32-دروس رمضانية 1437هـ:السعادة ليست بالمال

.

دروس رمضانية 1437هـ

32ـ السعادة ليست بالمال

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: طَرِيقُ السَّعَادَةِ أَمَامَنَا مَفْتُوحٌ بِحَمْدِ اللهِ تعالى، فَلِمَاذَا لَا نَسْلُكُهُ؟ طَرِيقُ الرُّقِيِّ وَالفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ وَاضِحٌ، فَلِمَاذَا نَعْدِلُ وَنَحِيدُ عَنْهُ وَنَتْرُكُهُ؟

هَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الذي دَعَانَا إِلَيْهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. وَأَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَهُ للهِدَايَةِ إِلَيْهِ هِدَايَةَ مَعُونَةٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. وَبَيَّنَ لَنَا مَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾.

هَلْ هُنَاكَ طَرِيقٌ أَفْضَلُ وَأَصْلَحُ وَأَنْجَحُ للإِنْسَانِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الذي يُسْعِدُنَا دُنْيَا وَأُخْرَى؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَّاً، وَخَطَّ عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ الْخَطِّ، وَعَنْ شِمَالِهِ خَطَّاً، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمَاً، وَهَذِهِ السُّبُلُ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.

السَّعَادَةُ لَا تَكُونُ بِالمَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ظَنَّ بِأَنَّ السَّعَادَةَ بِالمَالِ، وَهَذَا وَهْمٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ جَمَعَ المَالَ كَانَ سَعِيدَاً، فَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْوَالِ وَالثَّرَوَاتِ يَعِيشُونَ في شَقَاءٍ وَتَعَاسَةٍ دَائِمَةٍ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.

لَقَد تَعِبُوا في جَمْعِهِ، وَتَعِبُوا في حِفْظِهِ، وَتَعِبُوا عِنْدَ فِرَاقِهِ، فَكَانُوا في قَلَقٍ عِنْدَ جَمْعِهِ، وَعِنْدَ حِفْظِهِ، وَعِنْدَ فِرَاقِهِ، فَهَلْ هُمْ سُعَدَاءُ في ذَلِكَ؟ يَعِيشُونَ في قَلَقٍ وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَزْمَةِ، قَلَقٌ في اللَّيْلِ وفي النَّهَارِ، يَخَافُونَ مِنْ خَطْفٍ أَو قَتْلٍ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَمْشِيَ طَلِيقَاً وحُرَّاً، يَحْتَارُ عِنْدَ سَفَرِهِ، وَيَحْتَارُ في كُلِّ حَرَكَاتِهِ بِسَبَبِ المَالِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بِئْسَ السَّعَادَةُ بِالمَالِ إِذَا كَانَ المَآلُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.

بِئْسَ السَّعَادَةُ بِالمَالِ إِذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ وَالمَآلُ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْـصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْـمُنْتَصِرِينَ﴾.

بِئْسَ السَّعَادَةُ بِالمَالِ إِذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ وَالمَآلُ عِنْدَمَا يَقُولُ صَاحِبُهُ: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعَاً فَاسْلُكُوهُ﴾. أَيُّ سَعَادَةٍ كَانَتْ، إِذَا كَانَتْ هَذِهِ النِّهَايَةُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا تَكُونُ حَيَاتُنَا طَيِّبَةً، وَذَلِكَ بِسُلُوكِنَا الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ الذي رَسَمَهُ اللهُ تعالى لَنَا مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَمِنْ خِلَالِ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا يَكُونُ قَبْرُنَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، لَا حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ.

السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا يَقُولُ أَحَدُنَا في أَرْضِ الـمَحْشَرِ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾.

السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا يُقَالُ لِأَحَدِنَا: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.

السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا نَكُونُ ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾.

السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ عِنْدَمَا نَكُونُ مِنْ أَهْلِ مَنْ يَقُولُ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَنْ تَتَحَقَّقَ السَّعَادَةُ إلى بِسُلُوكِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 16/ رمضان /1437هـ، الموافق: 21/ حزيران / 2016م