124-نحو أسرة مسلمة :مفاسد المغالاة في المهور

.

نحو أسرة مسلمة

124-مفاسد المغالاة في المهور

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ مُشْكِلَةٌ عَوِيصَةٌ وَمُعَقَّدَةٌ جِدَّاً، وَهِيَ تَهُمُّ النَّاسَ جَمِيعَاً، من شَبَابٍ وَشَابَّاتٍ، وَأَوْلِيَاءِ أُمُورٍ؛ والنَّاسُ يَبْحَثُونَ عَن حَلٍّ لَهَا، ألا وَهِيَ مُشْكِلَةُ الزَّوَاجِ التي أَصْبَحَتْ ذَاتَ تَعْقِيدٍ، وَأَعْظَمُ عُقْدِهَا المَهْرُ؛ لَقَد ارْتَفَعَتِ المُهُورُ إلى حَدٍّ يَصْعُبُ على أَكْثَرِ النَّاسِ أَنْ يُوَافِقُوا عَلَيْهِ إِذَا كَانُوا يَرَوْنَهُ ذِمَّةً يُسْأَلُونَ عَنْهُ في الدُنْيَا والآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ المَرْأَةَ لَيْسَتْ سِلْعَةً تُعْرَضُ لِلْبَيْعِ، وَيُقْصَدُ فِيهَا ثَمَنُهَا؛ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ كَرِيمَةٌ لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وَمَا المَهْرُ إلا هَدِيَّةٌ يُقَدِّمُهَا الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾.

مَفَاسِدُ المُغَالاةِ في المُهُورِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ المُغَالاةَ في المُهُورِ لَهُ مَفَاسِدُ مُتَعَدِّدَةٌ؛ من أَعْظَمِ المَفَاسِدِ فِيهِ إِغْلاقُ بَابِ النِّكَاحِ أَمَامَ الشَّبَابِ والشَّابَّاتِ، فَكَمْ من شَابٍّ وَشَابَّةٍ يُرِيدَانِ الزَّوَاجَ، وَلَكِنْ لا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِسَبَبِ تَشَدُّدِ أَهْلِ الفَتَاةِ في المَهْرِ.

من مَفَاسِدِ المُغَالاةِ في المُهُورِ تَنْكِيدُ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَلَاءَمِ الزَّوْجُ مَعَ زَوْجَتِهِ، وأَرَادَ اسْتِبْدَالَهَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارَاً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئَاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانَاً وَإِثْمَاً مُبِينَاً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾. فَإِنَّ صَاحِبَ الدِّينِ وَالخُلُقِ يَتَوَقَّفُ، لِأَنَّهُ لا يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ زَوْجَتَهُ بِبَقَائِهَا في عِصْمَتِهِ، ولا يُرِيدُ ظُلْمَهَا إِذَا سَرَّحَهَا بِالمَعْرُوفِ، فَهُوَ لَا يَمْلِكُ قِيمَةَ المَهْرِ، فَضْلاً عَن المُتْعَةِ التي قَالَ فِيهَا مَوْلانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْـمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْـمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعَاً بِالْـمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلَى الْـمُحْسِنِينَ﴾.

من مَفَاسِدِ المُغَالاةِ في المُهُورِ أَنَّ الرَّجُلَ قَد يَتَزَوَّجُ من امْرَأَةٍ لا تَتَلَاءَمُ مَعَهُ في أَخْلاقِهِ وَعَادَاتِهِ وَتَرضَى مِنهُ بِالَمهْرِ اليَسيرِ، وَتَحْصُلُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ، أَوقَد يَتَزَوَّجُ من امْرَأَةٍ غَيْرِ مُلْتَزِمَةٍ بِدِينِ اللهِ تعالى، وفي ذَلِكَ من العَوَاقِبِ الوَخيمَةِ في الدُّنْيَا مَا لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى، وَرُبَّمَا أَنْ تَلْحَقَهُ إلى حَسَرَاتٍ يَوْمَ القِيَامَةِ. أَو قَد يَدْفَعُهُ إلى الزَّوَاجِ من امْرَأَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ وهي لا تُرِيدُ مَهراً أَبَدَاً.

لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لا تَعْضُلُوا النِّسَاءَ عَن زَوَاجِ الأَكْفَاءِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَبَنَاتُنَا أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِنَا، ولا يَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يَخُونَ الأَمَانَةَ بِمَنْعِ ابْنَتِهِ من الزَّوَاجِ إِذَا جَاءَهَا الكُفْءُ صَاحِبُ الدِّينِ وَالخُلُقِ وَالأَمَانَةِ، فَهُنَاكَ مَن عَضَلَ وَظَلَمَ وَخَانَ الأَمَانَةَ، حَتَّى حَكَمَ على ابْنَتِهِ بالسِّجْنِ المُؤَبَّدِ في بَيْتِهِ، لِأَنَّهُ مَا جَاءَ الرَّجُلُ الذي يَدْفَعُ المَهْرَ العَظِيمَ لابْنَتِهِ، وَبِذَلِكَ حَارَبَ فِطْرَةَ المَرْأَةِ وَغَرِيزَتَهَا.

شَأْنُ العُقَلَاءِ أَنْ يُيَسِّرُوا الأُمُورَ على النَّاسِ، وَخَاصَّةً في مَسْأَلَةِ الزَّوَاجِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. رواه الحاكم وأبو داود.

بَلْ أَرَادَ سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنْ يُحَدِّدَ المُهُورَ رَحْمَةً بِالأُمَّةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه البيهقي عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا في صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَبْلُغُنِي عَن أَحَدٍ سَاقَ أَكْثَرَ من شَيْءٍ سَاقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَو سِيقَ إِلَيْهِ إِلَّا جَعَلْتُ فَضْلَ ذَلِكَ في بَيْتِ المَالِ.

ثمَّ نَزَلَ فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ من قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَكِتَابُ اللهِ تعالى أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَو قَوْلُكَ؟

قال: بَلْ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، فَمَا ذَاكَ؟

قَالَتْ: نَهَيْتَ النَّاسَ آنِفَاً أَنْ يُغَالُوا في صَدَاقِ النِّسَاءِ، واللهُ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارَاً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئَاً﴾.

فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ من عُمَرَ ـ مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَاً ـ ثمَّ رَجَعَ إلى المِنْبَرِ فَقَالَ للنَّاسِ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُم أَنْ تُغَالُوا في صَدَاقِ النِّسَاءِ، أَلا فَلْيَفْعَلْ رَجُلٌ في مَالِهِ مَا بَدَا لَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَأْنُ العُقَلاءِ أَنْ يَبْحَثُوا لِبَنَاتِهِم عَن الأَزْوَاجِ الأَكْفَاءِ، مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ إلى قِيمَةِ المَهْرِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَمَا تَأَيَّمَتِ ابْنَتُهُ السَّيِّدَةُ حَفْصَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَعْرِضُهَا على سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

روى الإمام البخاري عَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرَا، تُوُفِّيَ بِالْـمَدِينَةِ؛ قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ.

قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي.

فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا.

قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ.

فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئَاً.

فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ؛ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ.

فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَشَكَوْتُ عُثْمَانَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُزَوَّجُ حَفْصَةُ خَيْرَاً من عُثْمَانَ، وَيُزَوَّجُ عُثْمَانُ خَيْرَاً من حَفْصَةَ» فَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ.

وَهَذَا سَيِّدُنَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُزَوِّجُ تِلْمِيذَهُ أَبَا وَدَاعَةَ، كَمَا جَاءَ في سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَتْ بِنْتُ سَعِيدٍ قَد خَطَبَهَا عَبْدُ المَلِكِ لابْنِهِ الوَلِيدِ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ عَبْدُ المَلِكِ عَلَيْهِ حَتَّى ضَرَبَهُ مِئَةَ سَوْطٍ في يَوْمٍ بَارِدٍ، وَصَبَّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ، وَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوفٍ.

ثمَّ حَدَّثَ عَن ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، فَفَقَدَنِي أَيَّامَاً، فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟

قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي فَاشْتَغَلْتُ بِهَا.

فَقَالَ: أَلَا أَخْبَرْتَنَا فَشَهِدْنَاهَا.

ثمَّ قَالَ: هَل اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟

فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَمَنْ يُزَوِّجُنِي، وَمَا أَمْلِكُ إلا دِرْهَمَيْنِ أَو ثَلَاثَةً؟

قَالَ: أَنَا.

فَقُلْتُ: وَتَفْعَلُ؟

قَالَ: نَعَم، ثمَّ تَحَمَّدَ، وَصَلَّى على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَزَوَّجَنِي على دِرْهَمَيْنِ ـ أَو قَالَ: ثَلَاثَةً ـ فَقُمْتُ وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ من الفَرَحِ، فَصِرْتُ إلى مَنْزِلِي، وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيمَنْ أَسْتَدِينُ.

فَصَلَّيْتُ المَغْرِبَ، وَرَجَعْتُ إلى مَنْزِلِي، وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِمَاً، فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ، وَكَانَ خُبْزَاً وَزَيْتَاً، فَإِذَا بَابِي يُقْرَعُ، فَقُلْتُ: مَن هَذَا؟

فَقَالَ: سَعِيدٌ.

فَأَفْكَرْتُ في كُلِّ مَن اسْمُهُ سَعِيدٌ، إلا ابْنَ المُسَيَّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إلا بَيْنَ بَيْتِهِ وَالمَسْجِدِ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا سَعِيدٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَد بَدَا لَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّد، أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟

قَالَ: لا، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلَاً عَزْبَاً فَتَزَوَّجْتَ، فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ؛ فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ من خَلْفِهِ في طُولِهِ، ثمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَدَفَعَهَا في البَابِ، وَرَدَّ البَابَ.

فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ من الحَيَاءِ، فَاسْتَوْثَقْتُ من البَابِ، ثمَّ وَضَعْتُ القَصْعَةَ في ظِلِّ السِّرَاجِ لِكَيْ لا تَرَاهُ، ثمَّ صَعَدْتُ إلى السَّطْحِ فَرَمَيْتُ الجِيرَانَ، فَجَاؤُونِي، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُم.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَضْيِيقَ فُرَصِ الزَّوَاجِ بِسَبَبِ غَلاءِ المُهُورِ خَرَابٌ للدِّيَارِ، وَقَتْلٌ للعَفَافِ، وَوَأْدٌ للفَضِيلَةِ، وَنَشْرٌ للرَّذِيلَةِ، وَهَتْكٌ للحُرُمَاتِ، وَنَشْرٌ للخَبَائِثِ والمُحَرَّمَاتِ.

فَلْنَتَّقِ اللهَ تعالى في مَن هُم تَحْتَ أَيْدِينَا من البَنَاتِ، وَلْنُبَادِرْ بِتَزْوِيجِهِنَّ مَتَى جَاءَ الكُفْءُ في دِينِهِ وَخُلُقِهِ، وإلا فَالفِتْنَةُ مُحِيطَةٌ بِالمُجْتَمَعِ، والفَسَادُ الكَبِيرُ سَيَنْتَشِرُ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ مُنْتَشِرٌ الآنَ، وَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ عَضْلَ النِّسَاءِ، وَرَدَّ الأَكْفَاءِ، جِنَايَةٌ على الفَتَاةِ والفَتَى، وعلى المُجْتَمَعِ بِكَامِلِهِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 25/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 3/ نيسان/ 2016م