157ـ نحو أسرة مسلمة: حتى لا تكون الحياة الزوجية ريشة في مهب الريح

 

نحو أسرة مسلمة

157ـ حتى لا تكون الحياة الزوجية ريشة في مهب الريح

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ امْتَنَّ اللهُ عَزَّ َجَلَّ على خَلْقِهِ بِنِعْمَةَ الزَّوَاجِ، امْتَنَّ بِهَا على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ على حَدٍّ سَوَاءٍ، فَالزَّوَاجُ سَكَنٌ للنَّفْسِ وَالقَلْبِ، وَرَاحَةٌ للجَسَدِ وَالقَلْبِ، وَاسْتِقْرَارٌ للمَعَاشِ وَالحَيَاةِ، وَرَاحَةٌ للضَّمِيرِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ عَلَاقَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عَنْ طَرِيقٍ مَشْرُوعٍ، وَبَيْنَ عَلَاقَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ  عَنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، فَالأَوَّلُ يُوَلِّدُ نُورَاً، وَالثَّانِي نَارَاً وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

المُعَاشَرَةُ الزَّوْجِيَّةُ في عُشِّ الزَّوْجِيَّةِ عِبَادَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ، وَالعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ إِذَا خَلَتْ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالمَحَبَّةِ أَصْبَحَتْ كَالجَسَدِ المَيِّتِ، إِذَا لَمْ يُدْفَنْ فَاحَ عَفَنُهُ وَرَائِحَتُهُ، وَدَفْنُهُ هُوَ الطَّلَاقُ.

حَتَّى لَا تَكُونَ الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ رِيشَةً في مَهَبِّ الرِّيحِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَةِ بِالمَعْرُوفِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَاتِ فَرِيضَةً على الرِّجَالِ حَتَّى في حَالَةِ كَرَاهِيَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، مَا لَمْ تُصْبِحِ المُعَاشَرَةُ  بِالَمعرُوْفِ مُتَعَذِّرَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَكُونَ العَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ رِيشَةً في مَهَبِّ الرِّيحِ، تَتَأَثَّرُ بِأَدْنَى النَّزَوَاتِ، وَأَقَلِّ التَّصَرُّفَاتِ، وَأَصْغَرِ الكَلِمَاتِ؛ مِنْ هَذَا المُنطَلَقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للرِّجَالِ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقَاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ـ أَو قَالَ: غَيْرَهُ ـ»رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَهَذَا تَوْجِيهٌ للرِّجَالِ.

وَبِالمُقَابِلِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للنِّسَاءِ مُوَجِّهَاً لَهُنَّ، مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ البُيُوتِ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» رواه الحاكم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

﴿وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الصَّبْرُ على الآخَرِ، فَرُبَّمَا يَكْرَهُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ اليَوْمَ وَيُحِبُّهُ في الغَدِ، وَرُبَّمَا أَنْ يُسِيءَ أَحُدُهُمَا اليَوْمَ وَيُحْسِنَ غَدَاً، فَقُلُوبُ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شَاءَ ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.

يَجِبُ على كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَقُومَا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمَا مِنَ العِشْرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ لَا يَتَسَلَّطَ الزَّوْجُ على الزَّوْجَةِ لِكَوْنِهِ أَعْلَى مِنْهَا، وَكَوْنِ أَمْرِهَا بِيَدِهِ، وَكَذَلِكَ على الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَتَرَفَّعَ على الزَّوْجِ، بَلْ على كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعَاشِرَ الآخَرَ بِالمَعْرُوفِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَدْ يَقَعُ مِنَ الزَّوْجِ كَرَاهِيَةٌ للزَّوْجَةِ لِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ، وَكَذَلِكَ بِالعَكْسِ، فَكَيْفَ يُعَامِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ؟

لَقَدْ أَرْشَدَنَا اللهُ تعالى إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَالخَيْرُ الكَثِيرُ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ الرَّجُلُ وَلَدَهَا، وَيَجْعَلَ اللهُ في وَلَدِهَا خَيْرَاً كَثِيرَاً. /كذا في تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّوْجُ إِذَا صَبَرَ على أَذِيَّةِ زَوْجَتِهِ، وَعَاشَرَهَا بِالمَعْرُوفِ مَعَ أَذِيَّتِهَا وَإِسَاءَتِهَا قَدْ يَرْزُقُهُ اللهُ تعالى مِنْهَا وَلَدَاً صَالِحَاً؛ ذُكِرَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ طَالِبٌ مِنْ طُلَّابِهِ، فَرَأَى ابْنَاً بَارَّاً، فَعَجِبَ مِنْ بِرِّهِ.

فَلَمَّا خَرَجَ الابْنُ، قَالَ ذَلِكَ العَالِمُ الجَلِيلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ بِرِّهِ؟

قَالَ: إِي وَاللهِ.

قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ عَاشَرْتُ أُمَّهُ عِشْرِينَ أَو ثَلَاثِينَ عَامَاً مَا تَبَسَّمَتْ في وَجْهِي قَطُّ، فَصَبَرْتُ، فَعَوَّضَنِي اللهُ تعالى مَا تَرَى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يُرْوَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ أَبُو زَيْدٍ مُحَمَّدٌ القَيْرَوَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَهُوَ إِمَامٌ جَلِيلٌ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالدِّينِ، أَنَّهُ كَانَتِ امْرَأَتُهُ فَظَّةً غَلِيظَةً تُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا، فَلَمَّا أَكْثَرَتْ عَلَيْهِ اشْتَكَى طُلَّابَهُ وَقَالُوا لَهُ: كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَيْهَا؟ وَكَيْفَ تُعَاشِرُهَا بِالمَعْرُوفِ وَهِيِ تُسِيءُ إِلَيْكَ؟

فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنِّي أُعَاشِرُهَا بِالمَعْرُوفِ، وَأَمَّا قَوْلُهَا فَبَلَاءٌ لَعَلِّي أَصَبْتُ ذَنْبَاً فَعُوقِبْتُ بِهَا، فَلَوْ طَلَّقْتُهَا لَعَاقَبَنِي اللهُ عُقُوبَةً أَشَدَّ مِنْهَا.

الصَّبْرُ على الأَزْوَاجِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمَا يَجِبُ على الزَّوْجِ أَنْ يَصْبِرَ على زَوْجَتِهِ، وَأَنْ يُعَاشِرَهَا بِالمَعْرُوفِ وَإِنْ كَرِهَهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ على المَرْأَةِ أَنْ تَصْبِرَ على إِيِذَاءِ زَوْجِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ رَجُلَاً صَالِحَاً، وَلْتَكُنْ نَظْرَتُهَا إلى الآخِرَةِ لِتَكُونَ لَهُ زَوْجَاً في الجَنَّةِ.

روى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ تَحْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، وَكَانَ شَدِيدَاً عَلَيْهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ.

فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، اصْبِرِي، فَإِنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، فَلَمْ تُزَوَّجْ بَعْدَهُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا في الجَنَّةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى البَغَوِيُّ أَنَّ رَجُلَاً قَالَ فِي عَهْدِ عُمَرَ لِامْرَأَتِهِ: نَشَدْتُكِ بِاللهِ، هَلْ تُحِبِّينِي؟

فَقَالَتْ: أَمَا إِذْ نَشَدْتَنِي بِاللهِ، فَلَا.

فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَنْتِ التي تَقُولِينَ لِزَوْجِكِ: لَا أُحِبُّكَ؟

فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، نَشَدَنِي بِاللهِ، أَفَأَكْذِبُ؟

قَالَ: نَعَمْ، فَاكْذِبِيهِ، لَيْسَ كُلُّ البُيُوتِ تُبْنَى عَلَى الحُبِّ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَعَاشَرُونَ بِالإِسْلَامِ وَالأَحْسَابِ.

مَا أَعْظَمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَذَا القَوْلَ!

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حُسْنُ الأَخْلَاقِ بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يُورِثُ المَوَدَّةَ وَالمَحَبَّةَ بَيْنَهُمَا، حَتَّى وَلَو كَانَا في حَالِ فِرَاقٍ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾؟ فَإِذَا كَانَ التَّسْرِيحُ بِالإِحْسَانِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تعالى، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ طَيِّبَةٌ وَحَمِيدَةٌ وَتُورِثُ الحُبَّ وَالمَوَدَّةَ.

وَهَذَا مَا حَدَثَ بَيْنَ سَيِّدِنَا الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَزَوْجَتِهِ عَائِشَةَ الْخَثْعَمِيَّةِ؛ روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ خَلِيفَةَ الْخَثْعَمِيَّةُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا أُصِيبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَبُويِعَ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْخِلَافَةِ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: لِتُهْنِكَ الْخِلَافَةُ.

فَقَالَ لَهَا: أَتُظْهِرِينَ الشَّمَاتَةَ بِقَتْلِ عَلِيٍّ، انْطَلِقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَاً.

فَتَقَنَّعَتْ بِسَاجٍ لَهَا، وَجَلَسَتْ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، وَقَالَتْ: أَمَا وَاللهِ مَا أَرَدْتُ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ.

فَأَقامَتْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَتْ عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِبَقِيَّةٍ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ، وبِمُتْعَةٍ عَشَرَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا جَاءَهَا الرَّسُولُ بِذَلِكَ قَالَتْ: مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مَفَارِقٍ.

فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى الْحَسَنِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ، بَكَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّي أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَاً عِنْدَ الْأَقْرَاءِ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثَاً مُبْهَمَةً؛ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَا ًغَيْرَهُ» لَراجَعْتُهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ نَسْمُو وَنَعْلُو، روى البيهقي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدِ بْنِ مُوسَى الرَّازِيِّ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَقَدَّمَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا إِلَيْهِ، فَادَّعَتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ وَكِيلُ المَرْأَةِ: قَدْ أَحَضَرْتُ شُهُودِي.

فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّهُودِ: أَنْظُرُ إِلَى المَرْأَةِ؛ فَقَامَ وَقَامَتْ.

فَقَالَ الزَّوْجُ: بِفِعْلِ مَاذَا يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَتِي.

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ الْقَاضِي أَنَّ لَهَا عَلَيَّ مَهْرَهَا خَمْسَمِائَةَ دِينَارٍ كُلَّهَا ذَهَبَاً عَيْنَاً مَثَاقِيلَ، وَلَا تُسْفِرُ عَنْ وَجْهِهَا.

قَالَتِ المَرْأَةُ: فَإِنِّي أُشْهِدُ الْقَاضِي أَنِّي قَدْ وَهَبْتُهَا لَهُ.

فَقَالَ الْقَاضِي: يُكْتَبُ هَذَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 17/ ربيع الثاني /1438هـ، الموافق: 15/ كانون الثاني / 2017م