144-نحو أسرة مسلمة:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا»

نحو أسرة مسلمة

144-«لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ، بَلْ مِنْ أَهَمِّهَا وَأَعْظَمِهَا هُوَ تَدَخُّلُ الغَيْرِ في شُؤُونِ الزَّوْجَيْنِ، وَخَاصَّةً مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُرِيدُ الإِصْلَاحَ.

لِذَا إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى بِالزَّوْجَيْنِ خَيْرَاً فَإِنَّهُ يُكْرِمُهُمَا بِأَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا، كَمْ مِنْ نِسَاءٍ صَالِحَاتٍ طَاهِرَاتٍ، وَكَمْ مِنْ رِجَالٍ صَادِقِينَ مُبَارَكِينَ وَقَعُوا في مَشَاكِلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّوْجَانِ المُسَدَّدَانِ المُوَفَّقَانِ لَا يُدْخِلَانِ أَحَدَاً بَيْنَهُمَا، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعِيدٍ، إلا إِذَا اسْتَعْصَى الأَمْرُ عَلَيْهِمَا، عِنْدَهَا يُدْخِلَانِ الرَّجُلَ العَالِمَ الصَّالِحَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ صَاحِبَ الحِكْمَةِ للإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا.

لِذَلِكَ كَانَ مِنَ الخَطَأِ البَيِّنِ أَنْ يَتَدَخَّلَ الوَالِدُ في شُؤُونِ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ الأُمُّ في شُؤُونِ ابْنَتِهَا، إِنَّهُ مِنَ الخَطَأِ البَيِّنِ أَنْ يَتَعَقَّبَ كُلٌّ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ شُؤُونَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَسْأَلَانِ عَنْ أُمُورٍ لَا يَحِلُّ لَهُمُ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَخَاصَّةً في تَتَبُّعِ العَوْرَاتِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا حِكْمَةَ الرَّجُلِ في مُعَامَلَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ، انْظُرُوا إِلَيْهِ في أَسْرَارِهِ مَعَ أَهْلِهِ، إِنْ كَانَ كَتُومَاً لَا يُخْبِرُ أَحَدَاً، مُفَوِّضَاً أَمْرَهُ إلى اللهِ تعالى، يَشْكُو بَثَّهُ وَحُزْنَهُ إلى اللهِ تعالى، وَيُعَلِّقُ رَجَاءَهُ في اللهِ تعالى، وَيُحْسِنُ إِدَارَةَ أُمُورِهِ بِنَفْسِهِ مُتَوَكِّلَاً على اللهِ تعالى مُعْتَمِدَاً عَلَيْهِ، فَظُنُّوا فيهِ خَيْرَاً.

وَكَذَلِكَ المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ العَاقِلَةُ هِيَ التي لَا تَأْذَنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، تُحَاوِلُ رَغْمَ أَذِيَّةِ زَوْجِهَا لَهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِذَلِكَ قَرِيبٌ وَلَا بَعِيدٌ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، وَهَذِهِ هِيَ قِمَّةُ الوَفَاءِ، وَقِمَّةُ العِشْرَةِ الصَّالِحَةِ السَّوِيَّةِ؛ وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ.

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَهَمِّ وَأَعْظَمِ الأَسْبَابِ التي تُوقِعُ المَشَاكِلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ تَدَخُّلُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ في شُؤُونِ الأَزْوَاجِ، فَيُدلِي كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَتَعَقَّبَ وَيُفَسِّرَ الأُمُورَ وَيُحَمِّلَهَا على غَيْرِ مَا يَنْبَغِي.

وَالأَسْوَأُ حَالَاً هُوَ تَدَخُّلُ الأَصْدِقَاءِ وَالأَبَاعِدِ في حَيَاةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ شَرْعَاً، وَلَا يَحِلُّ لِإِنْسَانٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَتَدَخَّلَ في حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ على سَبِيلِ الإِفْسَادِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ (أَفْسَدَ وَخَادَعَ) امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدَاً عَلَى سَيِّدِهِ» رواه الحاكم وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ لِخُطُورَةِ هَذَا الأَمْرِ، مِنْ حُصُولِ إِفْسَادِ الزَّوْجِ على زَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ على زَوِجَهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِفْسَادُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْـمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئَاً، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ عَلَاقَةٌ خَاصَّةٌ وَمُمَيَّزَةٌ، وَعَقْدُ الزَّوَاجِ عَقْدٌ فَرِيدٌ وَكَرِيمٌ، جَعَلَ الإِسْلَامُ لَهُ مَكَانَةً عَالِيَةً، وَمَنْزِلَةً سَامِيَةً، حَتَّى قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مِنْ هُنَا كَانَ التَّعَامُلُ مَعَ هَذَا العَقْدِ الكَرِيمِ تَعَامُلَاً خَاصَّاً يَحْظَى بِعِنَايَةٍ بَالِغَةٍ، وَرِعَايَةٍ فَائِقَةٍ، وَاحْتِرَامٍ شَدِيدٍ، وَكَانَتِ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِ مِنَ الأُمُورِ الجَلِيلَةِ الشَّأْنِ، العَظِيمَةِ المِقْدَارِ في دِينِ اللهِ تعالى.

لِذَا تَرَى شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على إِفْسَادِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، وَهَذَا يُفْرِحُهُمْ أَشَدَّ الفَرَحِ، فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ أَو المَرْأَةُ مَقَامَ الشَّيْطَانِ في التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تَحْرِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا على الآخَرِ؟

﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَرَابُطُ الأُسَرِ هِيَ أُسُّ صَلَاحِ المُجْتَمَعِ، وَفَسَادُ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَعْنِي فَسَادَ البُيُوتِ، وَفَسَادُهَا فَسَادُ المُجْتَمَعِ وَتَشَتُّتُهُ، لِذَا كَانَ الإِصْلَاحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي تُقَرِّبُ العَبْدَ مِنَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أَوْ إِعْرَاضَاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَأْنُ العُقَلَاءِ مِنَ الأَزْوَاجِ أَنْ لَا يَأْذَنُوا لِأَحَدٍ بِالتَّدَخُّلِ في حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَّةِ، شَأْنُ العُقَلَاءِ أَنْ يُعَالِجُوا مَشَاكِلَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دُونَ تَدَخُّلِ أَحَدٍ في حَيَاتِهِمْ، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعِيدٍ، وَشَأْنُ العُقَلَاءِ مِنَ الأَزْوَاجِ أَنْ يَلْتَزِمُوا قَوْلَ اللهِ تعالى في الإِصْلَاحِ، وَخَاصَّةً الزَّوْجُ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْـمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾.

هَذَا هُوَ العِلَاجُ الرَّبَّانِيُّ الذي يَأْتِي بِالعَوَاقِبِ الحَمِيدَةِ إِذَا الْتَزَمَهُ الزَّوْجُ الْتِزَامَاً صَحِيحَاً، وَخَاصَّةً في مَسْأَلَةِ الهَجْرِ في المَضَاجِعِ، فَالزَّوْجُ لَا يُشِيعُ بَيْنَ أَحَدٍ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَيُبْقِيهَا مَحْصُورَةً في فِرَاشِ الزَّوْجِيَّةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَدْ يُبْتَلَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالطَّرَفِ الآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ عَنِيدَاً، وَمُصِرَّاً على مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، عِنْدَ ذَلِكَ يَتَوَجَّبُ على كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْتِزَامَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾.

وَقَعَتْ أَيَّامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خِلَافَاتٌ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، فَبَعَثَ حَكَمَيْنِ بَيْنَهُمَا؛ فَرَجَعَا وَأَخْبَرَاهُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَصْطَلِحَا، فَعَلَاهُمَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: لَوْ أَرَدْتُمَا إِصْلَاحَاً وَفَّقَ اللُه بَيْنَهُمَا؛ فَرَجَعَا وَأَخْلَصَا، فَإِذَا الزَّوْجَانِ قَدْ أَغْلَقَا البَابَ دُونَهُمَا وَاصْطَلَحَا. كَذَا في التَّفْسِيرِ البَسِيطِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا حَرِيصِينَ على بُيُوتِكُمْ، لَا تَأْذَنُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَدَخَّلَ فِيمَا بَيْنَكُمْ في حَيَاتِكُمُ الزَّوْجِيَّةِ، وَخَاصَّةً في هَذَا الزَّمَانِ الذي كَثُرَ فِيهِ الفَسَادُ وَالإِفْسَادُ.

وَلْيَتَّقِ اللهَ تعالى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا في حَقِّ الآخَرِينَ، وَلْيَكُنْ على حَذَرٍ مِنْ أَنْ يُفْسِدَ حَيَاةَ زَوْجٍ على زَوْجَتِهِ، أَو زَوْجَةٍ على زَوْجِهَا، مِنْ خِلَالِ كَلِمَةِ أَو إِرْشَادٍ لَا يَكُونُ مُنْضَبِطَاً بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 8/ محرم /1438هـ، الموافق: 9/ تشرين الأول / 2016م