11-دروس رمضانية 1437هـ :اغتنام فرصة الحياة

.

دروس رمضانية 1437هـ

11ـ اغتنام فرصة الحياة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَهْمَا طَالَتْ أَيَّامُهَا وَسَنَوَاتُهَا وَأَعْوَامُهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِأَصْحَابِهَا مِنْ نِهَايَةٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِفَ الإِنْسَانُ في تِلْكَ السَّاعَةِ سَاعَةِ النِّهَايَةِ وَهُوَ يُلْقِي النَّظَرَاتِ الأَخِيرَةَ على الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ وَالإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ وَالأَزْوَاجِ، وعلى الأَمْوَالِ، فَهُنَاكَ مَنْ يَتَفَطَّرُ قَلْبُهُ على الفِرَاقِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَخْفِقُ قَلْبُهُ على اللِّقَاءِ.

عِنْدَمَا يَصِيرُ الإِنْسَانُ إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ﴾. فَإِمَّا أَنْ يَتَفَطَّرَ فُؤَادُهُ حُزْنَاً وَأَلَمَاً على الفِرَاقِ، وَيَقُولَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾. وَيَقُولَ: ﴿رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

هَذَا العَبْدُ يَتَمَزَّقُ قَلْبُهُ حُزْنَاً وَأَلَمَاً على الفِرَاقِ، وَخَوْفَاً مِنَ المَآلِ وَالمَصِيرِ، حَيْثُ يُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ الجَنَّةِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدَاً مِنَ النَّارِ.

وَإِمَّا أَنْ يَخْفِقَ قَلْبُهُ حُبَّاً وَشَوْقَاً لِلِّقَاءِ، لِقَاءِ الأَحِبَّةِ، مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ، وَحُبَّاً وَشَوْقَاً للمَآلِ وَالمَصِيرِ الذي سَيَؤُولُ إِلَيْهِ، عِنْدَمَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدَاً مِنَ الجَنَّةِ.

اغْتِنَامُ فُرْصَةِ الحَيَاةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ آمَنَ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَإِنَّهُ يَغْتَنِمُ أَنْفَاسَ عُمُرِهِ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَاصَّةً في أَيَّامِ المَوَاسِمِ، كَهَذَا المَوْسِمِ مَوْسِمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، حَيْثُ يُضَاعَفُ فِيهِ الأَجْرُ على الأَعْمَالِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه البيهقي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَدِيرٌ بِالإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَعْرِفَ قِيمَةَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَعْلَمَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْهِ، التي مِنْ جُمْلَتِهَا تِلْكَ الأَيَّامُ وَالأَشْهُرُ وَالأَعْوَامُ، التي لَمْ يُمَتِّعْهُ اللهُ تعالى بِهَا سُدَىً، قَالَ تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْـمَوْتَى﴾.

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَا خَلَقَنَا سُدَىً، مَا خَلَقَنَا إلا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَخَطْبٍ جَلِيلٍ، خَلَقَنَا لِكَيْ نُطَيِّبَ حَيَاتَنَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِالقُرْبِ مِنْهُ وَمِنْ حَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَمِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْظَمِهَا أَنْ يُلْهِمَنَا اللهُ تعالى اغْتِنَامَ أَنْفَاسِ أَعْمَارِنَا في طَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالقُرْبِ مِنْهُ، إِنَّهَا التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، وَالغَنِيمَةُ البَارِدَةُ، التي يُمْسِي الإِنْسَانُ وَيُصْبِحُ فِيهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ تعالى، وَمِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَغْلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ الإِنْسَانُ هُوَ عُمُرُهُ، وَكُلُّ لَحْظَةٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هِيَ حُجَّةٌ مِنَ اللهِ تعالى قَائِمَةٌ على العَبْدِ، وَكُلُّ وَقْتٍ يَمْضِي دُونَ اسْتِغْلَالٍ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ خُسْرَانٌ مُبِينٌ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المَوْتُ حَقِيقَةٌ قَاسِيَةٌ لَا مَحِيدَ عَنْهَا، وَقَضِيَّةٌ رَهِيبَةٌ مُسَلَّمَةٌ لَا مَفَرَّ مِنْهَا، تُوَاجِهُ العَزِيزَ وَالذَّلِيلَ، تُوَاجِهُ الطَّائِعَ وَالعَاصِي، تُوَاجِهُ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى، تُوَاجِهُ الجَمِيعَ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ رَدَّاً لَهَا، أَو دَفْعَاً لَهَا.

النَّاسُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ أَمَامَ هَذِهِ الحَقِيقَةِ، وَالمَصِيرُ المَحْتُومُ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ (يَعْنِي الْـمَوْتَ)» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وروى الترمذي عَنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ رُبْعُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْـمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْـمَوْتُ بِمَا فِيهِ». وَبَعْدَ المَوْتِ عَرْضٌ وَحِسَابٌ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّا إذَا مِـتْنَا تُرِكْنَا   ***   لَكَانَ الْـمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ

وَلَكِنَّا إذَا مِـتْنَا بُعِثْنَا    ***   وَنُسْـأَلُ بَـعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيِّ

اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِتَرْكِ المَعَاصِي مَا أَحْيَيْتَنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 6/ رمضان /1437هـ، الموافق: 11/ حزيران / 2016م