56ـ مع الصحابة وآل البيت:«لا فقر أشد من الجهل»

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

56ـ «لا فقر أشد من الجهل»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّهُ مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ العِلْمَ شَرَفٌ وَنُورٌ وَفَضِيلَةٌ، كَمَا أَنَّ الجَهْلَ شَرٌّ وَبَلاءٌ وَرَذِيلَةٌ؛ العِلْمُ النَّافِعُ مَصْدَرُ الفَضَائِلِ وَيَنْبُوعُهَا، والَجهْلُ مَكْمَنُ الرَّذَائِلِ وَمَوْرِدُهَا.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بالعِلْمِ النَّافِعِ تُبْنَى المُجْتَمَعَاتُ حِسَّاً وَمَعْنَىً، وَبِالجَهْلِ تَتَزَعْزَعُ المُجْتَمَعَاتُ حِسَّاً وَمَعْنَىً، وَيَحُلُّ الدَّمَارُ؛ العِلْمُ هُوَ النُّورُ الذي لا تَلْحَقُهُ ظُلْمَةٌ، والفَضِيلَةُ التي لا تَتْبَعُهَا رَذِيلَةٌ، يَقُولُ سَيِّدُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ للهِ خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الحَلَالِ وَالحَرَامِ، وَالأَنِيسُ في الوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ في الخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ على السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالزَّينُ عِنْدَ الأَخْلَاقِ، وَالقُرْبُ عِنْدَ الغُرَبَاءِ، يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أَقْوَامَاً فَيَجْعَلُهُم في الخَلْقِ قَادَةً يُقْتَدَى بِهِم، وَأَئِمَّةً في الخَلْقِ تُقْتَفَى آثَارُهُم، وَيُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِم، وَتَرْغَبُ المَلَائِكَةُ في حُبِّهِم؛بِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُم، حَتَّى كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ لَهُم مُسْتَغْفِرٌ، حَتَّى حِيتَانُ البَحْرِ وَهَوَامُّهُ، وَسِبَاعُ البَرِّ وَأَنْعَامُهُ، وَالسَّمَاءُ وَنُجُومُهَا؛ لِأَنَّ العِلْمَ حَيَاةُ القُلُوبِ من العَمَى، وَنُورُ الأَبْصَارِ من الظُّلَمِ، وَقُوَّةُ الأَبْدَانِ من الضَّعْفِ، يَبْلُغُ بِهِ العَبْدُ مَنَازِلَ الأَحْرَارِ، وَمُجَالَسَةَ المُلُوكِ، وَالدَّرَجَاتِ العُلَى في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ وَالفِكْرُ بِهِ يُعْدَلُ بِالصِّيَامِ، وَمُدَارَسَتُهُ بِالقِيَامِ، بِهِ يُطَاعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ يُعْبَدُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ تُوصَلُ الأَرْحَامُ، وَبِهِ يُعْرَفُ الحَلَالُ من الحَرَامِ، إِمَامُ العَمَلِ، وَالعَمَلُ تَابِعُهُ، يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاءُ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كُنْ عَالِمَاً، أَوْ مُتَعَلِّمَاً، أَوْ مُحِبَّاً، أَوْ مُسْتَمِعَاً؛ وَلَا تَكُن الْخَامِسَةَ فَتَهْلَكَ.

قَالَ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الخَامِسَةُ: المُبْتَدِعُ.

وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيَّاً الأَزْدِيَّ جَاءَ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَسَأَلَهُ عَن الجِهَادِ.

فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ على مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ من الجِهَادِ؟ تَجِيءُ مَسْجِدَاً فَتُعَلِّمَ فِيهِ القُرْآنَ، وَالفِقْهَ في الدِّينِ.

وَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لَمَّا جَاءَهُ عَامِلُهُ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ ـ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ ـ فَلَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، فَقَالَ: مَن اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟

فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى.

قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟

قَالَ: مَوْلَىً مِنْ مَوَالِينَا.

قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلَىً؟!

قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ.

قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامَاً، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَمَا أُصِيبَ المُسْلِمُونَ اليَوْمَ بِمُصِيبَةٍ أَعْظَمَ من الجَهْلِ في دِينِ اللهِ تعالى، وَمَا ابْتُلُوا بِبَلِيَّةٍ أَكْبَرَ من الإِعْرَاضِ عَن العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَبِذَلِكَ حَلَّ الدَّمَارُ في البِلادِ، وَتَمَكَّنَ أَعْدَاءُ الأُمَّةِ من هَذِهِ الأُمَّةِ، فَشَتَّتُوا شَمْلَهَا، وَسَلَبُوا خَيْرَاتِهَا، وَأَوْقَدُوا نَارَ العَدَاوَةِ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِهَا، حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَ بَعْضِهِمُ البَعْضِ، وَاسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى.

«لا فَقْرَ أَشَدُّ من الجَهْلِ»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا كَانَ عِنْدَهُ اهْتِمَامٌ بِالعِلْمِ الشَّرِيفِ، وَكَانَ يَحُثُّ أَوْلَادَهُ  على طَلَبِ العِلْمِ، فَقَد دَعَا بَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ وَبَنِي أَخِي، إِنَّكُمْ صِغَارُ قَوْمٍ، يُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَ آخَرِينَ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ أَنْ يَرْوِيَهُ أَوْيَحْفَظَهُ، فَلْيَكْتُبْهُ وَلْيَضَعْهُ فِى بَيْتِهِ. رواه الدارمي.

لَقَد وَرِثَ سَيِّدُنَا الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن جَدِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعَن وَالِدِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الخَطَابَةَ والفَصَاحَةَ والبَلاغَةَ وَقُوَّةَ البَيَانِ.

جَاءَ في الأَثَرِ عَنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ سَأَلَ ابْنَهُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْـمُرُوءَةِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا السَّدَادُ؟

قَالَ: يَا أَبَهْ، السَّدَادُ دَفْعُ الْـمُنْكَرِ بِالْـمَعْرُوفِ.

قَالَ: فَمَا الشَّرَفُ؟

قَالَ: اصْطِناعُ الْعَشِيرَةِ، وَحَمْلُ الْجَرِيرَةِ (الجِنَايَةِ) ومُوافَقَةُ الإِخْوانِ، وَحِفْظُ الْجِيرَانِ.

قَالَ: فَمَا الْـمُرُوءَةُ؟

قَالَ: الْعَفَافُ، وَإِصْلاحُ الْـمَالِ.

قَالَ: فَمَا الدِّقَّةُ؟

قَالَ: النَّظَرُ فِي الْيَسِيرِ، وَمَنْعُ الْحَقِيرِ.

قَالَ: فَمَا اللَّومُ؟

قَالَ: إِحْرَازُ الْـمَرْءِ نَفْسَهُ، وبَذْلُهُ عُرْسَهُ.

قَالَ: فَمَا السَّمَاحَةُ؟

قَالَ: الْبَذْلُ مِنَ الْعَسِيرِ وَالْيَسِيرِ.

قَالَ: فَمَا الشُّحُّ؟

قَالَ: أَنْ تَرَى مَا أَنْفَقْتَهُ تَلَفَاً.

قَالَ: فَمَا الإِخَاءُ؟

قَالَ: الْـمُوَاسَاةُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ.

قَالَ: فَمَا الْجُبْنُ؟

قَالَ: الْجُرْأَةُ عَلَى الصَّدِيقِ، وَالنُّكُولُ (الجُبْنُ) عَنِ الْعَدُوِّ.

قَالَ: فَمَا الْغَنِيمَةُ؟

قَالَ: الرَّغْبَةُ فِي التَّقْوَى، وَالزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا هِيَ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ.

قَالَ: فَمَا الْحِلْمُ؟

قَالَ: كَظْمُ الْغَيْظِ، وَمِلْكُ النَّفْسِ.

قَالَ: فَمَا الْغِنَى؟

قَالَ: رِضَى النَّفْسِ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَعَالَى لَهَا وَإِنْ قَلَّ، وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ.

قَالَ: فَمَا الْفَقْرُ؟

قَالَ: شَرَهُ النَّفْسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

قَالَ: فَمَا الْـمَنَعَةُ؟

قَالَ: شِدَّةُ الْبَأْسِ، ومُنازَعَةُ أَعِزَّاءِ النَّاسِ.

قَالَ: فَمَا الذُّلُّ؟

قَالَ: الْفَزَعُ عِنْدَ الْـمَصْدُوقَةِ (الحَقِيقَةِ).

قَالَ: فَمَا الْعِيُّ؟

قَالَ: الْعَبَثُ بِاللِّحْيَةِ، وَكَثْرَةُ الْبَزْقِ عِنْدَ الْـمُخاطَبَةِ.

قَالَ: فَمَا الْجُرْأَةُ؟

قَالَ: مُوَافَقَةُ الأَقْرَانِ.

قَالَ: فَمَا الْكُلْفَةُ؟

قَالَ: كَلامُكُ فِيمَا لا يَعْنِيكَ.

قَالَ: فَمَا الْـمَجْدُ؟

قَالَ: أَنْ تُعْطِيَ فِي الْغُرْمِ، وَتَعْفُوَ عَنِ الْجُرْمِ.

قَالَ: فَمَا الْعَقْلُ؟

قَالَ: حِفْظُ الْقَلْبِ كُلَّمَا اسْتَوْعَيْتَهُ.

قَالَ: فَمَا الْخُرْقُ (ضِدُّ الرِّفْقِ)؟

قَالَ: مُعَازَتُكَ (مُحَاجَجَتُكَ) إِمَامَكَ، ورَفْعُكَ عَلَيْهِ كَلامَكَ.

قَالَ: فَمَا حُسْنُ الثَّنَاءِ؟

قَالَ: تَرْكُ الْقَبِيحِ، وَإِتْيَانُ الْجَمِيلِ.

قَالَ: فَمَا الْحَزْمُ؟

قَالَ: طُولُ الأَنَاةِ، وَالرِّفْقُ بِالْوُلاةِ.

قَالَ: فَمَا السَّفَهُ؟

قَالَ: اتِّبَاعُ الدَّناءَةِ، وَمُصاحَبَةُ الْغُوَاةِ.

قَالَ: فَمَا الْغَفْلَةُ؟

قَالَ: تَرْكُكَ الْـمَسْجِدَ، وَطَاعَتُكَ الْـمُفْسِدَ.

قَالَ: فَمَا الْحِرْمَانُ؟

قَالَ: تَرْكُكَ حَظَّكَ وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْكَ.

قَالَ: فَمَا الْـمُفْسِدُ؟

قَالَ: الأَحْمَقُ فِي مَالِهِ، الْـمُتَهَاوِنُ فِي عِرْضِهِ.

ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ، وَلا اسْتِظْهارَ أَوْفَقُ مِنَ الْـمُشَاوَرَةِ، وَلا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخَلْقِ، وَلا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلا عِبَادَةَ كالتَّفَكُّرِ، وَلا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ؛ وَآفَةُ الْحَدِيثِ الْكَذِبُ، وَآفَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ، وَآفَةُ الْحِلْمِ السَّفَهُ، وَآفَةُ الْعِبَادَةِ الْفَتْرَةُ، وَآفَةُ الظَّرْفِ الصَّلَفُ (مُجَاوَزَةُ قَدْرِ الظَّرْفِ وَالبَرَاعَةِ؛ وَالادِّعَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ) وَآفَةُ الشَّجَاعَةِ الْبَغْيُ، وَآفَةُ السَّمَاحَةِ الْـمَنُّ، وَآفَةُ الْجَمَالِ الْخُيَلاءُ، وَآفَةُ الْحَسَبِ الْفَخْرُ».

ثمَّ قَالَ سَيَّدُنَا عَلِيٌّرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا بُنَيَّ، لا تَسْتَخِفَّنَّ بِرَجُلٍ تَرَاهُ أَبَدَاً، فَإِنْ كَانَ خَيْرَاً مِنْكَ فَاحْسَبْ أَنَّهُ أَبُوكَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَكَ فَهُوَ أَخُوكَ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْكَ فَاحْسَبْ أَنَّهُ ابْنُكَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى العِلْمِ؟ وَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى تَعْلِيمِ أَبْنَائِنَا العِلْمَ؟ وَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ تَكُونَ ذُرِّيَّتُنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا؟

كَمْ بَيْنَ الإِيمَانِ واليَقِينِ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَلْ نَتَعَلَّمُ من آلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَيْفَ تَكُونُ صِلَتُنَا مَعَ أَبْنَائِنَا إِنْ جَلَسْنَا إِلَيْهِم؟ وَهَلْ عِنْدَنَا الاهْتِمَامُ بِمُذَاكَرَةِ العِلْمِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم؟

هَذَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَسْأَلُ ابْنَهُ الحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كَمْ بَيْنَ الإِيمَانِ وَاليَقِينِ؟

قَالَ: أَرْبَعُ أَصَابِعٍ.

قَالَ: بَيِّنْ.

قَالَ: اليَقِينُ مَا رَأَتْهُ عَيْنُكَ، وَالإِيمَانُ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنُكَ وَصَدَّقَتْ بِهِ.

فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مِمَّنْ أَنْتَ مِنْهُ ﴿ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاقِعُ أُمَّتِنَا مَرِيرٌ، وَأَمْرُهَا عَظِيمٌ، وَخَطْبُهَا جَسِيمٌ، وَمَسْؤُولِيَّتُنَا عَن أُمَّتِنَا عَظِيمَةٌ، والحَقِيقَةُ التي لا شَكَّ فِيهَا ولا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ تعالى، إِنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» رواه الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

قَالَ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدَاً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدَاً﴾.

يَا عَبْدَ اللهِ، خُلِقْتَ فَرْدَاً، وَكُلِّفْتَ فَرْدَاً، وَسَتَمُوتُ فَرْدَاً، وَسَتُقْبَرُ فَرْدَاً، وَسَتُبْعَثُ فَرْدَاً، وَسَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى للعَرْضِ والحِسَابِ فَرْدَاً، وَسَتَدخُلُ الجَنَّةَ أَو النَّارَ؛ فَهَلْ تَهْتَمُّ بِنَفْسِكَ كَمَا طَلَبَ مِنْكَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ لِتَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، دُونَ أَنْ تَنْظُرَ إلى صَلاحَ الآخَرِينَ، أَمْ أَنَّكَ تَنْتَظرُ صَلاحَ الآخَرِينَ؟

يَا عَبْدَ اللهِ، اهْتَمَّ بِنَفْسِكَ، وَابْدَأْ بِإِصْلاحِهَا، ولا تَنْتَظِرْ صَلاحَ حَاكِمٍ ولا مَحْكُومٍ، ولا تَنْتَظِرْ صَلاحَ غَنِيٍّ ولا فَقِيرٍ، ولا تَنْتَظِرْ صَلاحَ قَوِيٍّ ولا ضَعِيفٍ، ولا تَنْتَظِرْ صَلاحَ المُجْتَمَعِ ولا الفَرْدِ، انْجُ بِنَفْسِكَ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. فَأَقْبِلْ على العِلْمِ والعَمَلِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَكُنْ على بَصِيرَةٍ من أَمْرِكَ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا، وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 15/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 24/آذار/ 2016م