66ـ كلمات في مناسبات: الغاية من مكارم الأخلاق

.

66ـ كلمات في مناسبات: الغاية من مكارم الأخلاق

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى فَنِّ التَّعَامُلِ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِنَا البَعْضِ، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَعْمِيقِ رَوَابِطِ الأُخُوَّةِ الإِسْلامِيَّةِ الصَّادِقَةِ، حَتَّى نَصِلَ إلى الإِيمَانِ الكَامِلِ الذي أَشَارَ إِلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى إِظْهَارِ مَحَاسِنِ هَذَا الدِّينِ عَقِيدَةً وَقَوْلَاً وَسُلُوكَاً وَأَخْلاقَاً وَأَحْوَالاً، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِأَنْ يُصْبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قُدْوَةً صَالِحَةً لِغَيْرِهِ، لِنَكْسِبَ قُلُوبَ بَعْضِنَا البَعْضِ.

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ التي نَكْسِبُ من خِلَالِهَا القُلُوبَ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، من خِلالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَـالِحَ الْأَخْلَاقِ ـ وفي رِوَايَةٍ للقضاعي: لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ ـ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

الغَايَةُ من مَكَارِمِ الأَخْلاقِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد حَصَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الغَايَةَ من بِعْثَتِهِ في إِتْمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ؛ وَلَيْسَتِ الغَايَةُ من مَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نَنَالَ بِهَا مَتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، أو نَنَالَ المَدْحَ والثَّنَاءَ من قِبَلِ الخَلْقِ، ولا من أَجْلِ إِظْهَارِ تَوَاضُعِنَا؛ إِنَّمَا من أَجْلِ تَحْقِيقِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

ومن أَجْلِ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلَاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحَاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ﴾.

ومن أَجْلِ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

ومن أَجْلِ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾. هَذَا أَوَّلَاً.

ثَانِيَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نَنَالَ رِضَا اللهِ تعالى، وَأَنْ نَنَالَ حُبَّ اللهِ تعالى لَنَا، وَأَنْ نَنَالَ الحُبَّ وَالقُرْبَ من نَبِيِّنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ وَالْـمُتَفَيْهِقُونَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْـمُتَفَيْهِقُونَ؟

قَالَ: «الْـمُتَكَبِّرُونَ». رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

 ثَالِثَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نُطَبِّقَ شَرْعَ اللهِ تعالى قَوْلَاً وَعَمَلَاً، سِرَّاً وَعَلَانِيَةً، وَأَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والحاكم والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

رَابِعَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نَصِلَ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَامِسَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نَثَقِّلَ مَوَازِينَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سَادِسَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نُكْمِلَ إِيمَانَنَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْـمُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سَابِعَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نَنَالَ أَجْرَ القُرُبَاتِ إلى اللهِ تعالى، وَذَلِكَ من خِلالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْـمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.

ثَامِنَاً: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الغَايَةُ من التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ أَنْ نُزَحْزَحَ عَن نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الأَخْلاقِ الحَسَنَةِ التي تُعَمِّقُ رَوَابِطَ الأُخُوَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا، وَتُحَقِّقُ فِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الْتِزَامِ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».

قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟

قَالَ: «غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ؛ وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالَاً مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ بِالإِمْكَانِ اليَوْمَ أَنْ نَتَدَبَّرَ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ؟ هَلْ بِالإِمْكَانِ اليَوْمَ أَنْ نُحَقِّقَ في أَنْفُسِنَا الإِسْلامَ الحَقَّ؟ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْـمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهَلْ بِالإِمْكَانِ اليَوْمَ أَنْ نُحَقِّقَ في أَنْفُسِنَا الإِيمَانَ الحَقَّ؟ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلاقِ والأَعْمَالِ مَعَ الإِخْلاصِ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 21/ جمادى الآخرة/1437هـ، الموافق: 30/ آذار / 2016م