161ـ نحو أسرة مسلمة :مداراة المرأة مطلوبة شرعاً

 

نحو أسرة مسلمة

161ـ مداراة المرأة مطلوبة شرعاً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَيَاةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الزَّوْجِيَّةُ نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لِمَنْ أَرَادَ الكَمَالَ، نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لِمَنْ أَرَادَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا، نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لِمَنْ أَرَادَ زِيَادَةَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ ذُرِّيَّتُهُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ، نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لِمَنْ أَرَادَ القُرْبَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَبَائِعَ النِّسَاءِ، وَكَانَ يَعْرِفُ زَوْجَاتِهِ حَقَّ المَعْرِفَةِ، فَكَانَ دَقِيقَ الانْتِبَاهِ للكَلِمَاتِ وَالحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَكَانَ مَعَ كُلِّ حَالٍ يَتَعَامَلُ مَعَهُنَّ أَلْطَفَ مُعَامَلَةٍ، وَيَتَكَلَّمُ مَعَهُنَّ بِأَلْطَفِ الكَلِمَاتِ، حَيْثُ كَانَ يَسْتَقْرِئُ حَالَةَ الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ مِنْ فِعْلِهَا وَقَوْلِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمَيْلِ إِلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَالحُكْمِ بِمَا تَقْتَضِيهِ قَرَائِنُ الحَالِ.

الزَّوْجُ الذَّكِيُّ يَغُضُّ الطَّرْفَ، وَلَا يُكْثِرُ العِتَابَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ عَرَفَ طَبَائِعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُرَاعِي شُعُورَهُنَّ وَنَفْسِيَّاتِهِنَّ، وَالزَّوْجُ الذَّكِيُّ هُوَ الذي يَحْرِصُ على احْتِرَامِ نَفْسِيَّةِ زَوْجَتِهِ، فَيَغُضُّ الطَّرْفَ، وَلَا يُكْثِرُ العِتَابَ في الأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، إِلَّا إِذَا حَصَلَتْ تَجَاوُزَاتٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَن يَأْخُذَ على يَدِهَا فِيهَا، أَمَّا مَا عَدَاهَا فَالكَمَالُ عَزِيزٌ وَنَادِرٌ، وَخَاصَّةً في النِّسَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبَعْضُ خِصَالِ الزَّوْجَةِ جِبِلَّةٌ فِيهَا يَصْعُبُ تَغْيِيرُهَا، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

وَصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ في سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلْنَتَعَلَّمْ كَيْفَ يُرَاعِي مَشَاعِرَ الزَّوْجَةِ وَنَفْسِيَّتِهَا.

روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى».

قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟

فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ».

قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.

انْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ دَقِيقَاً في مُلَاحَظَتِهِ، وَمُرَاعَاةِ شُعُورِ نَفْسِيَّةِ زَوْجَتِهِ، حَتَّى عَرَفَ رِضَاهَا وَغَضَبَهَا مِنْ مُجَرَّدِ حَلْفِهَا.

لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَكُونُ الاهْتِمَامُ بِطَبِيعَةِ المَرْأَةِ، وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهَا وَالتَّصَرُّفِ مَعَهَا في كُلِّ حَالَةٍ بِمَا تَقْتَضِيهَا.

أَدَبُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَحُسْنُ تَقْدِيرِهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَيْسَ هُنَاكَ مِنْ غَضَاضَةٍ، وَلَا جُرْمٍ، وَلَا كَبِيرَةٍ مِنَ الكَبَائِرِ مِنْ أَنْ تَغْضَبَ المَرْأَةُ على زَوْجِهَا، لِمَا يَقَعُ مِنْ أَسْبَابِ الاخْتِلَافِ المُعْتَادَةِ في حَيَاةِ النَّاسِ، وَلَكِنْ لِنَنْظُرْ إلى أَدَبِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَإِلَى فِطْنَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا قَالَتْ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟

فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ».

انْظُرُوا إلى أَدَبِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَحُسْنِ تَقدِيرِهَا وَتَعْظِيمِهَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا تَغْضَبُ لَا تَزِيدُ على قَوْلِهَا: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ.

لَقَدْ أَحْسَنَتِ الأَدَبَ؛ فَلَيْسَ هُنَاكَ شَتْمٌ وَلَا تَنْقِيصٌ، وَلَا ذِكْرُ كَلِمَةِ سُوءٍ، وَلَا نَعْتٌ بِصِفَةٍ لَا يُحِبُّهَا الزَّوْجُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ نَبْزٌ وَلَا هَمْزٌ وَلَا لَمْزٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ تُوغِرُ صَدْرَ الرَّجُلِ، وَتَنْفُخُ في إِيقَادِ نَارِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ، وَعِنْدَهَا تَنْقَلِبُ الأُمُورُ مِنْ مُشْكِلَةٍ صَغيرَةٍ إلى مُشْكِلَةٍ كَبِيرَةٍ.

مُدَارَاةُ المَرْأَةِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى العَوْدَةِ إلى دِينِنَا، وَخَاصَّةً في تَعَامُلِنَا مَعَ نِسَائِنَا، لِأَنَّ فَسَادَ الجِيلِ سَبَبُهُ فَسَادُ العَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

أَيُّهَا الزَّوْجُ، لَا تَطْلُبِ المُحَالَ، وَافْهَمْ جَيِّدَاً نَفْسِيَّةَ المَرْأَةِ، وَافْهَمْ جَيِّدَاً خِلْقَةَ المَرْأَةِ؛ إِذَا كَانَ اللهُ تعالى لَمْ يَطْلُبْ مِنْكَ أَنْ تَكُونَ مَعْصُومَاً، فَكَيْفَ تَطْلُبُ أَنْتَ مِنْ زَوْجَتِكَ أَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً لَا تَعْصِيكَ البَتَّةَ؟

روى الإمام أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.

قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: «أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ؟».

قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا.

قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا.

وفي رِوَايَةِ أَبِي داود: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَتَى نَتَعَلَّمُ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْلَاقَ الزَّوْجِ المِثَالِيِّ؟ مَتَى سَنَنْسَى المَكَانَةَ وَالمُكَابَرَةَ عَنِ الاعْتِذَارِ؟ مَتَى سَنَكْسِرُ حَاجِزَ المُعَانَدَةِ وَالمُكَابَرَةِ في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ؟ مَتَى سَنُعَلِّمُ نِسَاءَنَا الأَخْلَاقَ مِنْ أَنْفُسِنَا سُلُوكَاً قَبلَ الكَلَامِ؟

الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ لَا تَخلُو مِنَ المُكَدِّرَاتِ، وَالأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ هِيَ التي تُزِيلُ أَسْبَابَ الكَدَرِ، وَعِلَاجُ المُكَدِّرَاتِ المُعَامَلَةُ الهَادئَةُ اللَّطِيفَةُ، لَا السَّبُّ وَالشَّتْمُ وَاللَّعْنُ وَالهَمْزُ وَاللَّمْزُ. اللَّهُمَّ حَسِّنْ أَخْلَاقَنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 15/ جمادى الأولى /1438هـ، الموافق: 12/ شباط / 2017م