505ـ خطبة الجمعة: لا تكونوا قنطرة لعدو الإسلام والمسلمين

.

505ـ خطبة الجمعة: لا تكونوا قنطرة لعدو الإسلام والمسلمين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَصَوَّرُ أَنَّ الرُّجُوعَ إلى الحَقِّ ضَعْفٌ، وَأَنَّ العَوْدَةَ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ بَعْدَ الخَطَأِ تَهُزُّ شَخْصِيَّتَهُم، لِذَا تَرَاهُمْ يَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الرُّجُوعُ إلى الحَقِّ، وَمَا ذَاكَ إلا لِآفَةِ التَّعَصُّبِ المَاحِقَةِ المُدَمِّرَةِ، وَلِتَأْثِيرِ الدُّنْيَا على الدِّينِ، وَلِتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ وَالنَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا التَّرَاجُعَ يُنْقِصُهُمْ، وَيَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِمْ، وَيَخْدِشُ في شَخْصِيَّتِهِمْ؛ وَالحَقِيقَةُ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: الرُّجُوعُ إلى الحَقِّ مِنْ شَأْنِ العُلَمَاءِ الذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. الرُّجُوعُ إلى الحَقِّ بَعْدَ وُضُوحِ البَاطِلِ مِنْ شَأْنِ كُمَّلِ الرِّجَالِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلى الحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي في البَاطِلِ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حِينَ كَتَبَ إلى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: لَا يَمْنَعُكُ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.

أَعِيدوا الحِسَابَ قَبْلَ يَوْمِ الحِسَابِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ خِلَالِ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ أُخَاطِبُ الأُمَّةَ، وَأُخَاطِبُ أَهْلَ هَذَا البَلَدِ، وَأُخَاطِبُ كُلَّ مَنْ يَنْفُخُ في كِيرِ هَذِهِ الفِتْنَةِ، مِنْ طُلَّابِ عِلْمٍ، وَمِنْ عُلَمَاءَ، وَمِنْ سِيَاسِيِّينَ، وَمِنْ مُفَكِّرِينَ، أَعِيدوا الحِسَابَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الحِسَابِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا الْـمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾.

أَعِيدوا الحِسَابَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ قِيَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، لِأَنَّ الكُلَّ مَيِّتٌ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾. وَأَعِدُّوا الجَوَابَ لِمَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.

يَا مَنْ نَفَخَ في هَذِهِ النَّارِ، وَمَا زَالَ يَنْفُخُ فِيهَا، سَلْ نَفسَكَ: بِأَيِّ ذَنْبٍ دُمِّرَ هَذَا البَلَدُ؟ بِأَيِّ ذَنْبٍ سُفِكَتِ الدِّمَاءُ؟ بِأَيِّ ذَنْبٍ رُمِّلَتِ النِّسَاءُ وَيُتِّمَ الأَطْفَالُ؟ بِأَيِّ ذَنْبٍ نَزَحَ النَّاسُ عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَتُرِكَتْ عُرْضَةً للسَّلْبِ وَالنَّهْبِ؟

يَا مَنْ نَفَخَ في هَذِهِ النَّارِ وَمَا زَالَ، مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَنْتَ تَرَى دِمَاءَ المُسْلِمِينَ، وَأَمْوَالَ المُسْلِمِينَ، وَمُمْتَلَكَاتِ المُسْلِمِينَ، قَدْ حَلَّ بِهَا مَا حَلَّ؟

يَا مَنْ دَعَوْتَ إلى الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، هَلِ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ في سَفْكِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ، وَتَخْرِيبِ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، وَتَفْتِيتِ قُوَّةِ المُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ اليَهُودِ في أَرْضِ المُسْلِمِينَ يُدَنِّسُونَ أُولَى القِبْلَتَيْنِ وَثَالِثَ الحَرَمَيْنِ؟ هَلِ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ في خِدْمَةِ الكَيَانِ الصُّهْيُونِيِّ وَالمَاسُونِيَّةِ العَالَمِيَّةِ؟

يَا مَنْ دَعَوْتَ إلى الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، أَمَا عَلِمْتَ مَاذَا حَلَّ في العِرَاقِ، وَلِيبْيَا، وَاليَمَنِ، وَهَذَا البَلَدِ، وَالعَدُوُّ يَسْخَرُ مِنْكَ، بَلْ رُبَّمَا كُنْتَ في خِدْمَتِهِ وَتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ؟

يَا مَنْ أَعْطَيْتَ الفَتْوَى بِسَفْكِ دِمَاءِ أَهْلِ هَذَا البَلَدِ وَلَو ذَهَبَ ثُلُثُ أَهْلِهِ، لَقَدْ كَسَرْتَ بِفَتْوَاكَ أَسْوَارَ الوَطَنِ وَجَعَلْتَهُ مُسْتَبَاحَاً للقَاصِي وَالدَّانِي، لَقَدْ دَمَّرْتَ بِفَتْوَاكَ الحَجَرَ وَالشَّجَرَ وَالمَدَرَ وَالبَشَرَ؛ هَلْ أَفْتَيْتَ بِهَذَا على ضَوْءٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يَا هَؤُلَاءِ، يَا مَنِ اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُكُمْ على إِيقَادِ نَارِ هَذِهِ الفِتْنَةِ في هَذَا البَلَدِ، أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا؟ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إلى الحَقِّ وَتَتْرُكُوا البَاطِلَ؟ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَفْتَحُوا أَبْصَارَكُمْ وَبَصَائِرَكُمْ نَحْوَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ لِتَعْلَمُوا مَاذَا يُرِيدُونَ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ؟ يَا هَؤُلَاءِ، أَعِيدُوا الحِسَابَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَلَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا هَؤُلَاءِ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، وَالرَّحِمَ، كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ هَذَا البَلَدِ، وَأَعْلِنُوا تَوْبَتَكُمْ للهِ تعالى جِهَارَاً نَهَارَاً، كَمَا أَوْقَدْتُمْ نَارَ هَذِهِ الحَرْبِ جِهَارَاً نَهَارَاً، لَا تَقُولُوا: مَاذَا يَقُولُ النَّاسُ عَنَّا؟ وَلَكِنْ قُولُوا: مَاذَا سَنَقُولُ للهِ تعالى غَدَاً يَوْمَ القِيَامَةِ؟

وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ المُسْتَفِيدَ حَصْرَاً مِنْ هَذِهِ الحَرْبِ هُوَ الكَيَانُ الصُّهْيُونِيُّ وَالمَاسُونِيَّةُ العَالَمِيَّةُ، فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ، لَا تَكُونُوا وُكَلَاءَ عَنْهُمْ، ارْحَمُوا أَنْفُسَكُمْ وَوَطَنَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ في هَذَا البَلَدِ، وَلَا تَكُونُوا قَنْطَرَةً لِعَدُوِّ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ لِهَدْمِ الإِسْلَامِ، لَقَدْ طَعَنْتُمْ وَطَنَكُمْ وَأَهْلَ وَطَنِكُمْ بِسِهَامٍ مَسْمُومَةٍ حَتَّى زَرَعْتُمُ الحِقْدَ وَالبَغْضَاءَ وَالإِجْرَامَ في حَقِّ بَعْضِهِمُ بَعْضَاً، بَابُ التَّوْبَةِ للهِ تعالى مَفْتُوحٌ، فَهَلْ تَلِجُونَهُ صَرَاحَةً؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 19/آب / 2016م