495ـ خطبة الجمعة: أناس بلا قلوب

.

495ـ خطبة الجمعة: أناس بلا قلوب

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ أُنَاسٌ بِلَا قُلُوبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ القَلْبَ الغَافِلَ، وَالقَلْبَ الشَّارِدَ، لَا يُعْتَبَرُ قَلْبَاً حَيَّاً، إِنَّمَا القَلْبُ الحَيُّ هُوَ الذي يَنْتَفِعُ بِكَلَامِ اللهِ تعالى، وَبِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.

إِنَّمَا القَلْبُ الحَيُّ هُوَ الذي يَسْتَجِيبُ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

ذِكْرُ الآخِرَةِ يُحَرِّكُ القُلُوبَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ أُنَاسٌ بِلَا قُلُوبٍ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ شَارِدَةٌ لَاهِيَةٌ، تَحْتَاجُ إلى تَذْكِيرٍ بِالآخِرَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الآخِرَةِ يُحَرِّكُ القُلُوبَ، فَمَا الذي يُحَرِّكُهَا؟ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الجَنَّةِ يُشَوِّقُ القُلُوبَ، فَمَا الذي يُشَوِّقُهَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ النَّارِ يُخِيفُ القُلُوبَ، فَمَا الذي يُخِيفُهَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ هُوَ الضَّابِطُ الحَقِيقِيُّ لِسُلُوكِ الإِنْسَانِ ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. فَالإِيمَانُ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالأَهْوَالِ لَهُوَ المُحَرِّكُ الحَقِيقِيُّ لِهَذَا الإِنْسَانِ.

فَلَا رَادِعَ للعُصَاةِ عَنْ عِصْيَانِهِمْ إلا بِذِكْرِ ذَلِكَ اليَوْمِ الرَّهِيبِ، كَمَا أَنَّهُ لَا مُشَوِّقَ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ للزِّيَادَةِ في صَلَاحِهِمْ إلا بِذِكْرِ ذَلِكَ اليَوْمِ الذي قَالَ تعالى فِيهِ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾.

﴿وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ مُنْطَلَقِ الرَّحْمَةِ، مِنْ مُنْطَلَقِ المَحَبَّةِ، مِنْ مُنْطَلَقِ الأُخُوَّةِ في اللهِ تعالى، مِنْ مُنْطَلَقِ الشَّفَقَةِ، وَمِنْ مُنْطَلَقِ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. أَتَوَجَّهُ إلى أَهْلِ هَذَا البَلَدِ الحَبِيبِ، حَيْثُ كَثُرَ فِيهِ الإِجْرَامُ وَالمُجْرِمُونَ، وَكَأَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ غَابَ عَنِ الأَبْصَارِ وَالبَصَائِرِ، لِأُذَكِّرَ نَفْسِي وَكُلَّ وَاحِدٍ فِينَا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. بِاللهِ عَلَيْكُمْ مَنْ يُرْضِيهِ هَذَا المَآلُ؟ وَمَنْ يُرْضِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُجْرِمِينَ؟

النَّارُ دَارُ الخِزْيِ وَالبَوَارِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ تعالى مِنَ النَّارِ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارَاً تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.

النَّارُ هِيَ دَارُ الخِزْيِ وَالبَوَارِ، دَارُ العَذَابِ وَالنَّكَالِ، كَمْ حَذَّرَنَا مِنْهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَأَعْطَانَا صُوَرَاً عَنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْهُم وَهُمْ يَسْتَغِيثُونَ وَلَكِنْ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾. فَيَأْتِيهِمُ الرَّدُّ: ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾. بِاللهِ عَلَيْكُمْ مَنْ يُرْضِيهِ هَذَا الخِزْيُ وَالبَوَارُ؟ مَنْ يُرْضِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ سَقَرَ، وَهُوَ يَرَى وَيَسْمَعُ أَهْلَ الجَنَّةِ يَسْأَلُونَهُمْ: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْـمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ كَانَ مُجْرِمَاً وَعَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، وَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ رَاجِعَاً إلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُولُوا لِمَنْ أَجْرَمَ في حَقِّ هَذَا البَلَدِ وَأَهْلِهِ، لَقَدْ أَنْذَرَكَ رَبُّ العِزَّةِ وَحَذَّرَكَ مِنْ يَوْمِ الـحَسْرَةِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَتُبْ إلى اللهِ تعالى، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ، وَنُنَادِي في أَرْضِ المـَحْشَرِ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾. لِنَتَدَارَكْ أَنْفُسَنَا قَبْلَ المَوْتِ، وإلا فَالمَصِيرُ سَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، حَيْثُ يُنَادِي المُنَادِي مِنْهُمْ نَدَمَاً وَلَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعَاً فَاسْلُكُوهُ﴾. وَاللهِ أُرِيدُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ لَا مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، فَدَارُ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لَا مَقَرٍّ؛ اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قُلُوبَاً حَيَّةً يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ رمضان /1437هـ، الموافق: 17/حزيران / 2016م