487ـ خطبة الجمعة: يا أيها الحريص على دينه والمعتز به

.

487ـ خطبة الجمعة: يا أيها الحريص على دينه والمعتز به

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِشَرْعٍ حَنِيفٍ، وَجَعَلَ لَهُ قَوَاعِدَ، فَمَنْ أَحَاطَ بِهَذِهِ القَوَاعِدِ أَمِنَ مِنَ المَزَالِقِ، وَعَلَى قَدْرِ الأَخْذِ بِهَا تَنجُو الأُمَّةُ، بَلْ تَنْجُو البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ مِنَ الـضِّيْقِ.

وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ القَوَاعِدِ: اعْتِبَارُ المَآلَاتِ في الأَفْعَالِ، وَنَتَائِجِ الأَعْمَالِ، وَبِالنَّظَرِ إلى نَتَائِجِ الفِعْلِ يُعْرَفُ حُكْمُ الفِعْلِ، فَقَد يَكُونُ العَمَلُ مُبَاحَاً في أَصْلِهِ، لَكِنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ لِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مِنَ المَفْسَدَةِ، فَكُلُّ عَمَلٍ مَشْرُوعٍ مَآلُهُ وَنَتِيجَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، هُوَ في شَرْعِنَا مَمْنُوعٌ، وَكُلُّ فِعْلٍ جَائِزٍ يُفْضِي إلى أَمْرٍ غَيْرِ جَائِزٍ، هُوَ في شَرْعِنَا غَيْرُ جَائِزٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: وَلَا أَدَلَّ على ذَلِكَ مِنَ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾. فَلَقَد نَهَى اللهُ تعالى عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الـمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ جَائِزَاً شَرْعَاً، لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً لِمُقَابَلَةِ المُشْرِكِينَ ذَلِكَ بِسَبِّ الإِلَهِ الحَقِّ المُبِينِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد بُنِيَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الغَرَّاءُ على الأَخْذِ بِالحَزْمِ، وَالتَّحَرُّزِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ طَرِيقَاً إلى الفِتْنَةِ وَالاخْتِلَالِ، وَفَسَادِ الأَحْوَالِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ طَرِيقَاً يُوصِلُ إلى إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ البريئَةِ، وَسَلْبِ الأَمْوَالِ، وَتَعْطِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ.

يَا أَيُّهَا الحَرِيصُ على دِينِهِ، وَالمُعْتَزُّ بِهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَا يَجْرِي في بَلَدِنَا الحَبِيبِ أَدَّى إلى مَفَاِسدَ عَظِيمَةٍ، لَقَد سُفِكَتِ الدِّمَاءُ البَرِيئَةُ، وَهُدِّمَتِ البُيُوتُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَرُوِّعَ الآمِنُونَ، وَرُمِّلَتِ النِّسَاءُ، وَيُتِّمَ الأَطْفَالُ، وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ العِبَادِ وَالبِلَادِ، وَشَمِتَ أَعْدَاؤنَا بِدَائِنَا، وَأُعْطِيَتْ أَقْبَحُ صُورَةٍ عَنْ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، الذي قَالَ فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾. هَلْ مَا يَجْرِي في بِلَادِنَا مِنَ الإِسْلَامِ الذي رَضِيَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا؟

فَيَا أَيُّهَا الحَرِيصُ على دِينِهِ، وَالمُعْتَزُّ بِهِ، تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. فَمَنْ خَالَفَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَد عَرَّضَ نَفْسَهُ للفِتْنَةِ وَالعَذَابِ الأَلِيمِ.

يَا أَيُّهَا الحَرِيصُ على دِينِهِ، وَالمُعْتَزُّ بِهِ، أَمَا عَلِمْتَ:

أولاً: أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَ المُنَافِقِينَ الذينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم، وَرَأَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دِينِ اللهِ تعالى فُسْحَةً أَنْ يَتْرُكَ قَتْلَهُم خَشْيَةَ المَفَاسِدِ المُتَرَتِّبَةِ على هَذَا القَتْلِ، وَهِيَ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

ثانياً: أَمَا عَلِمْتَ يَا أَيُّهَا الغَيُورُ على دِينِهِ، وَالمُعْتَزُّ بِهِ، وَالحَرِيصُ عَلَيْهِ، قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدَاً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامَاً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدَاً، أَو انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئَاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً.

ثالثاً: أَمَا عَلِمْتَ يَا أَيُّهَا الغَيُورُ على دِينِهِ، وَالمُعْتَزُّ بِهِ، وَالحَرِيصُ عَلَيْهِ، أَنَّ الكَافِرَ في أَرْضِ المَعْرَكَةِ إِذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَرُمَ قَتْلُهُ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ نَطَقَ بِهَا خَوْفَاً مِنَ القَتْلِ؟

روى الإمام البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلَاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ.

فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟».

قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذَاً؛ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ عُذْرَ أسَامَةَ، وَلَمْ يَقْبَلْ تَأْوِيلَهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ على حُرْمَةِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ شَرْعُنَا الحَنِيفُ قَد مَنَعَ مِنَ الأَمْرِ الجَائِزِ الـمُفْضِي إلى الحَرَامِ، فَمَا هُوَ القَوْلُ فِيمَنْ يَسْلُكُ مَسْلَكَ التَّأْوِيلِ لِرَدِّ نُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ لِاسْتِبَاحَةِ المَحْظُورِ، وَتَجْرِيءِ العَامَّةِ على العِصْيَانِ، وَإِضْعَافِ التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ لَمِنَ المُؤْسِفِ أَنْ تَغِيبَ حَقَائِقُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ عَنِ النَّاسِ، فَإِذَا بِهِم يَسْتَسْلِمُونَ للفِتَنِ، وَيَدْفَعُونَ أَنْفُسَهُم إلى ارْتِكَابِ المُتَوَعَّدِ عَلَيْهِ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِالوَعِيدِ الشَّدِيدِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا وَذَكِّرُوا الأُمَّةَ بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

لِتَكُفَّ الأُمَّةُ عَنِ القَتْلِ، وَالسَّلْبِ، وَالنَّهْبِ، وَالتَّرْوِيعِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالباطِلِ، لَقَد فُضِحَتْ هَذِهِ البَلَدُ على أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ مِنْ خِلَالِ مَا يَفْعَلُ المُسْلِمُونَ بِبَعْضِهِمُ البَعْضِ، هَلْ مَا يَجْرِي، وَمَا يُعْرَضُ، يَدُلُّ على الدِّينِ الذي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/ رجب /1437هـ، الموافق: 22/نيسان / 2016م