156-نحو أسرة مسلمة:«تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ»

 

نحو أسرة مسلمة

156ـ «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَفَكُّكُ الأُسْرَةِ سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ مُجْتَمَعِنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، لِأَنَّ القِيَامَ بِوَاجِبِ التَّرْبِيَةِ صَارَ ضَائِعَاً في المُجْتَمَعِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

لَقَدْ ظَنَّ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ بِأَنَّ تَوْفِيرَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ للزَّوْجَةِ وَالأَهْلِ هِيَ المُهِمَّةُ الكُبْرَى في حَيَاتِهِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا قَامَ بِالوَاجِبِ الذي عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ المُهِمَّةَ الكُبْرَى في حَيَاةِ الرَّجُلِ نَحْوَ زَوْجَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ أَنْ يَقِيَهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ طَبِيعَةِ المَرْأَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَمَنْ عَرَفَ طَبِيعَتَهَا بِشَكْلٍ عَامٍّ، عَرَفَ كَيْفَ يُوَجِّهُهَا التَّوْجِيهَ الصَّحِيحَ مِنْ خِلَالِ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ خِلَالِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ.

«تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ طَبِيعَةِ المَرْأَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ أَنَّهَا تُكْثِرُ اللَّعْنَ، وَهَذِهِ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ يَجِبُ على المَرْأَةِ أَنْ تَتَخَلَّى عَنْهَا، خَشْيَةَ الوُقُوعِ في العَاقِبَةِ غَيْرِ الحَمِيدَةِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ».

فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ (أَشَدُّ إِذْهَابَاً للعَقْلِ السَّلِيمِ الخَالِصِ مِنَ الشَّوَائِبِ)».

قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟».

قُلْنَ: بَلَى.

قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟».

قُلْنَ: بَلَى.

قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».

فَإِذَا كَانَ هَذَا وَصْفَ المَرْأَةِ، وَجَبَ على الزَّوْجِ أَنْ يَهْتَمَّ بِنُصْحِ الزَّوْجَةِ وَتَرْبِيَتِهَا على أَخْلَاقِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ الصَّالِحَةِ التي تُحَقِّقُ السَّكَنَ لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْتِزَامِهَا بِالهُدَى الذي جَاءَنَا مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا جَلَّ جَلَالُهُ الذي ضَمِنَ سَعَادَةَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لِمَنِ الْتَزَمَ بِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَوْصَانَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً، وَبَيَّنَ لَنَا طَبِيعَتَهُنَّ حَتَّى نَعْلَمَ كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَهُنَّ لِتَكْمِيلِ دِينِهِنَّ.

«لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانَاً»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِيُحَذِّرْ كُلٌّ مِنَّا أَهْلَهُ خُطُورَةَ اللَّعْنِ، فَهِيَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ؛ وَإِنَّ اللَّعْنَ حَرَامٌ، وَلَا يَجُوزُ للمُؤْمِنِ أَنْ يَلْعَنَ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا مَنْ لَعَنَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ، أَو لَعَنَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بَلْ يَحْرُمُ لَعْنُ إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ كَافِرَاً، مَا دَامَ حَيَّاً، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَخْتِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَمَنْ لَعَنَ شَيْئَاً لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَعُودُ عَلَيْهِ، روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئَاً صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينَاً وَشِمَالَاً، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغَاً رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلَاً وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُنَبِّهَ نِسَاءَنَا على هَذَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ (أَيْ: لَا يَلْعَنْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً؛ فَلَا يَقُلْ أَحَدٌ لِمُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ: عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ) وَلَا بِغَضَبِ اللهِ (بِأَنْ يَقُولَ: غَضَبُ اللهِ عَلَيْكَ) وَلَا بِالنَّارِ (بِأَنْ يَقُولَ: أَدْخَلَكَ اللهُ النَّارَ أَوِ النَّارُ مَثْوَاكَ)» رواه الحاكم وأبو داود والترمذي عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام مسلم عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نُحَذِّرَ نِسَاءَنَا مِنَ اللَّعْنِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَعَّانَاً، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَّابَاً، وَلَا فَحَّاشَاً، وَلَا لَعَّانَاً، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ (المُعَاتَبَةِ): «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ» (أَيْ: غَايَةُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الغَضَبِ وَالمُخَاصَمَةِ هَذِهِ الكَلِمَةَ، وَهِيَ أَيْضَاً ذَاتُ وَجْهَيْنِ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دُعَاءً على المَقوُلِ لَهُ بِمَعْنَى رَغِمَ أَنْفُكَ، وَأَنْ تَكُونَ دُعَاءً لَهُ بِمَعْنَى سَجَدَ للهِ وَجْهُكَ).

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحَذِّرَ نِسَاءَنَا مِنَ اللَّعْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَا تَلِيقُ بِالإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، وَلَا بِالمَرْأَةِ المُؤْمِنَةِ، وَذَلِكَ لِضَرَرِ اللَّعْنِ، فَمَنْ لَعَنَتْ عَرَّضَتْ نَفْسَهَا لِعَاقِبَةٍ وَخِيمَةٍ إِذَا لَمْ يَغْفِرِ اللهُ تعالى لَهَا، وَرُبَّمَا رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهَا.

وَعَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ نِسَاءَنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنَ اللَّعْنِ، حَتَّى مِنْ لَعْنِ الرِّيحِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنِ الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئَاً لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نُوَجِّهَ نِسَاءَنَا لِتَرْكِ اللَّعْنِ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ طَبِيعَتِهِنَّ وَوَصْفِهِنَّ، إِلَّا التي رَبَّاهَا الإِسْلَامُ، عَلَيْنَا أَنْ نُذَكِّرَهُنَّ بِمَسْكِ اللِّسَانِ وَخَاصَّةً عَنِ اللَّعْنِ لِأَنَّهُ خَطِيرٌ جِدَّاً، وَضَرَرُهُ غَالِبَاً يَعُودُ على اللَّاعِنِ، إِلَّا مَنْ أَوْرَدَ لَعْنَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَمِنْ سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ خُطُورَةِ اللَّعْنِ أَنْ يَكُونَ اللَّاعِنُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى. اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 10/ ربيع الثاني /1438هـ، الموافق: 8/ كانون الثاني / 2017م