126- نحو أسرة مسلمة :أكرم مهر على الإطلاق

نحو أسرة مسلمة

126ـ أكرم مهر على الإطلاق

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَتَى حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ على المَرْأَةِ كَأَنَّهَا شَيْءٌ لَمْ يُذْكَرْ، لا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، بَلْ كَانَتِ امْرَأَةً تَائِهَةً عَائِمَةً، لا إِرَادَةَ لَهَا، مَهْضُومَةَ الحَقِّ، مُحَطَّمَةَ العَوَاطِفِ، مَغْلُوبَةً على أَمْرِهَا، لا مَكَانَةَ لَهَا، لا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفُ بِشُؤُونِهَا، كَانَتْ مِنْ سَقَطِ المَتَاعِ، بَلِ اعْتَبَرَهَا اليَهُودُ نَجِسَةً قَذِرَةً، وَاحْتَارَ في وَصْفِهَا النَّصَارَى، هَلْ هِيَ إِنْسَانٌ لَهُ رُوحٌ، أَمْ بِدُونِ رُوحٍ؟ وَكَانَتْ في الجَاهِلِيَّةِ تُدْفَنُ وَهِيَ حَيَّةٌ خَشْيَةَ العَارِ مِنْهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بَعْدَ هَذَا جَاءَ الحَقُّ، وَزَهَقَ البَاطِلُ، جَاءَ الإِسْلَامُ بِنُورِهِ، وَأَشْرَقَ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ مُعْلِنَاً مَكَانَةَ المَرْأَةِ، وَرَفْعَ قَدْرِهَا، بَلْ أَعْظَمَ شَأْنَهَا، فَأَعْطَاهَا حَقَّهَا، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ الصَّدَاقُ الذي هُوَ مَهْرُهَا.

المَهْرُ تَكْرِيمٌ، وَوَسِيلَةُ سَعَادَةٍ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المَهْرُ للمَرْأَةِ في دِينِنَا الحنِيفِ، هُوَ مُلْكٌ لَهَا، وَهُوَ رَمْزُ تَكْرِيمٍ، وَوَسِيلَةُ سَعَادَةٍ، وَلَهَا حُرِّيَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَنْ يُشَارِكَهَا فِيهِ، وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا حَقُّ التَّدَخُّلِ في تَصَرُّفِهَا فِيهِ، فَضْلَاً عَنْ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَرِضَاهَا، فَمَنْ تَعَدَّى على مَهْرِهَا وَمَالِهَا فَقَدِ ارْتَكَبَ إِثْمَاً عَظِيمَاً، وَأَتَى بَابَاً عَظِيمَاً مِنْ أَبْوَابِ الظُّلْمِ المُحَرَّمِ شَرْعَاً، وَأَكَلَ مَالَهَا بِالبَاطِلِ الذي حَرَّمَهُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً﴾.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رِجَالَاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام البخاري عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ وَالقَاعِدَةُ المَعْلُومَةُ: مَا أُخِذَ بِسَيْفِ الحَيَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المَهْرُ وَاجِبٌ في كُلِّ نِكَاحٍ، فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرَاً، وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ مَثِيلَاتِهَا، روى الترمذي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقَاً، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ؟

فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ (لَا نَقْصَ) وَلَا شَطَطَ (وَلَا جَوْرَ) وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ.

فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امْرَأَةٍ مِنَّا، مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ؛ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَـمَّا ضَعُفَ الإِيمَانُ في قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَقَلَّ يَقِينُهُم، وَطَغَتِ المَادَّةُ عَلَيْهِم، وَانْجَرَفَ النَّاسُ وَرَاءَ المُغْرِيَاتِ، أَحْدَثَ النَّاسُ أُمُورَاً عَجِيبَةً، وَعَادَاتٍ غَرِيبَةً، بَعِيدَةً كُلَّ البُعْدِ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ هَذِهِ العَادَاتِ التَّغَالِي في مُهُورِ البَنَاتِ، حَتَّى أَحْيَوْا جَذْوَةَ نَارِ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ على الفَتَاةِ وَالفَتَى، بِحَيْثُ أَلْجَأُوا البَعْضَ إلى سُلُوكِ طَرِيقِ الحَرَامِ مِنْ حَيْثُ يَقْصِدُونَ، أَوْ لا يَقْصِدُونَ.

لَقَد تَرَكَ الكَثِيرُ مِنَ الأُمَّةِ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ» رواه الحاكم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَالقَائِلِ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْـمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا» قَالَ عُرْوَةُ: يَعْنِي أَنْ يَتَيَسَّرَ رَحِمُهَا للوِلَادَةِ. رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.

أَكْرَمُ مَهْرٍ على الإِطْلَاقِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الخَيْرِيَّةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِمَالٍ وَفِيرٍ، وَلَا بِجَمَالٍ وَحُسْنٍ، وَلَا بِحَسَبٍ وَنَسَبٍ، بَلْ تَتَحَقَّقُ في الاتِّبَاعِ، وَمِنَ الاتِّبَاعِ تَيْسِيرُ المُهُورِ، وَلَقَد ضَرَبَتِ الصَّحَابِيَّاتُ المَثَلَ الأَعْلَى في ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُنَّ أَغْلَى مِنَ الإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ في حِسَابِهِنَّ شَيْءٌ يَفُوقُ مَرْضَاةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنُسْمِعْ نِسَاءَنَا وَبَنَاتِنَا بِأَنَّ السَّعَادَةَ لَيْسَتْ في المَالِ، بَلْ في الْتِزَامِ الإِسْلَامِ، لِنُسْمِعْ نِسَاءَنَا وَبَنَاتِنَا أَكْرَمَ مَهْرٍ عَرَفَتْهُ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ.

روى النسائي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ؛ فَقَالَتْ: واللهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ؛ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.

فَأَسْلَمَ؛ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا.

قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرَاً مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ: الْإِسْلَامَ؛ فَدَخَلَ بِهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَبُو طَلْحَةَ هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ النَّجَّارِيُّ المُكَنَّى بِأَبِي طَلْحَةَ، بَلَغَهُ أَنَّ الرُّمَيْصَاءَ بِنْتَ مِلْحَانَ النَّجَّارِيَّةَ المُكَنَّاةَ بِأُمِّ سُلَيْمٍ قَدْ غَدَتْ أَيِّمَاً، بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَاسْتَطَارَ فَرَحَاً لِهَذَا الخَبَرِ.

وَلَا غَرْوَ (وَلَا عَجَبَ) فَقَد كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ سَيِّدَةً حَصَانَاً رَزَانَاً (حَصِينَةَ الخُلُقِ، رَزِينَةَ العَقْلِ) رَاجِحَةَ العَقْلِ، مُكْتَمِلَةَ الصِّفَاتِ.

فَعَزَمَ على أَنْ يُبَادِرَ إلى خِطْبَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَطْمَحُونَ إلى أَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ؛ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ على ثِقَةٍ مِنْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ لَنْ تُؤْثِرَ عَلَيْهِ أَحَدَاً مِنْ طَالِبِيهَا.

فَهُوَ رَجُلٌ مٌكْتَمِلُ الرُّجُولَةِ، مَرْمُوقُ المَنْزِلَةِ، طَائِلُ الثَّرْوَةِ؛ وَهُوَ إلى ذَلِكَ فَارِسُ بَنِي النَّجَّارِ، وَأَحَدُ رُمَاةِ يَثْربَ المَعْدُودِينَ.

مَضَى أَبُو طَلْحَةَ إلى بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَفِيمَا هُوَ في بَعْضِ طَرِيقِهِ، تَذَكَّرَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَد سَمِعَتْ مِنْ كَلَامِ هَذَا الدَّاعِيَةِ المَكِّيِّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ فَآمَنَتْ بِمُحَمَّدٍ، وَاتَّبَعَتْ دِينَهُ.

لَكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ في نَفْسِهِ: وَمَا في ذَلِكَ؟ أَلَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا الذي تُوُفِّيَ عَنْهَا مُتَمَسِّكَاً بِدِينِ آبَائِهِ، نَائِيَاً بِجَانِبِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَدَعْوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بَلَغَ أَبُو طَلْحَةَ مَنْزِلَ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَكَانَ ابْنُهَا أَنَسٌ حَاضِرَاً؛ فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا.

فَقَالَتْ: إِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ لَا يُرَدُّ، لَكِنِّي لَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَأَنْتَ رَجُلٌ كَافِرٌ.

فَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ تَـتَعَلَّلُ عَـلَيْهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهَا قَدْ آثَرَتْ عَـلَيْهِ رَجُلَاً آخَرَ، أَكْـثَرَ مِنْهُ مَالَاً، أَو أَعَزَّ نَفَرَاً.

فَقَالَ لَهَا: واللهِ مَا هَذَا الذي يَمْنَعُكِ مِنِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ.

قَالَتْ: وَمَا الذي يَمْنَعُنِي إِذَنْ؟!

قَالَ: الأَصْفَرُ وَالأَبْيَضُ، الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ.

قَالَتْ: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ؟!

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَتْ: بَلْ إِنِّي أُشْهِدُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ، وَأُشْهِدُ اللهَ وَرَسُولَهُ، أَنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ رَضِيتُ بِكَ زَوْجَاً مِنْ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَجَعَلْتُ إِسْلَامَكَ مَهْرَاً لِي.

فَمَا إِنْ سَمِعَ أَبُو طَلْحَةَ كَلَامَ أُمِّ سُلَيْمٍ، حَتَّى انْصَرَفَ ذِهْنُهُ إلى صَنَمِهِ الذي اتَّخَذَهُ مِنْ نَفِيسِ الخَشَبِ، وَخَصَّ بِهِ نَفْسَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ السَّادَةُ مِنْ قَوْمِهِ.

لَكِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَرَادَتْ أَنْ تَطْرُقَ الحَدِيدَ وَهُوَ مَا زَالَ حَامِيَاً، فَأَتْبَعَتْ تَقُولُ: أَلَسْتَ تَعْلَمُ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَنَّ إِلَهَكَ الذي تَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللهِ قَد نَبَتَ مِنَ الأَرْضِ؟!

فَقَالَ: بَلَى.

قَالَتْ: أَفَلَا تَشْعُرُ بِالخَجَلِ وَأَنْتَ تَعْبُدُ جِذْعَ شَجَرَةٍ جَعَلْتَ بَعْضَهُ لَكَ إِلَهَاً، بَيْنَمَا جَعَلَ غَيْرُكَ بَعْضَهُ وَقُودَاً لَهُ، يَصْطَلِي بِنَارِهِ، أَو يَخْبِزُ عَلَيْهِ عَجِينَهُ! إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ ـ يَا أَبَا طَلْحَةَ ـ رَضِيتُ بِكَ زَوْجَاً، وَلَا أرِيدُ مِنْكَ صَدَاقَاً غَيْرَ الإِسْلَامِ.

قَالَ: وَمَنْ لِي بِالإِسْلَامِ؟

قَالَتْ: أَنَا لَكَ بِهِ.

قَالَ: وَكَيْفَ؟

قَالَتْ: تَنْطِقُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ، فَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؛ ثمَّ تَـمْضِي إلى بَيْتِكَ فَتُحَطِّمَ صَنَمَكَ، ثمَّ تَرْمِي بِهِ.

فَانْطَلَقَتْ أَسَارِيرُ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؛ ثمَّ تَزَوَّجَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ.

فَكَانَ المُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: مَا سَمِعْنَا بِمَهْرٍ قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ مَهْرِ أُمِّ سُلَيْمٍ؛ فَقَدْ جَعَلَتْ صَدَاقَهَا الْإِسْلَامَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْـمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا»؟

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ وَبَنَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ صَحَابِيَّاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

لَقَد كَانَ صَدَاقُ أمِّ سُلَيْمٍ إِسْلَامَ زَوْجِهَا، فَعَاشَتْ حَيَاةً لَا مَثِيلَ لَهَا، وَنَالَتْ عِزَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ وَسَوْفَ نَتَحَدَّثُ عَنْ هَذَا الزَّوَاجِ المُبَارَكِ المَيْمُونِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في الدَّرْسِ القَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا للإِسْلَامِ، وَحَبِّبْ إلى قُلُوبِنَا الإِيمَانَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 10/ رجب /1437هـ، الموافق: 17/ نيسان/ 2016م