6-دروس رمضانية 1437هـ :صن عبادتك من الضياع

.

دروس رمضانية 1437هـ

6ـ صن عبادتك من الضياع

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ يُرَبِّي المُؤْمِنِينَ على التَّحَكُّمِ في الأَعْصَابِ، وَالقُدْرَةِ على كَظْمِ الغَيْظِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ في بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ المُسْلِمَةِ، لِأَنَّ المُتَـسَرِّعَ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُتَفَلِّتُ الأَعْصَابِ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى تَرْبِيَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَتِهَا، وَمِنْ أَجْلِ بِنَائِهَا، وَمِنْ أَجْلِ تَمَاسُكِهَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

تَرْبِيَةٌ على كَظْمِ الغَيْظِ، تَرْبِيَةٌ على التَّحَكُّمِ في الأَعْصَابِ، تَرْبِيَةٌ على ضَبْطِ اللِّسَانِ، تَرْبِيَةٌ على ضَبْطِ اليَدِ، تَرْبِيَةٌ على العَفْوِ، تَرْبِيَةٌ على الأَخْلَاقِ المَرْضِيَّةِ، تَرْبِيَةٌ على حُسْنِ مُعَامَلَةِ الآخَرِينَ، تَرْبِيَةٌ على أَنْ لَا نُقَابِلَ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، تَرْبِيَةٌ حَتَّى في حَالِ العَدَاوَةِ وَالكَرَاهِيَةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

صُنْ عِبَادَتَكَ مِنَ الضَّيَاعِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الوَصِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ: «وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» تُذَكِّرُنَا بِحَقِّ هَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ، وَتُذَكِّرُ المُحِبِّينَ للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتُذَكِّرُ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ بِعِظَمِ هَذِهِ العِبَادَةِ عِبَادَةِ الصَّوْمِ، حَتَّى لَا نُضَيِّعَهَا إِذَا جَاءَتْ بَوَاعِثُ الشُّرُورِ، وَحَرَّكَهَا أَهْلُهَا في مَوْقِفٍ مِنَ المَوَاقفِ.

أَيُّهَا الصَّائِمُ، لَا تَنْتَقِمْ لِنَفْسِكَ وَخَاصَّةً وَأَنْتَ صَائِمٌ، لِأَنَّ صَوْمَكَ للهِ تعالى، وَاللهُ تعالى أَخْفَى لَكَ الجَزَاءَ على هَذَا الصِّيَامِ، فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ أَجْرَهُ إلا اللهُ تعالى.

أَيُّهَا الصَّائِمُ، إِذَا تَحَرَّكَ فِيكَ الغَضَبُ، وَأَرَدْتَ الانْتِقَامَ، ذَكِّرْ نَفْسَكَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ هَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ، وَقُلْ للمُسِيءِ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِكَ يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ أَنْ تَخْرُجَ عَنْ طَوْرِكَ فَتَقَعَ في لَفْظِ الكَلَامِ السَّيِّءِ أَو رَفَثِهِ الذي لَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيُّهَا الصَّائِمُ، تَذَكَّرْ إِذَا تَحَرَّكَ فِيكَ الغَضَبُ، وَأَرَدْتَ الانْتِقَامَ، خِطَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَدْعُوكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

أَيُّهَا الصَّائِمُ، تَذَكَّرْ إِذَا تَحَرَّكَ فِيكَ الغَضَبُ، وَأَرَدْتَ الانْتِقَامَ، السَّلَفَ الصَّالِحَ الذينَ اتَّبَعُوا المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، حَيْثُ جَعَلُوا شِعَارَهُمْ سَلَامَةَ صُدُورِهِمْ نَحْوَ مَنْ أَسَاؤُوا إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ دُعَائِهِمْ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وَمَا ذَاكَ إلا لاسْتِحْضَارِ الآخِرَةِ، حَيْثُ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْهَا: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

أَيُّهَا الصَّائِمُ، هَكَذَا يَدْعُوكَ القُرْآنُ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ صِيَامِكَ، وَحَتَّى لَا تُضِيعَ أَجْرَ صِيَامِكَ الذي لَا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، فَتَدَبَّرْ هَذِهِ الآيَاتِ الكَرِيمَةَ تَدَبُّرَاً جَيِّدَاً، فَالقُرْآنُ يَحْدُو بِنَا إلى الأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ، يَحْدُو بِنَا إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ النَّاسِ ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. مَا أَعْظَمَ الأَجْرَ إِذَا كَانَ مِنْ مَالِكِ المُلْكِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَلَا تَحْرِمْ نَفْسَكَ هَذَا الأَجْرَ العَظِيمَ.

حُسْنُ الخُلُقِ مِنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ مِنَ الصِّيَامِ الوُصُولُ إلى تَقْوَى اللهِ تعالى، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ أَنَّهُ انْتَفَعَ مِنْ صِيَامِهِ فَلْيَنْظُرْ إلى صِفَاتِ المُتَّقِينَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَلْيَضَعْ نَفْسَهُ في ذَاكَ المِيزَانِ.

يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾. فَهَلْ كَظَمْتَ غَيْظَكَ يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، وَأَتْبَعْتَ ذَلِكَ بِالعَفْوِ وَالإِحْسَانِ لِتَنَالَ وَعْدَ اللهِ تعالى؟

قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾. وَالمُحْسِنُ هُوَ الذي لَا يُقَابِلُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا جَمِيعَاً بِضَبْطِ النَّفْسِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ الغَضَبِ، حَتَّى لَا نُضِيعَ أَجْرَ هَذِهِ العِبَادَةِ العَظِيمَةِ التي شَرَحَ اللهُ تعالى بِفَضْلِهِ صُدُورَنَا لَهَا في زَمَنٍ كَثُرَ فِيهِ التَّفَلُّتُ مِنْ دِينِ اللهِ تعالى، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

عَلَيْنَا بِالحِلْمِ وَالأَنَاةِ، فَإِنَّهُمَا صِفَتَانِ وَخَصْلَتَانِ يُحِبُّهُمَا اللهُ تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ».

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 3/ رمضان /1437هـ، الموافق:8/حزيران / 2016م