27-دروس رمضانية 1437هـ:﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

.

دروس رمضانية 1437هـ

27ـ ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ النَّعِيمِ الذي لَا يُدْرِكُهُ إلا العُقَلَاءُ الفُطَنَاءُ، هُوَ نَظَرُ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ إلى العَبْدِ الفَاسِقِ الفَاجِرِ الكَافِرِ، ثمَّ تُذَكُّرُ نِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ في الهِدَايَةِ لِدِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ أَنْ يَكُونَ كَهَذَا الفَاسِقِ في فِسْقِهِ، وَكَهَذَا الفَاجِرِ في فُجُورِهِ، وَكَهَذَا الكَافِرِ في كُفْرِهِ.

نِعْمَةُ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى، وَالإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا تُوَازِيهَا نِعْمَةٌ، وَلَا يُدْرِكُهَا إلا مَنْ شَرَحَ اللهُ تعالى صَدْرَهُ للإِسلَامِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ، إِنَّهَا نِعْمَةٌ وَكَفَى بِهَا نِعْمَةً، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورَاً مُبِينَاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً﴾. إِنَّهَا المِنَّةُ العَظِيمَةُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ النِّعْمَةُ العَظِيمَةُ التي مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَيْنَا تَسْتَوْجِبُ دَوَامَ الشُّكْرِ للهِ تعالى، وَاسْتِشْعَارَ عَظَمَةِ نِعْمَةِ الهِدَايَةِ، روى الإمام مسلم عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَتَذَكَّرْ على الدَّوَامِ نِعْمَةَ الهِدَايَةِ للإِسْلَامِ، وَشَرْحَ الصُّدُورِ للإِيمَانِ، وَلْنَتَذَكَّرْ على الدَّوَامِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾.

هَلْ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ تعالى؟ وَاللهِ لَا يَسْتَوُونَ، قَالَ تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.

لَا يَسْتَوُونَ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا؛ المُؤْمِنُ حَيَاتُهُ طَيِّبَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَأَمَّا الفَاسِقُ فَحَيَاتُهُ في شَقَاءٍ وَضَنْكٍ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً﴾.

لَا يَسْتَوُونَ في حَيَاتِهِمُ البَرْزَخِيَّةِ؛ المُؤْمِنُ قَبْرُهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ؛ وَالفَاسِقُ قَبْرُهُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، روى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ».

لَا يَسْتَوُونَ في أَرْضِ المَحْشَرِ؛ المُؤْمِنُ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَتَقَلَّبُ في نِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ، حَيْثُ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ؛ وَأَمَّا الفَاسِقُ فَيَخُوضُ في عَرَقِهِ في أَرْضِ المَحْشَرِ إلى مَا شَاءَ اللهُ، حَتَّى يَسْأَلَ اللهَ تعالى أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ ذَاكَ المَوْقِفِ وَلَو إلى نَارِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصِيرُ.

المِيزَانُ الحَقِيقِيُّ للنَّاسِ عِنْدَ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ وَالفَاسِقُ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ تعالى، فَالمُؤْمِنُ هُوَ الأَحَقُّ بِالأَمْنِ مِنَ الفَاسِقِ، وَهُوَ أَجْدَرُ بِالفَوْزِ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيرِ وَالإِجْلَالِ وَالاحْتِرَامِ مِنْهُ، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ تعالى غَالٍ.

روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟».

فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ.

قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾. المِقْيَاسُ الحَقِيقِيُّ للنَّاسِ عِنْدَ اللهِ تعالى هُوَ الإِيمَانُ، فَلَا يَسْتَوِي المُؤْمِنُ مَعَ الفَاسِقِ عِنْدَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلَاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدِّرُوا نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْكُمْ، نِعْمَةَ الإِيمَانِ، الذي بِهِ يُكْرِمُ اللهُ تعالى العَبْدَ بِكُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَيُثَبِّتُ في قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ، وَالعَطْفَ، وَالعَدْلَ، وَالصِّدْقَ، وَالإيثَارَ، وَالحِلْمَ، وَالصَّبْرَ، وَالشُّكْرَ، وَالتَّوَاضُعَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَدِّرُوا نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْكُمْ، نِعْمَةَ الإِيمَانِ، حَيْثُ طَهَّرَكُمُ اللهُ تعالى بِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالقَتْلِ، وَالظُّلْمِ، وَالعُدوَانِ، وَالبَغْيِ، وَالقَسْوَةِ، وَالغَفْلَةِ، وَالمَكْرِ، وَالخِدَاعِ، وَالكَذِبِ، وَأَكْلِ الحَرَامِ، وَالرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالمُوبِقَاتِ، وَالفِسْقِ، وَالفُجُورِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ يَحْفَظُكَ اللهُ تعالى مِنَ الفِسْقِ وَالفُجُورِ، بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ تَكُونُ سَبَبَاً لِطَهَارَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ كُلِّ نَاقِصَةٍ وَرَذِيلَةٍ، لِأَنَّ الإِيمَانَ يَمْنَعُكَ مِنَ الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ، بَلْ يَأْمُرُكَ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ العِبَادِ.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ﴾. مَا عَمَّتِ الفَوْضَى، وَلَا قُوِّضَتْ أَرْكَانُ الأَمْنِ، وَلَا انْتَشَرَ السَّلْبُ وَالنَّهْبُ وَالقَتْلُ، وَمَا تَكَاثَرَتِ المَآسِي وَلَا الكَوَارِثُ وَالطَّامَّاتُ إلا بِسَبَبِ الفَاسِقِينَ.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ حَتَّى يَأْمَنَ النَّاسُ بَوَائِقَنَا وَشُرُورَنَا، وَأَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ حَتَّى يَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ أَلْسِنَتِنَا وَأَيْدِينَا، وَحَتَّى نَفُوزَ مِنْكَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 14/ رمضان /1437هـ، الموافق: 19/ حزيران / 2016م