159ـ نحو أسرة مسلمة: الأسرة ممكلة إيمانية

 

نحو أسرة مسلمة

159ـ الأسرة ممكلة إيمانية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ عِنْدَ المُسْلِمِينَ مَمْلَكَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، رَعِيَّتُهَا تَعِيشُ في ظِلَالِ الإِسْلَامِ، وفي ظِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وفي ظِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وفي ظِلَالِ الأَخْلَاقِ المُحَمَّدِيَّةِ؟

الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ مَمْلَكَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، تُرَبِّي مُلُوكَاً في القِيَمِ وَالأَخْلَاقِ، وَيَنْشَأُ فِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ صَالِحُونَ لِعَمَارَةِ الدُّنْيَا، يَنْشَأُ فِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ على طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَنْشَأُ فِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَيْهِ.

الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ مَمْلَكَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، تَرَى الأُسْرَةَ فِيهَا مُتَمَاسِكَةً، قَلِيلَةَ المَشَاكِلِ وَالاضْطِرَابَاتِ، لَا تَسْمَعُ فِيهَا كَلَامَاً نَابِيَاً، وَلَا تَرَى المَعَاصِيَ وَلَا المُنْكَرَاتِ فِيهَا، قَلَّمَا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهَا، قَلَّمَا أَنْ تَسْمَعَ بِخِلَافَاتٍ فِيهَا، فَإِن حَصَلَتْ فَمَا هِيَ إِلَّا غَمْضَةُ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتُهَا وَتَنْتَهِي تِلْكَ الخِلَافَاتُ وَتَعُودُ الأُمُورُ إلى نِصَابِهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ الأَصْلُ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ لِمَنْ عَرَفَ أَلْفَاظَ عَقْدِ الزَّوَاجِ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً وَأَوْفَى بِالعَقْدِ، وَلَكِنْ وَبِكُلِّ أَسَفٍ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مَا عَرَفُوا قَدْرَ هَذِهِ المَمْلَكَةِ الإِيمَانِيَّةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ بِكَلِمَاتِ عَقْدِ الزَّوَاجِ، لِذَلِكَ كَثُرَتِ المَشَاكِلُ وَالخِلَافَاتُ وَالاضْطِرَابَاتُ، وَكَثُرَ الطَّلَاقُ، وَانْـتَشَرَ الفَسَادُ وَعَمَّ، حَتَّى ظَهَرَ في البَرِّ وَالبَحْرِ وَالجَوِّ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

الزَّوْجَانِ لَهُمَا قَدْرٌ كَبِيرٌ في المَمْلَكَةِ الإِيمَانِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّوْجَانِ في المَمْلَكَةِ الإِيمَانِيَّةِ لَهُمَا قَدْرٌ كَبِيرٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ، الزَّوْجُ لَهُ قَدْرٌ كَبِيرٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

وَالزَّوْجَةُ لَهَا قَدْرٌ كَبِيرٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ في هَذِهِ المَمْلَكَةِ، فَهِيَ شَرِيكَةُ الحَيَاةِ، وَهِيَ رَفِيقَةُ الدَّرِبِ، وَهِيَ قُرَّةُ العَيْنِ، وَهِيَ آيَةٌ كُبْرَى مِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَدْرٌ كَبِيرٌ وَمَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ لَمَا كَانَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ دَعْوُا اللهَ تعالى بِقَوْلِهِمْ: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ هِيَ الأُسْرَةُ المُسْلِمَةُ الحَقَّةُ، التي الْتَزَمَتْ كِتَابَ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْفَتْ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ الذي تَمَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، على أَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بَيْنَهُمَا على كِتَابِ اللهِ تعالى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

حُسْنُ المُعَاشَرَةِ للزَّوْجَةِ أَعْظَمُ حَقٍّ لَهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْظَمَ حَقٍّ للزَّوْجَةِ على زَوْجِهَا في تِلْكَ المَمْلَكَةِ الإِيمَانِيَّةِ، حُسْنُ الخُلُقِ، وَإِحْسَانُ العِشْرَةِ، لِأَنَّ حُسْنَ الخُلُقِ، وَحُسْنَ العِشْرَةِ، مَا وُجِدَ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ.

مَا قِيمَةُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَمَا قِيمَةُ المَنْصِبِ وَالجَاهِ، وَمَا قِيمَةُ الشَّهَادَاتِ، وَمَا قِيمَةُ الطَّعَامِ وَالـشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ الذي يُقَدِّمُهُ الزَّوْجُ إِذَا كَانَ سَيِّئَ الأَخْلَاقَ، بَذِيءَ اللِّسَانِ، كَثِيرَ السَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالطَّعْنِ لِمَنْ هِيَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى في حَيَاةِ الزَّوْجِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا قِيمَةُ كُلِّ مَا يُقَدِّمُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا التي لَا تُسَاوِيَ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، إِذَا كَانَ مَمْلُوءَاً بِالكِبْرِ وَالعُجْبِ وَالغُرُورِ، لَا يُعَامِلُ زَوْجَتَهُ إِلَّا بِالقَسْوَةِ وَالغِلْظَةِ وَالفَظَاظَةِ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ في كِتَابِهِ العَظِيمِ لِسَيِّدِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. وَحَقِيقَةُ هَذَا الخِطَابِ هُوَ لَنَا، وَإِلَّا فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْطَفِ النَّاسِ، وَأَرْحَمِ النَّاسِ، وَأَعْطَفِ النَّاسِ على أَهْلِهِ، بِشَهَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

مَا كان في القُرآن مِنْ نِذَارةٍ   ***   إِلَى النَّبِيِّ صَـاحِبِ البِـشَارَةِ

فَـكُنْ  لَبِيبَاً وَافْهَمِ الإشَارَةَ   ***   إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلِعِظَمِ هَذَا الحَقِّ للمَرْأَةِ ـ حُسْنُ الخُلُقِ، وَحُسْنُ الـعِشْرَةِ ـ وَقَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَرْضِ عَرَفَةَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، يُوَدِّعُ الأُمَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لَمْ يَنْسَ أَنْ يُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِهَذِهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ، بِالزَّوْجَةِ الكَرِيمَةِ، التي تَعِيشُ في المَمْلَكِةِ الإِيمَانِيَّةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» رواه أبو داود عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بَلْ عِنْدَمَا وَقَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَاخْتَارَ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، قَالَ للأُمَّةِ مُذَكِّرَاً: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ؛ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَإِذَا أَوْصَى بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، فَكَيْفَ بِالزَّوْجَاتِ؟ مَا هَذِهِ الشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ نِسَائِنَا؟ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الوَصِيَّةِ مِنَ الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

«إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِحْسَانِ العِشْرَةِ، أَنَّكَ كُلَّمَا دَخَلْتَ على أَهْلِكَ أَنْ تُسَلِّمَ، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ، يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ».

وروى الحاكم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ؛ رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيَاً فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ، فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى المَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ، فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِالسَّلَامِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ».

وروى أبو داود عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَوْلَجِ (أَيْ: خَيْرَ المَوْضِعِ الذي يَلِجُ فِيهِ) وَخَيْرَ المَخْرَجِ، بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوَىً (هِيَ: مَا غَلُظَ وَارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، وَاحِدَتُهَا صُوَّةٌ) وَمَنَارَاً كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعْبَدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقَامَ الصَّلَاةُ، وَتُؤْتَى الزَّكَاةَ، وَيُحَجَّ الْبَيْتُ، وَيُصَامَ رَمَضَانُ، وَالْأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا لَقِيتَهُمْ، فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْكَ المَلَائِكَةُ وَلَعَنَتْهُمْ أَوْ سَكَتَتْ عَنْهُمْ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئَاً فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ نَبَذَهُنَّ فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ».

وروى الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ؛ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً.

قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾. يَعْنِي: يُوجِبُ رَدَّ السَّلَامِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِمَاذَا سَنَّ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ على أَهْلِ بَيْتِنَا؟

لِأَنَّهُ يُوجِبُ المَحَبَّةَ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ للعَيْشِ في جَنَّةِ الدُّنْيَا قَبْلَ جَنَّةِ الآخِرَةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ». إِذَا كَانَ هَذَا في حَقِّ العَامَّةِ، فَفِي حَقِّ الأَهْلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى.

بِالسَّلَامِ تَتَحَابُّ أَفْرَادُ الأُسْرَةِ، وَإِذَا كَانَت هُنَاكَ مَشَاكِلُ فَإِنَّ العُقْدَةَ الأُولَى مِنَ المَشَاكِلِ تُحَلُّ في السَّلَامِ، فَلَا تَتْرُكُوا السَّلَامَ على أَهْلِكُمْ أَبَدَاً، حَتَّى وَلَو في سَاعَةِ الخِلَافِ، لِأَنَّ السَّلَامَ سَلَامٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُصَحِّحْ عَلَاقَاتِنَا مَعَ نِسَائِنَا لَعَلَّنَا نَسْعَدُ وَيُسْعَدُوا، وَلَعَلَّنَا نُعْطِي الصُّورَةَ الحَقِيقِيَّةَ عَنِ الزَّوَاجِ المِثَالِيِّ الذي شَرَعَهُ اللهُ تعالى لَنَا.

الرُّجُولَةُ وَاللهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ سَيِّدِ الرِّجَالِ، وَسَيِّدِ السَّادَاتِ، وَسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ؛ الرُّجُولَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، الرُّجُولَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالتَّغَلُّبِ على النَّفْسِ في سَاعَةِ الغَضَبِ، فَلْنُعْطِ نِسَاءَنَا حَقَّهُنَّ بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَإِحْسَانِ المُعَاشَرَةِ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئَاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِطَلَاقَةِ الوَجْهِ مِنَ الرَّجُلِ زَوْجَتُهُ، فَهِيَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ.

اللَّهُمَّ حَسِّنْ أَخْلَاقَنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/ جمادى الأولى /1438هـ، الموافق: 29/ كانون الثاني / 2017م