18-دروس رمضانية 1437هـ: رمضان شهر المرابح

.

دروس رمضانية 1437هـ

18ـ رمضان شهر المرابح

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَعَانَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ إلى أَنْ نُنْفِقَ في سَبِيلِ اللهِ مِمَّا رَزَقَنَا، وَجَعَلَنَا مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الصَّدَقَةِ، روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ».

فَالصَّدَقَةُ في شَهْرِ رَمَضَانَ لَهَا مَزِيَّةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ في غَيْرِهِ، وَخَاصَّةً في إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمَاً، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» رواه الإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

رَمَضَانُ شَهْرُ المَرَابِحِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ المَرَابِحِ، شَهْرٌ فَضْلُهُ ظَاهِرٌ، وَبِالخَيْرَاتِ زَاخِرٌ، وَنَفَحَاتُهُ لَا تُعَدُّ، وَخَيْرَاتُهُ لَا تُحْصَى، وَثَمَرَاتُهُ لَا تُسْتَقْصَى، فَلْنُرِ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرَاً، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْتَهِدُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، وَخَاصَّةً في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ في كُلِّ العِبَادَاتِ مَا لَا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.

فَالمُسَوِّلُ وَالمُسَوِّفُ رَجُلٌ كَسُولٌ، وَمَنْ دَامَ كَسَلُهُ خَابَ أَمَلُهُ، وَتَحَقَّقَ فَشَلُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ في هَذَا الشَّهْرِ وَتَقَرَّبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَاصَّةً في نَفْعِ الآخَرِينَ، السَّعِيدُ مَنْ عَمِلَ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَبِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرَاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعَاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعَاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعَاً، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيَاً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنَ الأَسْبَابِ التي تُقَرِّبُ العَبْدَ إلى اللهِ تعالى الإِنْفَاقُ وَالبَذْلُ وَالإِشْفَاقُ، وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَوَادَاً كَرِيمَاً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الفَقْرَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْـمُرْسَلَةِ.

وَلْنَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي يَرْوِيهِ الإمام مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى».

تَذَكَّرُوا الأَكْبَادَ الجَائِعَةَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَذَكَّرُوا الأَكْبَادَ الجَائِعَةَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَزْمَةِ ـ وَاللهُ تعالى بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ كَانَ سَبَبَاً فِيمَا حَلَّ بِهَذَا البَلَدِ ـ تَذَكَّرُوا أَصْحَابَ الخَصَاصَةِ وَالخَمَاصَةِ، تَذَكَّرُوا أَصْحَابَ الحَاجَةِ، أَعِينُوهُمْ وَأَغْنُوهُمْ عَنِ المَسْأَلَةِ، وَخَاصَّةً مِمَّنْ كَانَ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلَ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْـمُعْتَرَّ﴾. وَأَغِيثُوا الجَائِعَ وَالمُضْطَرَّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَعَانَا القُرْآنُ العَظِيمُ إلى الإِنْفَاقِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

لِنُنْفِقْ فَلَعَلَّنَا أَنْ لَا نُدْرِكَ رَمَضَانَ آخَرَ، لِنُنْفِقْ وَلْنُطْعِمِ الطَّعَامَ، وَلْنَكُنْ مِمَّنِ امْتَدَحَهُمُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينَاً وَيَتِيمَاً وَأَسِيرَاً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورَاً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمَاً عَبُوسَاً قَمْطَرِيرَاً * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرَاً﴾.

لِنُنْفِقْ وَلْنُطْعِمِ الطَّعَامَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَسْقِيَنَا مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنَاً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنَاً عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْـمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنَاً عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَيْسَرَ العَمَلَ على مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، وَمَا أَيْسَرَ الإِنْفَاقَ وَإِطْعَامَ الطَّعَامِ، وَمَا أَعْظَمَ الأَجْرَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» رواه الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ بَادِرُوا إِلَيْهَا: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمَاً، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ». اغْتَنِمُوا هَذِهِ الأَيَّامَ، فَلَنْ تَجِدُوا صَائِمِينَ دَائِمَاً وَأَبَدَاً، فَلَكُمْ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْءٌ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَخْرِجْ مِنْ قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 9/ رمضان /1437هـ، الموافق: 14/ حزيران / 2016م