134-نحو أسرة مسلمة: الحياة الزوجية تعاون وتآلف

نحو أسرة مسلمة

134ـ الحياة الزوجية تعاون وتآلف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَلِمَةُ الزَّوَاجِ تُرْقِصُ قَلْبَ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ طَرَبَاً، وَيَـنْشَرِحُ لَهَا الصَّدْرُ طَلَبَاً، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى على الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، حَيْثُ يَجْعَلُ اللهُ تعالى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، وَطُمَأْنِينَةً وَسَكِينَةً، وَرَاحَةً وَاسْتِقْرَارَاً، وَأُنْسَاً وَسَعَادَةً.

الزَّوْجُ لَهُ القِوَامَةُ بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَآدَابِهَا الـشَّرْعِيَّةِ، وَالزَّوْجَةُ هِيَ السَّيِّدَةُ في بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَبِمِقْدَارِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا تَكُونُ الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ طَيِّبَةً سَعِيدَةً.

شَكَاوِي الزَّوْجَيْنِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ هَذَا عَنِ الزَّوَاجِ، يَتَبَادَرُ إلى الذِّهْنِ مُبَاشَرَةً شَكَاوِي الزَّوْجَيْنِ.

يَقُولُ الزَّوْجُ: أَيْنَ هَذِهِ السَّعَادَةُ وَالمَوَدَّةُ وَالرَّاحَةُ وَالاسْتِقْرَارُ؟ زَوْجَتِي تُزْعِجُنِي بِكَثْرَةِ خُرُوجِهَا مِنَ البَيْتِ، وَبِكَثْرَةِ طَلَبَاتِهَا وَمَصَارِيفِهَا، وَبِهَجْرِهَا لِفِرَاشِهَا، لَا تَهْتَمُّ بِنَفْسِهَا إلا في المُنَاسَبَاتِ وَالأَفْرَاحِ، وَلَا تَهْتَمُّ بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا فَضْلَاً عَنِّي، لَا تُرَاعِي شُعُورِي وَلَا خَاطِرِي، لَا أَسْمَعُ مِنْهَا كَلِمَةً طَيِّبَةً، أَو عِبَارَةً رَقِيقَةً، سَأُطَلِّقُهَا؛ ثمَّ يَقُولُ: فَأَيْنَ السَّعَادَةُ وَالسَّكِينَةُ وَالاسْتِقْرَارُ في الزَّوَاجِ؟

وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: أَيْنَ السَّعَادَةُ وَالاسْتِقْرَارُ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ؟ زَوْجِي في الصَّبَاحِ في عَمَلِهِ وَتِجَارَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ، وفي اللَّيْلِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَأَقْرَانِهِ، لَا نَرَاهُ إلا قَلِيلَاً، لَا نَرَاهُ إلا عِنْدَ النَّوْمِ أَو الطَّعَامِ.

زَوْجِي لَا يَسْمَحُ لِي بِزِيَارَةِ الأَهْلِ وَالأَرْحَامِ، وَلَا يَهْتَمُّ بِأَوْلَادِهِ وَلَا بِمَطَالِبِهِمْ، الشَّتْمُ على لِسَانِهِ وَاللَّعْنُ وَالدُّعَاءُ، وَالكَلِمَاتُ الجَارِحَةُ، مَعَ الضَّرْبِ أَمَامَ أَوْلَادِهِ وَعَدَمِ احْتِرَامِي؛ يُؤْذِينِي بِرَائِحَةِ الدُّخَانِ، وَكَثْرَةِ النَّقْدِ وَالطَّعْنِ بِأَهْلِي، يُهَدِّدُنِي دَائِمَاً بِالطَّلَاقِ، يُهَدِّدُنِي بِالزَّوَاجِ، يُؤْذِينِي بِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى بِنَظَرِهِ إلى الأَفْلَامِ الإِبَاحِيَّةِ، يُؤْذِينِي بِصِلَتِهِ مَعَ النِّسَاء الأَجْنَبِيَّاتِ عَنْ طَرِيقِ الهَاتِفِ وَالوَتْسِ، وَمَعَ هَذَا يَمْنَعُنِي مِنْ حُضُورِ مَجَالِسِ العِلْمِ وَالذِّكْرِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ.

زَوْجِي لَا يَعْتَبِرُ لِي وُجُودَاً، فَلَا يَسْتَشِيرُ، رَأْيُهُ هُوَ دَائِمَاً الصَّوَابُ، وَرَأْيِي الخَطَأُ، يَثُورُ لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ، يُؤْذِينِي بِضُيُوفِهِ حَيْثُ هُمْ قُرَنَاءُ سُوءٍ، حَدِيثُهُمْ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالنِّسَاءِ، تَدْخِينٌ، وَغِنَاءٌ، وَكَلِمَاتٌ لَا تُرْضِي اللهَ تعالى؛ ثمَّ تَقُولُ: فَأَيْنَ السَّعَادَةُ وَالسَّكِينَةُ وَالاسْتِقْرَارُ في الزَّوَاجِ؟

الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ تَعَاوُنٌ وَتَآلُفٌ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ أَنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ تَعَاوُنٌ وَتَآلُفٌ وَحُبٌّ وَوِئَامٌ، بُنِيَتْ على ذَلِكَ مَعَ اسْتِحْضَارِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَالزَّوْجُ لَيْسَ مَعْصُومَاً، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، يَجِبُ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنَّا هَذَا.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا غَضِبْتُ فَرَضِّينِي، وَإِذَا غَضِبْتِ رَضَّيْتُكِ، فَإِذَا لَمْ نَكُنْ هَكَذَا مَا أَسْرَعَ مَا نَفْتَرِقُ.

وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ   ***   كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْـمَسَاوِيَا

فَالحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ تَعَاوُنٌ وَتَآلُفٌ وَحُبٌّ وَوِئَامٌ، مَعَ وُجُودِ الأَخْطَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ على المُخْطِئِ أَنْ يُقِرَّ بِخَطَئِهِ وَيُعِيدَ الحَقَّ لِصَاحِبِهِ.

زَوْجَتُكَ لَيْسَتْ مَعْصُومَةً، وَأَنْتَ كَذَلِكَ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ، وَقَبِلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ، وَعَفَا وَصَفَحَ، وَبَدَّلَ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ القُرْآنِ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بِدَايَةً يُخَاطَبُ الزَّوْجُ قَبْلَ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ أَكْثَرُ تَحَمُّلَاً وَتَعَقُّلَاً وَصَبْرَاً، وَلِأَنَّ القِوَامَةَ بِيَدِهِ، وَلِأَنَّهُ سَيِّدُ البَيْتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَرَفَ كَيْفَ يَتَعَامَلُ مَعَ زَوْجَتِهِ، لَعَرَفَ أَنَّ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ مِنْ حَيْثُ الأَسْبَابُ بِيَدِهِ، وَلِهَذَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَدَّمَ حَقَّ الزَّوْجَةِ على حَقِّ الزَّوْجِ فَقَالَ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على الزَّوْجِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَتَعَامَلُ مَعَ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ الزَّوَاجَ لَيْسَ مُجَرَّدَ مُتْعَةٍ وَشَهْوَةٍ، وَلَيْسَ هُوَ القِيَامُ بِالبَيْتِ وَتَأْثِيثُهُ، وَلَيْسَ هُوَ إِنْجَابُ الأَوْلَادِ، وَلَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَإِلْبَاسِ الثِّيَابِ، لِأَنَّ الرَّزَّاقَ هُوَ اللهُ تعالى، وَلَيْسَ الزَّوْجُ.

الزَّوَاجُ حُقُوقٌ وَوَاجِبَاتٌ، وَحُسْنُ تَعَامُلٍ وَمَسْؤُولِيَّةٌ، فَالمَرْأَةُ لَهَا حُقُوقٌ كَمَا عَلَيْهَا وَاجِبَاتٌ، وَلَمَّا قَدَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ المَرْأَةِ على حَقِّ الرَّجُلِ، وَجَبَ على الرَّجُلِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الوَاجِبَاتِ التي عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفُضَّ الخَاتَمَ.

هَذِهِ الحُقُوقُ وَالوَاجِبَاتُ التي على الزَّوْجِ مَصْدَرُهَا القُرْآنُ العَظِيمُ، وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ المُطَهَّرَةُ، وَلَيْسَ مَصْدَرُهَا العَادَاتُ وَالأَعْرَافُ، وَلَا التَّقَالِيدُ، وَلَا مَبَادِئُ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، لِأَنَّ هَذِهِ المَصَادِرَ كُلَّهَا لَمَّا لَجَأَ النَّاسُ إِلَيْهَا أَدَّتْ إلى فُرْقَةٍ وَخِصَامٍ.

الحُقُوقُ وَالوَاجِبَاتُ مَرْجِعُهَا وَمَصْدَرُهَا القُرْآنُ العَظِيمُ وَالسِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العَطِرَةُ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

يَجِبُ عَلَيْنَا الاطِّلَاعُ على بُيُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالاطِّلَاعُ على تَعَامُلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، بَلْ لَقَدْ أَمَرَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ أَنْ يُخْبِرْنَ بِكُلِّ مَا يَكُونُ في بُيُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ أَسْرَارَاً  زَوْجِيَّةً، فَقَالَ تعالى لَهُنَّ: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنَّةٌ جَسِيمَةٌ، مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا على خَلْقِهِ، فَبِهِ يَحْفَظُ الإِنْسَانُ دِينَهُ، وَيَعْصِمُ نَفْسَهُ مِنَ الفِتَنِ، وَيَجِدُ الرَّاحَةَ وَالسُّرُورَ وَالدَّعَةَ، إِذَا الْتَزَمَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الهَدْيَ النَّبَوِيَّ في حَيَاتِهِمَا الزَّوْجِيَّةِ، فَعَاشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الآخَرَ عِشْرَةً صَالِحَةً طَيِّبَةً كَرِيمَةً مُبَارَكَةً مَبْنِيَّةً على الشِّيَمِ وَالوَفَاءِ، مَبْنِيَّةً على الذِّمَّةِ وَحْفِظِ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ، وَمُحَقِّقَةً قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. وَأَعْظَمُ العُقُودِ التي يَجِبُ الوَفَاءُ بِهَا هُوَ عَقْدُ الزَّوَاجِ الذي وَصَفَهُ اللهُ تعالى بِالمِيثَاقِ الغَلِيظِ ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 12/ شوال /1437هـ، الموافق: 17/ تموز / 2016م