55ـ مع الصحابة وآل البيت: سيدنا الحسن رَضِيَ اللهُ عَنهُ أسخى أهل زمانه

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

55ـ سيدنا الحسن رَضِيَ اللهُ عَنهُ أسخى أهل زمانه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد تَرَبَّى آلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم على خُلُقِ الكَرمِ والجُودِ، وَكَثْرَةِ الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، مُتَأَثِّرِينَ وَمُتَأَسِّينَ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ يُعْطِي عَطَاءَ مَن لا يَخْشَى الفَقْرَ.

لَقَد عَلِمَ آلُ البَيْتِ والصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّ الصَّدَقَةَ لَهَا أَثَرٌ عَظِيمٌ في تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، قَالَ تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

لَقَد عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّ بِدَايَةَ انْطِلاقِ النُّفُوسِ إلى رِضَا اللهِ تعالى، وَتَخَلُّصَهَا من الخُلُودِ إلى الأَرْضِ والشَّهَوَاتِ المُهْلِكَةِ، وَتَطْهِيرَهَا من الشُّحِّ، يَكُونُ بِدَوَامِ الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، حَتَّى يَصِيرَ سَجِيَّةً من سَجَايَاهَا، فَتَزْهَدَ في المَالِ، وَيَخْرُجَ حُبُّهُ من القُلُوبِ؛ فلا يَفْرَحُ صَاحِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ، ولا يَحْزَنُ على نُقْصَانِهِ، مِصْدَاقَاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ واللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

فَوَائِدُ الصَّدَقَةِ والسَّخَاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَلِمَ آلُ البَيْتِ والصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّ للصَّدَقَةِ أَثَرَاً عَظِيمَاً في تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، وَبِذَلِكَ فَلَاحُهُم ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾. وَعَلِمُوا بِأَنَّ لَهَا فَوَائِدَ أُخْرَى عَاجِلاً وآجِلاً.

أولاً: هِيَ تِجَارَةٌ وَاسْتِثْمَارٌ للمَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّ الصَّدَقَةَ تِجَارَةٌ وَاسْتِثْمَارٌ للمَالِ مَعَ اللهِ تعالى، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ، مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ (المُهْرُ الصَّغِيرُ) حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ».

ثانياً: هِيَ حِجَابٌ من النَّارِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنَّ الصَّدَقَةَ حِجَابٌ من النَّارِ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِن النَّارِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِن الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِن الشَّبْعَانِ». يَعْنِي: تَقَعُ مِنَ الجَائِعِ مَوْقِعَهَا مِنَ الشَّبْعَانِ، وَكَأَنَّ الجَامِعَ بَيْنَهُمَا في ذَلِكَ حَلَاوَتُهَا.

وروى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». وفي الحَدِيثِ حَثٌّ على الصَّدَقَةِ بِمَا قَلَّ وَمَا جَلَّ، وَأَنْ لا يَحْتَقِرَ العَبْدُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ وَإِنَّ اليَسِيرَ من الصَّدَقَةِ يَسْتُرُ المُتَصَدِّقَ من النَّارِ.

ثالثاً: هِيَ ظِلٌّ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنَّ الصَّدَقَةَ ظِلٌّ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الإمام أحمد والحاكم عَن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ، حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ـ أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ ـ».

رابعاً: الصَّدَقَةُ لا تُنْقِصُ المَالَ، واللهُ يُخْلِفُهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد عَلِمُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لا تُنْقِصُ المَالَ، واللهُ يُخْلِفُهُ أَضْعَافَاً مُضَاعَفَةً عَاجِلاً أَمْ آجِلاً، قَالَ تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ـ ثمَّ قَالَ: ـ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِزَّاً، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ».

إِنْفَاقُ سَيِّدِنَا الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما الذي تَرَبَّى في بَيْتِ أَكْرَمِ الكُرَمَاءِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ يُعْطِي عَطَاءَ مَن لا يَخْشَى الفَقْرَ أَبَدَاً، تَسَلْسَلَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الخُلَّةُ الكَرِيمَةُ، وتَشَرَّبَتْهَا نَفْسُهُ في الطُّفُولَةِ، حَتَّى صَارَ مَضْرِبَ مَثَلٍ في الجُودِ والسَّخَاءِ، وَقُدْوَةً لِعُظَمَاءِ الرِّجَالِ.

أولاً: مَا حَمَلَكَ على هَذَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في البِدَايَةِ والنِّهَايَةِ: أَنَّ سَيِّدَنَا الحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَأَى غُلَامَاً في حَائِطٍ من حَوَائِطِ المَدِينَةِ، يَأْكُلُ من رَغِيفٍ لُقْمَةً، وَيُطْعِمُ كَلْبَاً هُنَاكَ لُقْمَةً.

فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟

فَقَالَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ أَنْ آكُلَ ولا أُطْعِمَهُ.

فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ: لا تَبْرَحْ مِن مَكَانِكَ حَتَّى آتِيكَ؛ فَذَهَبَ إلى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الحَائِطَ الذي هُوَ فِيهِ؛ فَأَعْتَقَهُ وَمَلَّكَهُ الحَائِطَ.

فَقَالَ الغُلَامُ: يَا مَوْلَايَ، قَد وَهَبْتُ الحَائِطَ للذي وَهَبْتَنِي لَهُ.

ثانياً: لا تَرُدُّوا عَلَيَّ مَعْرُوفِي:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: من صُوَرِ السَّخَاءِ عِنْدَ سَيِّدِنَا الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، مَا جَاءَ في سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ؛ قَالَ أَبُو هَارُونَ العَبْدِيُّ: انْطَلَقْنَا حُجَّاجَاً، فَدَخَلْنَا المَدِينَةَ، فَدَخَلْنَا على الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَسِيرِنَا وَحَالِنَا، فَلَمَّا خَرَجْنَا بَعَثَ إلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِأَرْبَعَمِائَةٍ، فَرَجَعْنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِيَسَارِنَا.

فَقَالَ: لا تَرُدُّوا عَلَيَّ مَعْرُوفِي، فَلَوْ كُنْتُ في غَيْرِ هَذِهِ الحَالِ لَكَانَ هَذَا لَكُم يَسِيرَاً، أَمَا إِنِّي مُزَوِّدُكُم: إِنَّ اللهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِعِبَادِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَد أَعْطَى أُوْلَئِكَ الحُجَّاجَ ذَلِكَ المَالَ مَعَ ظُهُورِ يَسَارِهِم، فَكَيْفَ الحَالُ لَوْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ، وَحِينَمَا أَظْهَرُوا لَهُ عَدَمَ حَاجَتِهِم لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُم رَدَّ ذَلِكَ المَالِ؛ وَهَذَا دَلِيلٌ على قُوَّةِ الدَّافِعِ في نَفْسِهِ نَحْوَ السَّخَاءِ وَالجُودِ، وَلَمْ يَنْسَ أَنْ يُزَوِّدَهُم بِمَا هُوَ خَيْرٌ من ذَلِكَ، حَيْثُ ذَكَّرَهُم بِفَضْلِ يَوْمَ عَرَفَةَ، الذي يُبَاهِي اللُه تعالى بِهِ مَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

ثالثاً: سَأَرُدُّهَا عَنْكَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: من أَخْبَارِ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَسَخَائِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ دَخَلَ على أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: وَاكَرْبَاهُ وَاحُزْنَاهُ.

فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ: وَمَا الذي أَحْزَنَكَ يَا عَمُّ؟

فَقَالَ لَهُ: أَي ابْنَ رَسُولِ اللهِ، عَلَيَّ دَيْنٌ مِقْدَارُهُ سِتُّونَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَا أَتَمَكَّنُ من رَدِّهِ.

فَقَالَ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: سَأَرُدُّهَا عَنْكَ.

فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: فَكَّ اللهُ رِهَانَكَ يَا ابْنَ النَّبِيِّ، إِنَّ اللهَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَكَذَا تَرَبَّى آلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَكَذَا كَانَتْ سِيرَتُهُمُ العَطِرَةُ؛ جَاءَ في تَارِيخِ اليَعْقُوبِيِّ: قِيلَ للحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَن أَحْسَنُ النَّاسِ عَيْشَاً؟

قَالَ: مَن أَشْرَكَ النَّاسَ في عَيْشِهِ.

وَقِيلَ لَهُ: مَن شَرُّ النَّاسِ عَيْشَاً؟

قَالَ: مَن لا يَعِيشُ في عَيْشِهِ أَحَدٌ.

القُلُوبُ تُكْتَسَبُ بالمَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الدُّنْيَا التي خُلِقْنَا فِيهَا، وَسَخَّرَهَا اللهُ تعالى لَنَا، يَجِبُ أَنْ نَجْعَلَهَا هَمْزَةَ وَصْلٍ لا هَمْزَةَ قَطْعٍ بَيْنَنَا، يَجِبُ عَلَيْنَا بَذْلُهَا على قَدْرِ الاسْتِطَاعَةِ، من أَجْلِ دَعْوَةِ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى.

روى الإمام مسلم عَن ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِن الْـمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَـنَصَرَ اللهُ دِينَهُ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِن النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْـمُسَيَّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ: واللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ.

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئَاً إِلَّا أَعْطَاهُ.

قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَأَعْطَاهُ غَنَمَاً بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدَاً يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ.

نَعَم أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، على هَذَا تَرَبَّى الأَصْحَابُ الكِرَامُ وَآلُ البَيْتِ الأَطْهَارُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ تعالى من أَعْظَمِ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُوَ مَفْتُوحٌ للمُوسِرِينَ أَكْثَرَ من غَيْرِهِم، من خِلالِهِ دَخَلَ سَادَاتُ الأُمَّةِ الجَنَّةَ، مِثْلُ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَغَيْرِهِم من الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً؛ فَهَلْ يَغْتَنِمُ المُوسِرُونَ هَذِهِ الأَزْمَةَ بالسَّخَاءِ والجُودِ والكَرَمِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سُئِلَ سَيِّدُنَا الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ نَرَاكَ لا تَرُدُّ سَائِلَاً وَإِنْ كُنْتَ على فَاقَةٍ.

فَقَالَ: إِنِّي للهِ سَائِلٌ، وَفِيهِ رَاغِبٌ، وَإِنَّ اللهَ تعالى عَوَّدَنِي عَادَةً؛ عَوَّدَنِي أَنْ يُفِيضَ نِعَمَهُ عَلَيَّ، وَعَوَّدْتُهُ أَنْ أُفِيضَ نِعَمَهُ على النَّاسِ، فَأَخْشَى إِنْ قَطَعْتُ عَادَتِي، أَنْ يَمْنَعَنِي عَادَتَهُ.

اللَّهُمَّ أَخْرِجْ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 8/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 17/آذار/ 2016م