85-مع الصحابة وآل البيت:ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما علم ـ عمل ـ أدب

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

85ـ ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما علم ـ عمل ـ أدب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا هُوَ حَبْرُ الأُمَّةِ، وَتَرْجُمَانُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، شَابٌّ نَشَأَ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَحَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ فَتْحَاً لَا يَدُورُ في الخَيَالِ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالٍ، عِلْمُهُ كَانَ كَالبَحْرِ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

اهْتَمَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَرْبِيَتِهِ كَمَا اهْتَمَّ بِآلِ البَيْتِ وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمِنْ شِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَرَسَ فِيهِ العَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ الصَّحِيحَةَ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً أَهْدَاهَا لَهُ كِـسْرَى، فَرَكِبَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، ثُمَّ سَارَ بِي مَلِيَّاً، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: «يَا غُلَامُ».

قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ مَضَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ النَّاسُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِمَا لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ النَّاسَ أَنْ يَضُرُّوكَ بِمَا لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِالصَّبِرِ مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاصْبِرْ، فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُهُ خَيْرَاً كَثِيرَاً، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الصَّبْرِ النَّصْرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْكَرْبِ الْفَرَجِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ الْيَسَرَ».

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ جَمَعَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على مُتَابَعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ.

حِرْصُهُ على مَعْرِفَةِ حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُحِبُّ الصَّادِقُ مُتَّبِعٌ، وَالمُحِبُّ الصَّادِقُ لَا يَكُونُ مُتَّبِعَاً إِلَّا إِذَا عَرَفَ سِيرَةَ مَنْ يُحِبُّ، وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مُحِبَّاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَا كَانَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على مَعْرِفَةِ حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السُّلُوكِيَّةِ، حَتَّى يَتَأَسَّى بِهِ.

روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ؛ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ (قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ) وُضُوءَاً خَفِيفَاً.

فَوَصَفَ وُضُوءَهُ، وَجَعَلَ يُخَفِّفُهُ وَيُقَلِّلُهُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بُيُوتُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ خَاوِيَةٌ وَخَالِيَةٌ مِنَ العِبَادَةِ، أَو أَنَّ العِبَادَةَ فِيهَا قَلِيلَةٌ، وَبَيْتٌ لَا يُذْكَرُ اللهُ تعالى فِيهِ بَيْتٌ خَرِبٌ، وَإِذَا كَانَ بَيْتَاً خَرِبَاً فَكَيْفَ سَيَنْشَأُ فِيهِ الأَوْلَادُ؟

لَقَدِ اطَّلَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا على بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَهُ عَامِرَاً حَيَّاً بِذِكْرِ اللهِ تعالى، بِعِبَادَةِ اللهِ تعالى، وَجَدَهُ بَيْتَاً يُقْرَأُ فِيهِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَتُصَلَّى فِيهِ النَّوَافِلُ، ، بَيْنَمَا صَارَتْ بُيُوتُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ اليَومَ قُبُوْرَاً، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اطَّلَعَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا على بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلِمَ مَا كَانَ يَصْنَعُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ لَازَمَ ذَلِكَ في حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِيَتَحَقَّقَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

روى البيهقي عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، وَمَنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيُرَتِّلُ الْقُرْآنَ يَقْرَأُ حَرْفَاً حَرْفَاً، وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيجِ وَالنَّحِيبِ (صَوْتٌ مَعَهُ تَرْجِيعٌ؛ وَهُوَ أَشَدُّ البُكَاءِ) وَيَقْرَأُ: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾.

لَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَكَّاءً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى، حَتَّى خَدَّدَ الدَّمْعُ الهَتُونُ خَدَّيْهِ الأَسِيلَيْنِ، روى قَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنِ المُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ قَالَ: كَانَ فِي هَذَا المَكَانِ ـ وَأَوْمَأَ إِلَى مَجْرَى الدُّمُوعِ مِنْ خَدَّيْهِ يعنى خَدَّيِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ مِثْلُ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الْبُكَاءِ. البداية والنهاية.

عِلْمُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَالِمَاً وَاسِعَ العِلْمِ، مَعَ كَثْرَةِ عِبَادَتِهِ للهِ تعالى، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَابِدَاً بِدُونِ عِلْمٍ، وَلَا عَالِمَاً بِدُونِ عَمَلٍ.

وَمِمَّا يَدُلُّ على سَعَةِ عُلُومِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ مُسْتَشَارَاً للخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ على الرَّغْمِ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ، فَكَانَ إِذَا عَرَضَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْرٌ وَوَاجَهَتْهُ مُعْضِلَةٌ دَعَا جُلَّةَ الصَّحَابَةِ، وَدَعَا مَعَهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَإِذَا حَضَرَ رَفَعَ مَنْزِلَتَهُ، وَأَدْنَى مَجِلِسَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَعْضَلَ عَلَيْنَا أَمْرٌ أَنْتَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ.

وَقَدْ عُوتِبَ عُمَرُ مَرَّةً فِي تَقْدِيمِهِ لابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْلِهِ مَعَ الشُّيُوخِ وَهُوَ مَا زَالَ فَتَىً؛ فَقَالَ: إِنَّهُ فَتَىَ الْكُهُولِ، لَهُ لِسَانٌ وَقَلْبٌ عَقُولٌ. اهـ. موارد الظمآن.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَامِعَةَ عُلُومٍ؛ فَقَدْ جَاءَ في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ: رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَجْلِسَاً لَوْ أَنَّ جَمِيعَ قَرَيْشٍ افْتَخَرَتْ بِهِ لَكَانَ لَهَا مَفْخَرَةٌ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا فِي الطَّرُقِ المُؤَدِّيَةِ إِلى بَيْتِهِ حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمْ وَسَدُّوهَا فِي وَجُوهِ النَّاسِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِاحْتِشَادِ النَّاسِ عَلَى بَابِهِ.

فَقَالَ: ضَعْ لِي وُضُوءَاً؛ فَتَوَضَأَ وَجَلَسَ، وَقَالَ: اخْرُجْ وَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفهِ فَلْيَدْخَلْ؛ فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ، فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَؤُوا البَيْتَ وَالْحُجْرَةَ؛ فَمَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ وَأَكْثَرَ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: افْسَحُوا الطَّرِيقَ لإِخْوَانِكِمْ؛ فَخَرَجُوا.

ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلِهِ فَلْيْدْخُلْ؛ فَقُلْتُ لَهُمْ، فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَؤُوا البَيْتَ وَالْحُجْرَةَ؛ فَمَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ وَأَكْثَرَ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: افْسَحُوا الطَّرِيقَ لإِخْوَانِكِمْ؛ فَخَرَجُوا.

ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضَ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلْيْدَخُلْ؛ فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ، فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَؤُوا البَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ وَأَكْثَرَ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: افْسَحُوا الطَّرِيقَ لإِخْوَانِكِمْ؛ فَخَرَجُوا.

ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَغَرِيبِ كَلامِ الْعَرَبِ فَلْيْدَخُلْ؛ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَؤُوا البَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ.

يَقُولُ رَاوِي الْخَبَرِ: فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشَاً كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ لَهَا فَخْرَاً.

وَقَدْ رَأَى ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنْ يُوَزِّعَ الْعُلُومَ عَلَى الأَيَّامِ حَتَّى لَا يَحْدُثَ عَلَى بَابِهِ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّحَامِ، فَصَارَ يَجْلِسُ فِي الأُسْبُوع يَوْمَاً لا يَذْكُرُ فِيهِ إِلَّا التَّفْسِيرَ، وَيَوْمَاً لَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا الفِقْهَ، وَيَوْمَاً لَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا المَغَازِي، وَيَوْمَاً لَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلَّا أَيَّامَ العَرَبِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في الخِتَامِ أَقُولُ: مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى فَجَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعِبَادَةِ كَانَ مِنْ أَأْدَبِ الخَلْقِ مَعَ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً مَعَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا في الرَّأْيِ.

هَذَا سَيِّدُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا العَالِمُ العَابِدُ، يَخْتَلِفُ مَعَ سَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تَوْرِيثِ الإِخْوَةِ مَعَ وُجُودِ الجَدِّ، فَكَانَ زَيْدٌ لَا يَرَاهُ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ، وَمَعَ هَذَا الخِلَافِ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَأْدَبِ الخَلْقِ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ.

روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ أَخَذَ بِرِكَابِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِكُبَرَائِنَا وَعُلَمَائِنَا».

وفي رِوَايَةٍ فَقَالَ زَيْدٌ: أَرِنِي يَدَكَ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا؛ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا. كنز العمال.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ سَارَ سَيْرَ هَؤُلَاءِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ ربيع الأول /1438هـ، الموافق: 15/كانون الأول / 2016م