12-دروس رمضانية 1437هـ:القلب هو الميزان

.

دروس رمضانية 1437هـ

12ـ القلب هو الميزان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَخْبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهَمِّ عُضْوٍ في الإِنْسَانِ، أَلَا وَهُوَ القَلْبُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

هَذِهِ المُضْغَةُ هِيَ مَحَلُّ نَظَرِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وتعالى، وَهِيَ مَحَلُّ الإِيمَانِ الذي هُوَ أَشْرَفُ وَأَعَزُّ صِفَةٍ يَتَخَلَّقُ بِهَا الإِنْسَانُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ اللهَ تعالى نَاظِرٌ إلى القُلُوبِ، فَكَمْ مِنْ قَلْبٍ أَحَبَّهُ اللهُ تعالى، وَأَحَبَّ صَاحِبَهُ، وَكَمْ مِنْ قَلْبٍ أَبْغَضَهُ وَأَبْغَضَ صَاحِبَهُ؟ وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ عِنْدَ اللهِ تعالى بِمَا يَحْتَوِيهِ قَلْبُهُ.

قُلُوبُ المُتَّقِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُلُوبُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لقُلُوبُ، القُلُوبُ هِيَ المِيزَانُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَمْ مِنْ ظَاهِرٍ مَا أَعْجَبَ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنِ انْطَوَى بَاطِنُهُ  على جَوْهَرَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

كَمْ مِنْ أُنَاسٍ يَرَاهُمُ البَعْضُ فَيَحْتَقِرُونَهُم لِمَلْبَسِهِم، أَو لِمَنْظَرِهِم، أَو لِهَيْئَتِهِم، وَلَكِنْ لَهُم قَلْبٌ وَأَيُّ قَلْبٍ، لَهُم قَلْبٌ يُحِبُّهُ اللهُ تعالى، لَو أَقْسَمَ صَاحِبُهُ على اللهِ تعالى لَأَبَرَّهُ، وَلَو كَادَهُ أَهْلُ الأَرْضِ جَمِيعَاً لَأَعْزَّهُ اللهُ وَمَا أَذَلَّهُ.

قُلُوبُ المُتَّقِينَ قُلُوبٌ مَا عَرَفَتْ إلا اللهَ تعالى، وقُلُوبٌ مَا سَجَدَتْ إِذَا سَجَدَتْ إلا للهِ تعالى، قُلُوبٌ لَا تَرْجُو إلا رَحْمَةَ اللهِ تعالى، قُلُوبٌ مَا نَطَقَتْ إلا بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَلَا تَرْجُو إلا رَحْمَةَ اللهِ تعالى، إِنَّهَا قُلُوبُ المُخْلِصِينَ المُخْلَصِينَ، قُلُوبُ المُتَّقِينَ العَابِدِينَ، قُلُوبٌ اسْتَقَرَّ فِيهَا خَوْفُ اللهِ تعالى، وَالخَشْيَةُ مِنْهُ، قُلُوبٌ مُلِئَتْ رَحْمَةً على خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِينَ، قُلُوبٌ تُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

القَلْبُ هُوَ المِيزَانُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القَلْبُ هُوَ المِيزَانُ في صَلَاحِ الأَعْمَالِ، القَلْبُ هُوَ المِيزَانُ في القُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَارِجَيْنِ مِنَ الْـمَسْجِدِ، فَلَقِينَا رَجُلَاً عِنْدَ سُدَّةِ الْـمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟».

قَالَ: فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ.

قَالَ: «فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». وَالحُبُّ الحَقِيقِيُّ هُوَ الذي وَقَرَ القَلْبُ.

هَذَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أفْضَلُ الصَّحَابَةِ على الإِطْلَاقِ، وَأَعْلَاهُمْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَكَانَاً وَشَأْنَاً، قَدْ فَدَى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرُوحِهِ وَمَالِهِ، فَنَالَ تِلْكَ المَرْتَبَةَ بِمَا قَدَّمَ، وَ بِشَيْءٍ وَقَرَ في قَلْبِهِ، أَلَا وَهُوَ اليَقِينُ بِاللهِ تعالى، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟».

قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ. رواه الحاكم والترمذي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

بِشَيْءٍ وَقَرَ في قَلْبِهِ، أَلَا وَهُوَ الرَّحْمَةُ بِخَلْقِ اللهِ تعالى: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القَلْبُ هُوَ المِيزَانُ، فَبِمِقْدَارِ سَلَامَتِهِ مِنَ الحِقْدِ وَالحَسَدِ بِمِقْدَارِ سَلَامَتِهِ في الآخِرَةِ، «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ؛ يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

القَلْبُ هُوَ المِيزَانُ، فَبِمِقْدَارِ نَقَائِهِ وَصَفَائِهِ يَكُونُ القُرْبُ مِنَ اللهِ تعالى، كُلُّنَا يَذْكُرُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

ثمَّ في آخِرِ الحَدِيثِ: سَأَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بِنْ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا هَذَا الرَّجُلَ عَنْ عَمَلِهِ الذي أَوْصَلَهُ تِلْكَ المَنْزِلَةَ؟

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ غِشَّاً، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدَاً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ مَنْ كَانَ نَقِيَّ القَلْبِ وَالسَّرِيرَةِ، السَّعِيدُ مَنْ كَانَ مَخْمُومَ القَلْبِ، الذي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ، السَّعِيدُ هُوَ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ تعالى أَنْ يَنْظُرَ إلى قَلْبِهِ وَفِيهِ غِلٌّ على إِنْسَانٍ أَو حِقْدٌ أَو بُغْضٌ أَو شَحْنَاءُ.

أَيْنَ أَثَرُ الطَّاعَاتِ على القُلُوبِ؟ قُلُوبُ أَهْلِ الطَّاعَةِ قُلُوبٌ سَلِيمَةٌ نَقِيَّةٌ مُحِبَّةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ، تَغَلْغَلَتْ فِيهَا الرَّحْمَةُ على خَلْقِ اللهِ تعالى؛ القُلُوبُ إِذَا تَغَيَّرَتْ، وَالنُّفُوسُ إِذَا تَبَدَّلَتْ، أَظْهَرَ اللهُ تعالى مَا في الـسَّرَائِرِ على الظَّوَاهِرِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ يُصْلِحَ اللهُ قَلْبَاً إلا بِسَلَامَةِ صَاحِبِهِ مِنْ أَذِيَّةِ النَّاسِ، فَلَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ إلا طَيِّبَاً، وَلَا يَرَوْنَ مِنْهُ إلا خَيْرَاً.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قُلُوبَاً سَلِيمَةً تُحِبُّهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 6/ رمضان /1437هـ، الموافق: 11/ حزيران / 2016م