274-مع الحبيب المصطفى:سلامة وطهارة القلب

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

274ـ سلامة وطهارة القلب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَهَمُّ جَارِحَةٍ يَجِبُ على المُؤْمِنِ أَنْ يَهْتَمَّ بِسَلَامَتِهَا هِيَ جَارِحَةُ القَلْبِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ الكَامِلَ وَالحَقِيقِيَّ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ سَلَامَةِ القَلْبِ مِمَّا لَا يُحِبُّهُ اللهُ تعالى وَلَا يَرْضَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَا نَجَاةَ وَلَا فَلَاحَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

القَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ القَلْبُ الذي امْتَلَأَ إِيمَانَاً وَتَوْحِيدَاً للهِ تعالى، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنَ الـشِّرْكِ الأَصْغَرِ فَضْلَاً عَنِ الأَكْبَرِ، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنَ الكِبْرِ وَالحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنَ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنَ حُبِّ الدُّنْيَا وَمَظَاهِرِهَا، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنَ سَيِّئِ الأَخْلَاقِ.

القَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ القَلْبُ الطَّاهِرُ الذي أَقْبَلَ على اللهِ تعالى، وَاتَّبَعَ نَهْجَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الغَضَبِ وَفِي الرِّضَا، وَفِي سَائِرِ الأَحْوَالِ؛ القَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ القَلْبُ الذي أَحَبَّ اللهَ تعالى وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَتَجَمَّلَ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ المَرْضِيَّةِ عِنْدَ اللهِ تعالى.

القَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ القَلْبُ الذي نَظَرَ اللهُ تعالى إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قَلْبَاً مُلِئَ رَحْمَةً وَشَفَقَةً وَعَطْفَاً وَحَنَانَاً على خَلْقِ اللهِ تعالى فَأَحَبَّهُ وَاجْتَبَاهُ، وَأَعَانَهُ على كُلِّ خَيْرٍ، وَمَنَعَ عَنْهُ كُلَّ سُوءٍ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

القَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ تُبْعِدُهُ عَنِ اللهِ تعالى، وَمِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ وَمِنْ كُلِّ شَهْوَةٍ مُخَالِفَةٍ لِدِينِ اللهِ تعالى، هُوَ القَلْبُ الذي سَلِمَ مِنْ كُلِّ قَاطِعٍ يَقْطَعُهُ عَنِ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَاحِبُ القَلْبِ السَّلِيمِ هُوَ في جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ لَهُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَهُوَ في جَنَّةٍ في عَالَمِ البَرْزَخِ، فَيَكُونُ قَبْرُهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ؛ وَهُوَ في جَنَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ.

القَلْبُ الأَمْثَلُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَالقَلْبُ الأَمْثَلُ الذي حَمَلَ جَمِيعَ صِفَاتِ الكَمَالِ، والذي أَحَبَّهُ اللهُ تعالى حُبَّاً حَتَّى كَانَ مِنْ حَضْرَتِهِ تعالى أَقْرَبَ المُقَرَّبِينَ، فَلَا أَحَدَ أَقْرَبَ مِنْ حَضْرَتِهِ تعالى مِنْهُ، هُوَ قَلْبُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ دَلَائِلِ وَعَلَامَاتِ نَقَاءِ قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيِّ حِقْدٍ أَو ضَغِينَةٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيدُ الاسْتِغْفَارَ للمُنَافِقِينَ، روى الإمام البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ».

فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا».

قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْـصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرَاً، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٌ: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدَاً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾.

قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ».

صَلَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على رَأْسِ المُنَافِقِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَفَاءُ القَلْبِ وَنَقَاؤُهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى على عَبْدِهِ، وَالسَّعِيدُ المُوَفَّقُ هُوَ الذي يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَرْحَمُ المُخَالِفِينَ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خُلُقِ الذي أَرْسَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَلَنْ يَكُونَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمَاً.

روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ، جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ.

فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، فَقَالَ: «آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ».

فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ اللهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى المُنَافِقِينَ؟

فَقَالَ: «أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، قَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾. فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدَاً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾.

وفي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ؛ فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ.

فَاللهُ أَعْلَمُ؛ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسَاً قَمِيصَاً قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هَارُونَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ.

قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا مُقْبِلُونَ على اللهِ تعالى إِنْ شِئْنَا وَإِنْ أَبَيْنَا، وَهَذَا الإِقْبَالُ على اللهِ تعالى إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، أَو غَيْرِ سَلِيمٍ، فَصَاحِبُ القَلْبِ السَّلِيمِ هُوَ الذي يَدْخُلُ الجَنَّةَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

وَأَمَّا القَلْبُ غَيْرُ السَّلِيمِ فَأَمْرُهُ إلى اللهِ تعالى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَالفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، وَبَيْنَ مَنْ يَدْخُلُهَا نِهَايَةً؛ وَبَيْنَ مَنْ يَكُونُ في رَبَضِ الجَنَّةِ، وَبَيْنَ مَنْ يَكُونُ في أَعْلَاهَا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.

وَلَا نَنْسَى قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ؛ يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ وَصْفٍ لَا تُحِبُّهُ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 20/ ربيع الأول /1438هـ، الموافق: 19/ كانون الأول / 2016م