58ـ مع الصحابة وآل البيت : «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ»

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

58ـ «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد ضَرَبَ اللهُ تعالى مَثَلَاً في القُرْآنِ العَظِيمِ دَلَّ فِيهِ على حَقَارَةِ الدُّنْيَا، وَقِـصَرِ بَقَائِهَا، وَمَصِيرِ مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالتَّرَفِ، أَنَّهُ إلى هَلَاكٍ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمَاً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرَاً * الـْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ أَمَلَاً﴾.

الدُّنْيَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ وَالانْقِرَاضِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَهُوَ سَرِيعُ الانْقِضَاءِ وَالانْقِرَاضِ، فَجَدِيرٌ بِالعَاقِلِ أَنْ لا يَفْتَخِرَ بِالدُّنْيَا، وَأَنْ لا يَفْرَحَ بِهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ بِمَا فِيهِم آلَ بَيْتِهِ الأَطْهَارَ على الزُّهْدِ في الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَوْجِيهِهِ لَهُم، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرَاً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» رواه الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «واللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ ـ وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ ـ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ» رواه الإمام مسلم عَنْ مُسْتَوْرِدٍ أَخِي بَنِي فِهْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْـمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد اسْتَوْعَبَ الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم هَذَا مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفُوا بِأَنَّ هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارُ ابْتِلاءٍ وَاخْتِبَارٍ، وَلَهُم فِيهَا مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ، فَزَهِدُوا فِيهَا، وَطَمِعُوا في الدَّارِ الآخِرَةِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. وَقَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْ قَوْلِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

«كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْـمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.

لَقَد ارْتَسَمَتْ هَذِهِ الكَلِمَةُ في قَلْبِ سَيِّدِنَا ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَكَانَ غَرِيبَاً في هَذِهِ الدُّنْيَا، بِكُلِّ مَا تَحْتَوِيهِ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعْنَىً،  لَقَد زَهِدَ في الدُّنْيَا بِجَمِيعِ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا، وَهَا هُوَ يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلَامَاً شَابَّاً أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْـمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي الْـمَنَامِ، كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ.

فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ (لَنْ تُخَافَ).

فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَالِمٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلَاً.

لَقَد كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَسْجُدُ في الحَرَمِ، وَيَبْكِي، وَيَقُولُ في سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي مَا تَرَكْتُ الخِلافَةَ لِقُرَيْشٍ إلا مِنْ مَخَافَتِكَ.

حُبُّ المَالِ وَالرِّيَاسَةِ يُفْسِدُ الدِّينَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حُبَّ المَالِ، وَحُبَّ الرِّيَاسَةِ، وَالحِرْصَ عَلَيْهِمَا، يُفْسِدُ دِينَ المَرْءِ، روى الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْـمَرْءِ عَلَى الْـمَالِ، وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ».

وَيَقُولُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: وَمِنَ اتِّبَاعِ الهَوَى الرَّغْبَةُ في الدُّنْيَا، وَمِنَ الرَّغْبَةِ في الدُّنْيَا حُبُّ المَالِ وَالـشَّرَفِ، وَمِنْ حُبِّ المَالِ وَالشَّرَفِ اسْتِحْلَالُ المَحَارِمِ. اهـ.

قَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْـمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْـمَأْوَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حِرْصَ المَرْءِ على الشَّرَفِ وَالمُلْكِ أَشَدُّ مِنْ حِرْصِهِ على المَالِ، كَمَا أَنَّ طَلَبَ شَرَفِ الدُّنْيَا، وَالرِّفْعَةِ فِيهَا، وَالرِّيَاسَةِ على النَّاسِ، وَالعُلُوَّ في الأَرْضِ، أَضَرُّ على العَبْدِ مِنْ طَلَبِ المَالِ، وَضَرَرُهُ أَعْظَمُ، وَالزُّهْدُ فِيهِ أَصْعَبُ، وَفي ذَلِكَ يَكْمُنُ الخَطَرُ، لِأَنَّهُ في الغَالِبِ يَمْنَعُ خَيْرَ الآخِرَةِ وَشَرَفَهَا وَكَرَامَتَهَا، قَالَ تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَلَّ مَنْ يَحْرِصُ على رِيَاسَةِ الدُّنْيَا بِطَلَبِ الوِلَايَةِ فَيُوَفَّقُ، فَمَنْ طَلَبَهَا وُكِلَ إِلَيْهَا، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمـُرْضِعَةُ (أَيْ: لِمَا فِي الإِمَارَةِ مِنَ حُصُولِ الجَاهِ وَالمَالِ وَنَفَاذِ الكَلِمَةِ) وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ (أَيْ: بَعْدَ المَوْتِ)».

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العَاقِلُ مِنَ النَّاسِ هُوَ الذي يُنَافِسُ في الشَّيْءِ الذي يَدُومُ، وَلا يُنَافِسُ في الـشَّيْءِ الذي لا يَدُومُ، العَاقِلُ مِنَ النَّاسِ هُوَ الذي يُنَافِسُ في رِضْوَانِ اللهِ تعالى وَفي قُرْبِهِ وَفي جِوَارِهِ، وَيَرْغَبُ عَنِ الفَانِي الزَّائِلِ، الذي يُورِثُ الكِبْرَ وَالحَسَدَ، وَرَحِمَ اللهُ تعالى ابْنَ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيَّ الذي كَانَ يَقُولُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تُعْزَلَ، فَلَا تَتَوَلَّ وِلَايَةً لا تَدُومُ لَكَ.

العَاقِلُ هُوَ الذي سَمِعَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ﴾.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ في الدُّنْيَا، فَنَافِسْهُ في الآخِرَةِ.

وَيَقُولُ وُهَيْبُ بْنُ الوَرْدِ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَسْبِقَكَ إلى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ لِي نَفْسَاً تَوَّاقَةً، وَمَا حَقَّقَتْ شَيْئَاً إلا تَاقَتْ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، تَاقَتْ نَفْسِي إلى الزَّوَاجِ مِن ابْنَةِ عَمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المَلِكِ فَتَزَوَّجْتُهَا، وَتَاقَتْ نَـفْسِي إلى الإِمَارَةِ فَوُلِّيتُهَا، وَتَاقَتْ نَفْسِي إلى الخِلافَةِ فَنِلْتُهَا، والآنَ تَاقَتْ نَفْسِي إلى الجَنَّةِ، فَأَرْجُو أنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ بِمَا يَحْتَوِيهِ قَلْبُهُ، وَبِمَا يَطْلُبُ، فَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا في قَلْبِهِ، وَكَانَ طَالِبَاً لَهَا، فَلا أَدْنَى من هَذَا الإِنْسَانِ، لِأَنَّ الدُّنْيَا دَنِيَّةٌ، فَهِيَ اسْمٌ على مُسَمَّىً، وَالأَدْنَى مِنْهَا مَنْ طَلَبَهَا، وَهِيَ خَسِيسَةٌ تَافِهَةٌ، وَالأَخَسُّ مِنْهَا مَنْ خَطَبَهَا، وَرَحِمَ اللهُ تعالى الشِّبْلِيَّ الذي قَالَ: مَنْ رَكَنَ إلى الدُّنْيَا أَحْرَقَتْهُ بِنَارِهَا، فَصَارَ رَمَادَاً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، وَمَنْ رَكَنَ إلى الآخِرَةِ أَحْرَقَتْهُ بِنُورِهَا، فَصَارَ ذَهَبَاً أَحْمَرَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَمَنْ رَكَنَ إلى اللهِ أَحْرَقَهُ نُورُ التَّوْحِيدِ، فَصَارَ جَوْهَرَاً لا قِيمَةَ لَهُ (يَعْنِي: لا يُمْكِنُ أَنْ تُقَدَّرَ).

اللَّهُمَّ أَخْرِجْ مِنْ قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 29/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 7/نيسان / 2016م