68ـ كلمات في مناسبات: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾

.

68ـ كلمات في مناسبات: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: في أَيَّامِ امْتِحَانَاتِ الطُّلَّابِ تَعِيشُ البُيُوتُ حَالَةً مِنَ التَّوَتُّرِ وَالاضْطِرَابِ، وَتُعْلِنُ حَالَةَ التَّأَهُّبِ وَالاسْتِعْدَادِ الكَامِلِ لِهَذَا الامْتِحَانِ الذي يُكْرَمُ فِيهِ الإِنْسَانُ أَوْ يُهَانُ.

هَذَا الامْتِحَانُ في الدُّنْيَا هُوَ امْتِحَانٌ جُزْئِيٌّ، وَفِيهِ أَسْئِلَةٌ مَحْدُودَةٌ، يَكُونُ في جَوٍّ هَادِئٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ، الكَرَاسِيُّ مُرِيحَةٌ، وَالأَنْوَارُ سَاطِعَةٌ، وَالأَمْنُ وَالأَمَانُ مُسْتَقِرٌّ وَمُتَوَفِّرٌ؛ وَمَعَ كُلِّ هَذَا تَرَى التَّوَتُّرَ مِنَ الطَّالِبِ المُمْتَحَنِ، وَمِنَ الأُسْرَةِ التي يَنْتَمِي إِلَيْهَا هَذَا الطَّالِبُ، وَهَذَا مِنْ حَقِّهِم وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ.

﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: امْتِحَانُ الدُّنْيَا يَسْتَعِدُّ لَهُ الطُّلَّابُ، وَيَبْذُلُونَ جُهْدَاً لِذَلَكَ مَشْكُورَاً؛ وَلَكِنْ لَوْ تَأَمَّلْنَا هَذَا الاهْتِمَامَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الامْتِحَانِ الهَيِّنِ اليَسِيرِ، وَقِلَّةَ اهْتِمَامِنَا، وَشِدَّةَ غَفْلَتِنَا عَنِ الامْتِحَانِ الأَكْبَرِ، لَوَجَدْنَا الشَّيْءَ العَجِيبَ، أَيَهْتَمُّ أَحَدُنَا لِامْتِحَانِ الدُّنْيَا اليَسِيرِ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَلَا يَهْتَمُّ للامْتِحَانِ الأَكْبَرِ، حَيْثُ يَقُول اللهُ تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾؟ الفَارِقُ كَبِيرٌ جِدَّاً بَيْنَ امْتِحَانِ الدُّنْيَا وَامْتِحَانِ الآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الامْتِحَانُ في الآخِرَةِ أَمَامَ الله تعالى عَظِيمٌ وَخَطِيرٌ، سَوْفَ يُسْأَلُ العَبْدُ عَنْ مَجَالَاتِ الحَيَاةِ كُلِّهَا، بِحَيْثُ أُحْصِيَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا صَدَرَ مِنْهُ في كِتَابٍ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا، لَقَد أَحْـصَى الأَقْوَالَ وَالأَفْعَالَ، وَالحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَأَلَمَّ بِالخَطَرَاتِ، وَالهَنَاتِ، وَالزَّلَّاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْـمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾.

فَجَمِيعُ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالخَطَرَاتِ سَوْفَ تُعْرَضُ على العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّ الكَتَبَةَ كَانُوا يُحْصُونَ وَيَسْتَنْسِخُونَ، قَالَ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَهُنَاكَ تُـنْشَرُ الفَضَائِحُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، وَتَظْهَرُ القَبَائِحُ، وَيَظْهَرُ مَا كَانَ مَسْتُورَاً، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى الـسَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعَاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ تَعِيشُونَ هَذِهِ الأَزْمَةَ، وَالأَعْصَابُ مُتَوَتِّرَةٌ، وَالكُلُّ خَائِفٌ، خَائِفٌ على مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، خَائِفٌ على أَعْرَاضِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، هَلَّا جَعَلْنَا شَيْئَاً مِنْ هَذَا الخَوْفِ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾؟

فَكِّرُوا مَنْ هُوَ السَّائِلُ؟ السَّائِلُ هُوَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. إِنَّهُ مَوْقِفٌ رَهِيبٌ؛ السَّائِلُ هُوَ مَلِكُ المُلُوكِ، وَمَالِكُ المُلُوكِ، وَرَبُّ الأَرْبَابِ.

وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

هَلْ سَمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هَذَا؟ هَلْ سَمِعَ الإِمَامُ المَسْؤُولُ عَنِ الأُمَّةِ هَذَا؟ وَهَلْ سَمِعَ الرَّجُلُ المَسْؤُولُ عَنْ بَيْتِهِ هَذَا؟ وَهَلْ سَمِعَتِ المَرْأَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ بَيْتِهَا وَزَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا هَذَا؟

هَلْ سَمِعْنَا جَمِيعَاً قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ على أَهْلِ بَيْتِهِ» رواه النسائي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: رَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا   ***   لَكَانَ المَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ

وَلَـكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا    ***   وَنُسْأَلُ بَعْدَ ذَا عَنْ كُلِّ شَيِّ

﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَسْتَعِدَّ لِيَوْمِ الامْتِحَانِ الحَقِيقِيِّ، حَيْثُ النَّتِيجَةُ فِيهِ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾. وَلْنَتَدَبَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدَاً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾. في يَوْمٍ: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَاً﴾. في يَوْمٍ: ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي تَكُونُ فِيهِ القُلُوبُ وَاجِفَةً، وَالأَبْصَارُ خَاشِعَةً، وَالأَعْنَاقُ خَاضِعَةً، وَالأُمَمُ جَاثِيَةً، تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.

تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾.

تَذَكَّرُوا اليَوْمَ الذي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدَاً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾. رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وفي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً».

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟

فَقَالَ: «الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ هَذَا الامْتِحَانَ الرَّهِيبَ، حَيْثُ نُسْأَلُ فِيهِ عَنْ كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، وَعَنْ كُلِّ مَا أَتَيْنَا وَتَرَكْنَا؛ اليَوْمَ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ: (اعْمَلْ مَا شِئْتَ). وَغَدَاً حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ: ﴿جَزَاءً وِفَاقَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنُرِ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرَاً، لِنَصْطَلِحْ مَعَ اللهِ تعالى، لِنَكُفَّ عَنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَلْبِ الأَمْوَالِ، وَتَرْوِيعِ النَّاسِ، وَلْنَتَرَاجَعْ عَنْ أَخْطَائِنَا، وَلْنَكُنْ سَبَبَاً لِـنَشْرِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ في بِلَادِنَا، لَعَلَّنَا نُسَرُّ يَوْمَ العَرْضِ على اللهِ تعالى، لَعَلَّنَا نُزَحزَحُ عَنْ نَارِ جَهَنَّمَ، لَعَلَّنَا نَفُوزُ في أَرْضِ المَحْشَرِ، لَعَلَّنَا نَكُونُ مِنَ السُّعَدَاءِ، لَعَلَّنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الفَائِزِينَ: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 13/ رجب /1437هـ، الموافق: 20/ نيسان / 2016م