65ـ كلمات في مناسبات: ما هو الهم الذي يسيطر على قلوبنا؟

.

65ـ كلمات في مناسبات: ما هو الهم الذي يسيطر على قلوبنا؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كُلُّ إِنْسَانٍ في هَذِهِ الدُّنْيَا يَعْمَلُ، وَيُخَطِّطُ لِهَذَا العَمَلِ، وَيُجِدُّ وَيَجْتَهِدُ في أَنْ يَكُونَ نَاجِحَاً فِيهِ بِنِسْبَةٍ عَالِيَةٍ، وَيَجْعَلُ هَمَّهُ وَدَأْبَهُ النَّجَاحَ فِيمَا قَامَ بِهِ؛ وَهَذَا شَيْءٌ حَسَنٌ.

وَلَكِنْ؛ أَيْنَ الذي يُفَكِّرُ في مَصِيرِهِ في الآخِرَةِ؟ أَيْنَ الذي يَرْبِطُ جَمِيعَ أَقْوَالِه وَأَفْعَالِهِ في آخِرَتِهِ؟ أَيْنَ الذي يَفْرَحُ إِذَا فَرِحَ للآخِرَةِ؟ وَأَيْنَ الذي يَحْزَنُ إِذَا حَزِنَ للآخِرَةِ؟ أَيْنَ الذي يَرْضَى للآخِرَةِ، وَيَغْضَبُ لَهَا؟ أَيْنَ الذي يَجْعَلُ جَمِيعَ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ مُرْتَبِطَةً بالآخِرَةِ؟ أَيْنَ الذي يَجْعَلُ هَمَّهُ الآخِرَةَ؟

صَاحِبُ الهَمِّ الأُخْرَوِيِّ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ العَبْدَ الذي جَعَلَ هَمَّهُ الآخِرَةَ هُوَ الذي جَرَّدَ نَفْسَهُ للهِ تعالى، وَلَمْ يَجْعَلْ في قَلْبِهِ هَمَّاً إلا الفَوْزَ بِرِضَا اللهِ تعالى في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ».

وفي رِوَايَةٍ لابن ماجه عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَت الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يُكْرِمُهُ بِنِعَمٍ ثَلاثٍ، وَنِعَمُ اللهِ تعالى لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، وَلَو عَلِمَ النَّاسُ هَذِهِ النِّعَمَ الثَّلاثَ لَجَالَدُوهُ عَلَيْهَا بِالسُّيُوفِ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ، هَذِهِ النِّعَمُ الثَّلاثُ هِيَ:

أولاً: جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ وَأَمْرَهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَوَّلُ هَذِهِ النِّعَمِ، يَجْمَعُ اللهُ تعالى لَهُ شَمْلَهُ وَأَمْرَهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثَيْنِ الـشَّرِيفَيْنِ: «وَجَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ» والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: «جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ». يَعْنِي: يُعْطِيهِ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى السَّكِينَةَ والطُّمَأْنِينَةَ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ أَفْكَارَهُ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ أَبْنَاءَهُ، وَأَقْرِبَاءَهُ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَيَجْمَعُ عَلَيْهِ القُلُوبَ.

ثانياً: جَعَلَ اللهُ تعالى غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ثَانِي هَذِهِ النِّعَمِ، وَهِيَ من أَجَلِّ النِّعَمِ، يَجْعَلُ اللهُ تعالى غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ». وَهَذَا هُوَ الغِنَى الحَقِيقِيُّ، كَمَا بَيَّنَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ اللهُ تعالى رَاضِيَاً بِمَا آتَاهُ «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثالثاً: تَأْتِيهِ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ثَالِثُ هَذِهِ النِّعَمِ، هِيَ مَجِيءُ الدُّنْيَا إِلَيْهِ وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فلا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، ولا يَنْشَغِلُ بِهَا، وَيَأْخُذُ مِنْهَا مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ، ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْذُلُهَا للهِ تعالى، وَيَتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى.

مَا هُوَ الهَمُّ الذي يُسَيْطِرُ على قُلُوبِنَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السُّؤَالُ الذي يَطْرَحُ نَفْسَهُ: مَا هُوَ الهَمُّ الذي يُسَيْطِرُ على قُلُوبِنَا، وعلى حَيَاتِنَا؟ وَمَا هُوَ الهَمُّ الأَكْبَرُ الذي نَسْعَى إِلَيْهِ؟ هَلْ هُوَ الهَمُّ الذي اسْتَعَاذَ مِنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا»؟ رواه الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدَاً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ. رواه الإمام البخاري.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا الهَمَّ الأَكْبَرَ في حَيَاتِنَا ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ فَإِنَّ هَذِهِ مُصِيبَةُ المَصَائِبِ، لِأَنَّهُ مَن كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَشَمْلَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِن الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ الهَمَّ الأَكْبَرَ الذي يَشْغَلُهُ، فَلْيَنْظُرْ في أَحْوَالِهِ، مَا الذي يُفَكِّرُ فِيهِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ؟ مَا الذي يُفَكِّرُ فِيهِ قَبْلَ نَوْمِهِ؟ مَا الذي يُفَكِّرُ فِيهِ أَثْنَاءَ صَلاتِهِ وَعِبَادَاتِهِ؟ مَا هُوَ الـشَّيْءُ الذي يُفْرِحُهُ إِذَا حَصَلَ عَلَيْهِ؟ وَمَا هُوَ الشَّيْءُ الذي يُحْزِنُهُ إِذَا فَقَدَهُ؟ وَمَا هِيَ أُمْنِيَتُهُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ هَمَّهُ الأَكْبَرَ مَا هُوَ، فَلْيَنْظُرْ في دُعَائِهِ الذي يُكْثِرُ مِنْهُ، وَمَا الذي يَرَاهُ في نَوْمِهِ وَأَحْلامِهِ؟

لَقَد كَانَ هَمُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لِي» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

لَقَد كَانَ هَمُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِدَايَةَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. لَقَد كَانَ هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً» رواه الشيخان عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَمَّنَا رِضَاكَ، ولا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 14/ جمادى الآخرة/1437هـ، الموافق: 23/ آذار / 2016م