57- مع الصحابة وآل البيت : صدق الوعد والعهد

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

57ـ صدق الوعد والعهد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصِّدْقُ بِالوَعْدِ خَصْلَةٌ كَرِيمَةٌ من خِصَالِ الإِيمَانِ، وَخُلُقٌ كَرِيمٌ من مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَخُلُقٌ عَظِيمٌ من أَخْلاقِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ العَظِيمِ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ.

هَذَا الخُلُقُ عَزَّ وُجُودُهُ وَصَارَ نَادِرَاً في هَذَا الزَّمَانِ، فَكَم من وَعْدٍ مَعْسُولٍ، وَكَم من عَهْدٍ مَسْمُوعٍ وَمَرْئِيٍّ وَمَنْقُولٍ، وَلَكِنْ أَيْنَ خُلُقُ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ؟ وَأَيْنَ خُلُقُ صِدْقِ الوَعْدِ؟ وَأَيْنَ صِدْقُ الوَعْدِ؟ وَأَيْنَ الوَفَاءُ بِالعَهْدِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ على وَالِدِ العَرَبِ جَمِيعَاً سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، الذي اصْطَفَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ من وَلَدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشَاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».

لَقَد أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولَاً نَبِيَّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ صَادِقَ الوَعْدِ، لِأَنَّهُ مَا من عَهْدٍ عَاهَدَ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلا وَصَدَقَ في عَهْدِهِ وَوَعْدِهِ، لَقَد وَعَدَ أَبَاهُ أَنْ يَجِدَهُ صَابِرَاً عِنْدَ تَنْفِيذِ أَمْرِ رَبِّهِ في ذَبْحِهِ، قَالَ تعالى عَنْهُ: ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. والدَّلِيلُ على أَنَّهُ وَفَّى بِوَعْدِهِ، قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾. نَعَم، لَقَد كَانَ بِحَقٍّ: ﴿صَادِقَ الوَعْدِ﴾.

خَوْفُ السَّلَفِ من النِّفَاقِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَكْفِي أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ إِخْلافَ الوَعْدِ، وَعَدَمَ الوَفَاءِ بِهِ صِفَةٌ من صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، وَالعِيَاذُ باللهِ تعالى، فَمَنْ أَخْلَفَ الوَعْدَ وَالعَهْدَ فَقَد اتَّصَفَ بِصِفَاتِ المُنَافِقِينَ، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقَاً خَالِصَاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَدِيرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا أَنْ يَتَعَرَّفَ على نَفْسِهِ من خِلالِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هَلْ هُوَ من المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الذينَ يَفُونَ بِالعَهْدِ وَالوَعْدِ، أَمْ من المُنَافِقِينَ الذينَ يُخْلِفُونَ الوَعْدَ وَالعَهْدَ ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الخَوْفُ من النِّفَاقِ مَزَّقَ قُلُوبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَهُم مَنْ هُم في الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ، لَقَد مَزَّقَ الخَوْفُ من النِّفَاقِ قُلُوبَهُم، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الْـمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرَاً﴾.

هَذَا الفَارُوقُ فَارُوقُ الأُمَّةِ الذي وَافَقَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في بَعْضِ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، يَسْأَلُ سَيِّدَنَا حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ أَمِينَ سِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في شَرْحِ زَادِ المُسْتَنْقِعِ: كَانَ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أُنَاشِدُكَ اللهَ! أَكُنْتُ فِيمَنْ سَمَّى لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا؟ ـ يَعْنِي: من المُنَافِقِينَ ـ.

فَقَالَ لَهُ: لَا، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدَاً.

وَهَذَا سَيِّدُنَا حَنْظَلَةُ الْأُسَيِّدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ عَن نَفْسِهِ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟

قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.

قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟

قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرَاً.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا؛ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرَاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْـمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَـا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ».

أَرْوَعُ الأَمْثِلَةِ في صِدْقِ الوَعْدِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صِدْقُ الوَعْدِ صِفَةٌ كَرِيمَةٌ، وَخَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ من خِصَالِ الإِيمَانِ، وَخُلُقُ عَظِيمٌ من أَخْلاقِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَلَقَد ضَرَبَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في صِدْقِ الوَعْدِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ.

سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الذي آخَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يُسْتَشْهَدُ يَوْمَ أُحُدٍ؛ وَقَبْلَ فِرَاقِهِ من الدُّنْيَا يُوصِي أَصْحَابَهُ بِوَصِيَّةٍ تُكْتَبُ بِمَاءٍ من ذَهَبٍ.

جَاءَ في كِتَابِ الرَّوْضِ الأُنْفِ: عَن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْـمَازِنِيِّ، أَخِي بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي، مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟».

فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ؛ فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحَاً فِي الْقَتْلَى، وَبِهِ رَمَقٌ.

قَالَ: فَقُلْت لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟

قَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ؛ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاك اللهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمَّتِهِ.

وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ.

قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ؛ فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ.

وَجَاءَ في أُسْدِ الغَابَةِ: قَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: قُلْ لِقَوْمِكَ: يَقُولُ لَكُم سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: اللهَ اللهَ وَمَا عَاهَدْتُم عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، فَوَاللهِ مَا لَكُم عِنْدَ اللهِ عُذْرٌ إِنْ خُلِصَ إلى نَبِيِّكُم وَفِيكُم عَيْنٌ تَطْرِفُ.

قَالَ أُبَيٌّ: فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ؛ فَرَجَعْتُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ.

فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللهُ، نَصَحَ للهِ وَلِرَسُولِهِ حَيَّاً وَمَيْتَاً».

وَجَاءَ في المَغَازِي للوَاقِدِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ؟ فَإِنِّي قَد رَأَيْتُهُ ـ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى نَاحِيَةٍ من الوَادِي ـ وَقَد شَرَعَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ سِنَانَاً».

قَالَ: فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَيُقَالُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؛ فَخَرَجَ نَحْوُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ.

قَالَ: وَأَنَا وَسَطَ القَتْلَى أَتَعَرُّفُهُم، إِذْ مَرَرْتُ بِهِ صَرِيعَاً في الوَادِي، فَنَادَيْتُهُ فَلَمْ يُجِبْ؛ ثمَّ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ!

فَتَنَفَّسَ كَمَا يَتَنَفَّسُ الكِيرُ؛ ثمَّ قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ لَحَيٌّ؟

قَالَ: قُلْتُ: نَعَم، وَقَد أَخْبَرَنَا أَنَّهُ شُرِعَ لَكَ اثْنَا عَشَرَ سِنَانَاً.

قَالَ: طُعِنْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةٍ، كُلُّهَا أَجَافَتْنِي؛ أَبْلِغْ قَوْمَكَ الأَنْصَارَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُم: اللهَ اللهَ، وَمَا عَاهَدْتُم عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، واللهِ مَا لَكُم عُذْرٌ عِنْدَ اللهِ إِنْ خُلِصَ إلى نِبِيِّكُم وَمِنْكُم عَيْنٌ تَطْرِفُ! وَلَمْ أَرِمْ من عِنْدِهِ حَتَّى مَاتَ.

قَالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ.

قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ رَافِعَاً يَدَيْهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْقَ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ وَأَنْتَ عَنْهُ رَاضٍ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيُّ رِجَالٍ هَؤُلاءِ؟! وَأَيُّ عَظَمَةٍ هَذِهِ؟! يَمُوتُ سَيِّدُنَا سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ يَقُولُ: فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِّي السّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاك اللهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَنْ أُمّتِهِ؛

وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنِّي السّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ.

يَمُوتُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ يَقُولُ: قُلْ لِقَوْمِكَ: يَقُولُ لَكُم سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: اللهَ اللهَ وَمَا عَاهَدْتُم عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، فَوَاللهِ مَا لَكُم عِنْدَ اللهِ عُذْرٌ إِنْ خُلِصَ إلى نَبِيِّكُم وَفِيكُم عَيْنٌ تَطْرِفُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ نَحْنُ من قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلَاً﴾؟ أَيْنَ صِدْقُنَا في عُهُودِنَا وَوُعُودِنَا مَعَ اللهِ تعالى، وَمَعَ خَلْقِ اللهِ تعالى؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُم بِصِدْقِ العَهْدِ وَالوَعْدِ؛ إِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ تعالى، وَإِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَلْقِ اللهِ تعالى جَمِيعَاً، لِأَنَّ صِدْقَ العَهْدِ وَالوَعْدِ من صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُم. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 22/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 31/آذار/ 2016م