاجْعَلُوا مِنْ دُعَائِكُمْ الفَوْزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ لِمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ؛ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلى اللهِ تعالى، ارْفَعُوا أَكُفَّ الـضَّرَاعَةِ إلى البَارِي جَلَّ شَأْنُهُ، وَلَا تَيْأَسُوا وَلَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾.

أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَلَا تَعْجَلُوا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍغَيرِ لَاهٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» رواه الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَيَا أَصْحَابَ المَصَائِبِ وَالفَاقَاتِ، وَيَا أَصْحَابَ الهُمُومِ وَالمُقْلِقَاتِ، لَا تَفْتُرُوا عَنِ الدُّعَاءِ مَا دَامَ فِيكُمْ عِرْقٌ يَنْبِضُ، فَهُوَ الدَّوَاءُ إِذَا اسْتَفْحَلَ الدَّاءُ، روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْـمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسَاً فِي الْـمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟».

قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامَاً إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ».

قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.

يَا رَبُّ، يَا وَلِيَّ نِعْمَتِنَا، وَيَا مَلَاذَنَا عِنْدَ كُرْبَتِنَا، صُنْ جَوَارِحَنَا عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَوَفِّقْنَا لِمَحَابِّكَ وَمَرْضَاتِكَ، وَاجْعَلْ كَيْدَ مَنْ كَادَنَا عَائِدَاً عَلَيْهِ، وَاحْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 3/ رمضان /1437هـ، الموافق:8/حزيران / 2016م