119ـ كلمة شهر محرم 1438: أما كان يكفينا هذا الحديث الشريف؟

.

119ـ كلمة شهر محرم 1438: أما كان يكفينا هذا الحديث الشريف؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا شَهْرُ اللهِ تعالى المُحَرَّمُ قَدْ أَقْبَلَ على الأُمَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ، وَهُوَ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.

وَالأَشْهُرُ الحُرُمُ أَرْبَعَةٌ، وَاحِدٌ فَرْدٌ، وَهُوَ شَهْرُ رَجَبٍ، وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَهِيَ: ذُو القِعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ؛ وَمِنْ حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ بَدَأَ السَّنَةَ الهِجْرِيَّةَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَخَتَمَهَا بِشَهْرٍ حَرَامٍ، وَهُوَ ذُو الحِجَّةِ، فَهَلْ تَعَرَّضَتِ الأُمَّةُ لِرَحْمَةِ اللهِ تعالى في هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، أَمْ لِسَخَطِ اللهِ تعالى؟

وَاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ العَجِيبِ: أُمَّةٌ يُخَاطِبُهَا رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ:  ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. وَهِيَ تَظْلِمُ نَفْسَهَا في جَمِيعِ الأَشْهُرِ، وَلِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ ! مَاذَا أَصَابَ الأُمَّةَ؟!

هَلِ اسْتَطَاعَ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ بِإِغْوَائِهِ وَوَسْوَسَتِهِ وَإِغْرَائِهِ أَنْ يُنْسِيَهَا هَذِهِ الحَقِيقَةَ؟ هَلِ اسْتَطَاعَ الشَّرْقُ وَالغَرْبُ أَنْ يَطْمِسَ على البَصَائِرِ حَتَّى نُسِيَتْ حَقِيقَةُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَصِلَ الأُمَّةُ إلى هَذَا الحَدِّ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَبَقِيَّةِ الأَشْهُرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، وَلِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَهِيَ لَمْ تَعْتَبِرْ مِنْ مَوَاقِفِ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ تُجَاهَ المَسْجِدِ الأَقْصَى خَاصَّةً، وَأَهْلِ فِلَسْطِينَ عَامَّةً؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَنْسَى الأُمَّةُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في أَعْدَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾؟

احْذَرُوا اتِّبَاعَ الهَوَى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احْذَرُوا اتِّبَاعَ الهَوَى، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الهَوَى ضَلَالٌ، وَعَلَيْكُمْ بِالاسْتِجَابَةِ لِأَمْرِ اللهِ تعالى وَلِأَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

وَقَالَ تعالى مُحَذِّرَاً مِنْ عَدَمِ الاسْتِجَابَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَعَانَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحِفْظِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ وَلِحُرْمَتِهَا، دَعَانَا لِحِفْظِ أَمْوَالِ الأُمَّةِ وَحُرْمَتِهَا، دَعَانَا لِحِفْظِ أَعْرَاضِ الأُمَّةِ وَحُرْمَتِهَا.

دَعَانَا للصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ حَتَّى نَلْقَاهُ على الحَوْضِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» رواه الشيخان عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَسَعُنِي إلا أَنْ أُخَاطِبَ الأُمَّةَ كُلَّهَا بِكَلَامِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، بِكَلَامِ المَعْصُومِ، بِكَلَامِ المَحْفُوظِ، رَاجِيَاً رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعلَنِي بِذَلِكَ مِنَ الصَّادِقِينَ المَحْفُوظِينَ، لِأَنَّهُ لَا حِفْظَ وَلَا صِدْقَ وَلَا سَلَامَةَ إلا بِامْتِثَالِ أَمْرِ المَعْصُومِ، الذي قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾.

أَقُولُ: يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، يَا مَنْ مَرَّتْ عَلَيْكُمْ تِلْكَ السَّنَوَاتُ التي سُفِكَتْ فِيهَا الدِّمَاءُ البَرِيئَةُ، بِسَبَبِ الشِّعَارَاتِ البَرَّاقَةِ الخَدَّاعَةِ، التي جَاءَتْ مِنْ شَرْقٍ وَمِنْ غَرْبٍ: الرَّبِيعُ العَرَبِيُّ؛ الذي صَارَ جَحِيمَاً عَرَبِيَّاً، اصْحُوا مِنْ غَفْلَتِكُمْ، وَاعْلَمُوا مَنْ هُوَ الرَّابِحُ في هَذِهِ الحَربِ المُدَمِّرَةِ، وَاللهِ لَا يَحْتَاجُ العَاقِلُ فِيهَا إلى تَفْكِيرٍ كَبِيرٍ.

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، اسْمَعُوا بَعْضَ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّ الالْتِزَامَ بِهَا يَرُدُّ أُلْفَتَنَا، وَيَجْمَعُ شَمْلَنَا.

روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟

قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ. أَمَا كَانَ يَكْفِينَا هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ؟

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى الْـمَرْءِ الْـمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ». أَمَا كَانَ يَكْفِينَا هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ؟

وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟

قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ». أَمَا كَانَ يَكْفِينَا هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ؟

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ». أَمَا كَانَ يَكْفِينَا هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ هَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَجْلِ المُحَافَظَةِ على عَرْشِ السَّلَاطِينِ وَالأُمَرَاءِ، أَمْ مِنْ أَجْلِ المُحَافَظَةِ على الدِّمَاءِ وَالأَعْرَاضِ وَالأَمْوَالِ؟

﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.

هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ لِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/ محرم /1438هـ، الموافق: 2/تشرين الأول / 2016م