1ـ الإنسان في القرآن العظيم: تكريم الله تعالى للإنسان

الإنسان في القرآن العظيم

1ـ تكريم الله تعالى للإنسان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَو تَفَكَّرْنَا وَتَأَمَّلْنَا عَظَمَةَ هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ، الرَّبِّ الجَلِيلِ، الذي شَرَعَ لَنَا هَذَا الدِّينَ، لَأَدْرَكْنَا أَنَّنَا في كَرَامَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَدْرَكْنَا حَقِيقَةَ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾.

وَاللهِ إِنَّ اللهَ تعالى قَدْ كَرَّمَ الإِنْسَانَ كَرَامَةً عَظِيمَةً مَا تَفَكَّرَ الإِنْسَانُ في حَقِيقَتِهَا، بَلْ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ خَلَتْ بِهِ مَذَاهِبُهُ، وَأَغْوَتْه شَيَاطِينُ الإِنْسِ وَالجِنِّ، حَتَّى رَضِيَ الخِسَّةَ وَالدَّنَاءَةَ وَالحَضِيضَ وَالهَوَانَ لِنَفْسِهِ، وَاشْتَرَاهَا بَدِيلَاً عَنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لَهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى للإِنْسَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في القُرْآنِ العَظِيمِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَتَضَمَّنُ تَكْرِيمَ اللهِ تعالى للإِنْسَانِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، هَذِهِ الآيَاتُ بَيَّنَتْ أَنَّ المُرَادَ بِالإِنْسَانِ المُكَرَّمِ هُوَ جِنْسُ الإِنْسَانِ الصَّادِقِ بِكُلِّ أَفْرَادِهِ وَفِئَاتِهِ وَأَقْوَامِهِ وَجَمَاعَاتِهِ، هَذَا التَّكْرِيمُ خِلْعَةٌ شَرَّفَ اللهُ تعالى بِهَا الإنْسَانَ قَبْلَ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِ التَّكَالِيفَ التي خَاطَبَهُ بِهَا.

 مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى للإِنْسَانِ بِشَكْلٍ عَامٍّ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾.

وَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلَاً﴾.

طَبْعَاً هَذَا السُّجُودُ سُجُودُ تَكْرِيمٍ وَتَبْجِيلٍ، لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ وَتَعْظِيمٍ، لِأَنَّ سُجُودَ العِبَادَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَا يَكُونُ إلا للهِ تعالى.

وَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقَاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعَاً مِنْهُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تَتَضَمَّنُ بِوُضُوحٍ المَكَانَةَ المُتَمَيِّزَةَ للإِنْسَانِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذي بَوَّأَ للإِنْسَانِ هَذِهِ المَرْتَبَةَ، وَهَذِهِ المَزِيَّةَ، وَأَهَّلَهُ لَهَا إِنَّمَا هُوَ اللهُ تعالى، بِفَضلِهِ وَكَرَمِهِ، لِا بِمَزِيَّةٍ ذَاتِيَّةٍ سَعَى إِلَيْهَا الإِنْسَانُ فَنَالَهَا، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ الفَضْلِ وَالمِنَّةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مِنْ تَمَامِ فَضلِهِ عَلَيْكَ أَنْ خَلَقَ فِيكَ وَنَسَبَ إِلَيْكَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الحُظْوَةُ وَالمَزِيَّةُ التي نَالَهَا الإِنْسَانُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَفَرَّدَ بِهَا، وَمَيَّزَهُ عَنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ الحَيَّةِ، لَمْ تَكُنْ ثَمَرَةَ جُهُودٍ مَارَسَهَا هَذَا الإِنْسَانُ بِمَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَنَالَ بِسَبَبِهَا هَذِهِ الرُّتْبَةَ؛ بَلْ هِيَ مَنْزِلَةٌ وَحُظْوَةٌ وَعَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ تعالى تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَيَّ تَشْرِيعٍ وَأَيَّ دِينٍ.

عَلَامَ يَدُلُّ هَذَا التَّكْرِيمُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَسَاءَلْ مَعَ أَنْفُسِنَا وَمَعَ بَعْضِنَا، عَلَامَ يَدُلُّ هَذَا التَّكْرِيمُ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ المُتَنَوِّعَةِ؟

مَا مِنْ رَيْبٍ وَلَا شَكٍّ في أَنَّهُ يَدُلُّ على مَحَبَّةِ اللهِ تعالى العَظِيمِ لِهَذَا العَبْدِ الذي خَلَقَهُ فَسَوَّاهُ فَعَدَلَهُ، في أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَهُ، لَقَدْ خَلَقَهُ اللهُ تعالى بِيَدَيْهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، ثمَّ سَخَّرَ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ في القرآنِ العَظِيمِ جَوْهَرَةٌ، مَا عَرَفَ الإِنْسَانُ بِحَدِّ ذَاتِهِ قَدْرَهَا، وَمَا عَرَفَ أَنَّهُ هَوَ المُرَادُ مِنْ هَذَا الكَوْنِ، وَمَا عَرَفَ أَنَّ اللهَ تعالى يُرِيدُهُ لِجِوَارِهِ.

فَيَا مَنْ أَسْجَدَ اللهُ تعالى لِأَبِيكَ آدَمَ المَلَائِكَةَ وَأَنْتَ في صُلْبِهِ، وَيَا مَنْ أَقَامَ اللهُ تعالى الأَطْهَارَ مِنْ عِبَادِهِ الذينَ زَكَتْ نُفُوسُهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لَكَ قَبْلَ مَجِيئِكَ إلى دَارِ الدُّنْيَا، اسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تعالى حَقَّ الحَيَاءِ، هَذَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنَاً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ﴾. بَلْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ قَبْلَ مَجِيئِكَ، قَالَ تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ﴾.

بَلْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَمَلَةَ العَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لَكَ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ العَجِيبِ أَنْ يَعْرِفَ الإِنْسَانُ هَذَا ثمَّ لَا يُحِبَّ اللهَ تعالى، وَلَا يَسْمَعَ دَاعِيَهُ، وَلَا يَسْتَجِيبَ لِنِدَائِهِ، إِنَّهُ مِنَ العَجِيبِ أَنْ يَعْرِفَ الإِنْسَانَ هَذَا ثمَّ يَجْتَرِئَ على مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

بَلْ مِنَ العَجِيبِ أَنْ يَعْرَِفَ الإِنْسَانُ قِيمَةَ الإِنْسَانِ عِنْدَ اللهِ تعالى، ثمَّ يَجْتَرِئَ على سَفْكِ دَمِهِ البَرِيءِ.

أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَسْمَعَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾؟

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 26/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 28/ أيلول / 2016م