501ـ خطبة الجمعة: من الذي سيفصل فيما نحن فيه؟

.

501ـ خطبة الجمعة: من الذي سيفصل فيما نحن فيه؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَهْمَا طَالَ اللَّيْلُ فَإِنَّ نِهَايَتَهُ الفَجْرُ، وَقَدْ آذَنَ الفَجْرُ بِالقُدُومِ، وَسَوْفَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَعْدَ الفَجْرِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَتَفْضَحُ كُلَّ خَائِنٍ، وَكُلَّ مُجْرِمٍ، وَكُلَّ مَنْ عَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، وَكُلَّ مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا بِدِينِهِ، سَوْفَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَتَفْضَحُ مَكْرَ المَاكِرِينَ، وَتَآمُرَ المُتَآمِرِينَ، سَوْفَ تَفْضَحُ كُلَّ مَنْ  كَانَ يُشْهِدُ اللهَ على مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ، سَوْفَ تَفْضَحُ كُلَّ مُنَافِقٍ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ الإِسْلَامِ ظَاهِرَاً، وَهُوَ في الحَقِيقَةِ خَادِمٌ أَمِينٌ لِمَنْ يَمْكُرُ بِالإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَلِمَنْ يُرِيدُ تَشْوِيهَ هَذَا الدِّينِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَبْشِرُوا وَاللهِ إِذَا صَبَرْتُمْ وَاتَّقَيْتُمْ، أَبْشِرُوا إِذَا اسْتَقَمْتُمْ على هَدْيِ نَبِيِّكُمْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَبْشِرُوا يَا مَنْ يَئِسْتُمْ، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْـمُجْرِمِينَ﴾.

يَا رَبُّ، أَرِنَا فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ عَاجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ.

بَشَائِرُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَعَالَوْا نَتَصَوَّرْ حَالَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَهُمْ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، لَقَدْ ضَاقَتْ بِهِمُ الأُمُورُ وَالأَسْبَابُ، بَلْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، تَخَيَّلُوا صُورَتَهُمْ، هَذَا يُجَرُّ في الرَّمْضَاءِ في شِدَّةِ الحَرِّ، وَذَاكَ يُغْمَسُ رَأْسُهُ في المَاءِ حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَخْتَنِقَ، وَذَاكَ يُطْفَأُ الجَمْرُ بجِلْدِهِ، وَتِلْكَ تُطْعَنُ بِرُمْحٍ في فَرْجِهَا، وَتَخْرُجُ رُوحُهَا أَمَامَ وَلَدِهَا، وَذَاكَ يُعَذَّبُ هُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَذَاكَ يُـضْرَبُ بِالأَسْوَاقِ، وَذَاكَ هُوَ وَأَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وَلَا يَجِدُونَ إلا أَوْرَاقَ الشَّجَرِ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَصَوَّرُوا وَتَخَيَّلُوا حَالَهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَهُمْ في هَذَا الحَالِ يَأْتِي شَابٌّ عُمُرُهُ لَمْ يَتَجَاوَزِ العِشْرِينَ عَامَاً إلى سَيِّدِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَتَهُ الشَّرِيفَةَ، يَأْتِيهِ وَقَدْ أَنْهَكَهُ التَّعَبُ وَالعَذَابُ، وَآلَمَهُ الأَسَى، وَاسْتَبْطَأَ الفَرَجَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَـضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

اصْبِرُوا يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، اصْبِرُوا يَا أَهْلَ حَلَبَ، اصْبِرُوا على الطَّاعَاتِ، وَعَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَعَلَى الابْتِلَاءَاتِ، وَأَنْتُمْ تَسْتَحْضِرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدَاً * وَأَكِيدُ كَيْدَاً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِوَصِيَّةِ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾. أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِذَلِكَ، ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْشِرُوا مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَاً﴾. وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانَاً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ الحَقُّ لَا يُخَالِجُهُ شَكٌّ في قُوَّةِ اللهِ تعالى وَقُدْرَتِهِ على نُـصْرَةِ دِينِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، لَا يُخَالِجُهُ شَكٌّ في أَنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، وَأَنَّ الهَلَاكَ للفَاسِقِينَ المُجْرِمِينَ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَشَدُّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ سَوَادَاً هِيَ السَّاعَةُ التي يَأْتِي الفَجْرُ مِنْ بَعْدِهَا، هَذِهِ الأُمَّةُ لَنْ تَمُوتَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَو مَرِضَتْ، وَطَالَتْ فَتْرَةُ مَرَضِهَا، لِأَنَّ الذي سَيَفْصِلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الذي لَا يُعجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، هُوَ الذي يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، هُوَ الذي يَقُولُ للشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، هُوَ الذي حَفِظَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالصِّدِّيقَ في الغَارِ، هُوَ الذي أَخْرَجَ سَيِّدَنَا يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الذي سَيَفْصِلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ على الحَقِيقَةِ لَيْسَ الشَّرْقُ وَلَا الغَرْبُ، بَلِ القَائِلُ: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ﴾. وَالقَائِلُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعَاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.

أَتَتَوَقَّعُونَ أَنَّ الذي سَيَفْصِلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الشَّرقُ وَالغَرْبُ؟ وَهَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ إلا مِنْ كَيْدِ الـشَّرْقِ وَالغَرْبِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً﴾. فَلْنَرْجِعْ إلى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ شوال /1437هـ، الموافق: 22/تموز / 2016م